لم تعد الرياضة اليوم مجرد نشاط بدني يُمارس على الهامش، ولا رفاهية مؤجلة إلى وقت فراغ، بل تحولت إلى أحد المؤشرات الأساسية على جودة الحياة، ومرآة تعكس وعي الإنسان بذاته قبل جسده، ففي زمن تتسارع فيه وتيرة العمل، وتزداد فيه الضغوط الذهنية، باتت الحركة ضرورة توازي الغذاء والنوم، لا خيارًا تكميليًا كما كان يُنظر إليها سابقًا. وخلاف الصورة النمطية التي تختزل الرياضة في الأوزان الثقيلة أو التمارين القاسية، بدأت المفاهيم الحديثة تُعيد تعريفها بوصفها لغة تواصل بين الجسد والعقل، وأداة لإعادة التوازن الداخلي، فالمشي المنتظم، والتمدد، والتنفس الواعي، وحتى الرياضات الخفيفة، باتت تحظى بالاهتمام ذاته الذي تحظى به التمارين عالية الشدة، إدراكًا بأن الهدف الحقيقي لا يكمن في إنهاك الجسد، بل في إيقاظه. ويرى مختصون أن الرياضة لم تعد تُقاس فقط بعدد السعرات المحروقة، بل بقدرتها على تحسين المزاج، وتنظيم النوم، وتعزيز التركيز، ورفع كفاءة الأداء الذهني، إذ أثبتت التجارب أن الإنسان النشيط جسديًا أكثر قدرة على اتخاذ القرار، وأسرع استجابة للضغوط، وأقرب إلى الاتزان النفسي، في مقابل نمط الحياة الخامل الذي يراكم الإرهاق بصمت. واللافت أن هذا التحول في فهم الرياضة، وإن بدا وليد العصر، إلاّ أن جذوره ضاربة في عمق التراث الإسلامي، الذي نظر إلى الجسد بوصفه أمانة، وإلى قوته باعتبارها وسيلة لا غاية، فقد تناول العلماء المسلمون مسألة الحركة والاعتدال بوصفها عنصرًا أساسيًا في حفظ الصحة، وربطوا بين سلامة البدن وصفاء الذهن، مؤكدين أن لكل عضو في الإنسان حقه من الرعاية. وفي هذا السياق، يبرز ما قاله ابن القيم -رحمه الله- حين تحدث عن مفهوم الرياضة بمنهجية دقيقة تسبق عصرها، جامعًا بين الطب والتجربة والفهم العميق لطبيعة الإنسان: "ووقت الرياضة بعد انحدار الغذاء وكمال الهضم، والرياضة المعتدلة هي التي تحمر فيها البشرة وتربو، وينتدي بها البدن، فأما التي يلزمها سيلان العرق فمفرطة، وأي عضو كثرت رياضته قوي، خاصةً على نوع تلك الرياضة، بل كل قوة فهذا شأنها، فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة، ولكل عضو رياضة تخصه".