لم يعد التنمر سلوكاً عابراً يمكن التغاضي عنه أو اعتباره جزءاً طبيعياً من مراحل النمو، بل أصبح ظاهرة اجتماعية وتربوية مقلقة تهدد بيئة التعليم الآمنة، وتترك آثاراً نفسية عميقة قد تمتد لسنوات طويلة في حياة الضحية، وفي المدارس يظهر التنمر بأشكال متعددة، منها اللفظي والجسدي والنفسي والإلكتروني، وغالباً ما يحدث أمام أعين زملاء صامتين أو داخل مساحات يصعب على المعلمين مراقبتها بشكل دائم. ويرى مختصون في علم النفس التربوي أن التنمر ليس مشكلة فردية فقط، بل هو انعكاس لبيئة اجتماعية وتعليمية تعاني من خلل في التواصل وضعف في تعزيز القيم الإنسانية، فالمتنمر في كثير من الأحيان لا يولد متنمراً، وإنما يكتسب هذا السلوك نتيجة تعرضه لضغوط أسرية أو عنف أو إهمال عاطفي. ويؤكد اختصاصيو الإرشاد الطلابي أن أخطر ما في التنمر هو الصمت، سواء من الضحية أو من الشهود؛ لأن الصمت يمنح المتنمر شعوراً بالقوة والاستمرار، وكثير من الطلاب لا يبلغون عن تعرضهم للتنمر خوفاً من السخرية أو الانتقام أو عدم تصديقهم، ما يؤدي إلى تراكم الأذى النفسي. من جانب تربوي، يشير خبراء التعليم إلى أن دور المدرسة لا يقتصر على العقاب عند وقوع المشكلة، بل يبدأ من الوقاية وبناء ثقافة مدرسية قائمة على الاحترام والتقبل، فعندما يشعر الطالب أن المدرسة مكان آمن له، وأن صوته مسموع، تقل فرص انتشار التنمر بشكل كبير. وعن الحلول، يرى مختصون أن المواجهة الفاعلة تبدأ من الأسرة، من خلال تنشئة الأبناء على التعاطف واحترام الآخر، وتعليمهم أن القوة الحقيقية ليست في الإيذاء بل في الأخلاق، كذلك الأسرة مطالبة بالإنصات لأبنائها ومتابعة سلوكهم داخل المدرسة وخارجها. وشدد تربويون على أهمية وجود برامج توعوية مستمرة، وليست موسمية، تشرح للطلاب معنى التنمر وآثاره النفسية والاجتماعية، وتوضح لهم طرق طلب المساعدة دون خوف، كما أن تمكين المرشدين الطلابيين ومنحهم دوراً فاعلاً في التعامل مع الحالات، يسهم في احتواء المشكلة بأسلوب تربوي. ويرى مختصون في الصحة النفسية أن الحل لا يكون بالعقاب وحده، بل بالعلاج السلوكي والتربوي، خاصة مع المتنمر، لفهم الدوافع الحقيقية وراء سلوكه، والعمل على تعديلها. ومع تطور التقنية، برز التنمر الإلكتروني كأحد أخطر التحديات، حيث ينتقل الأذى من أسوار المدرسة إلى الهواتف والشاشات، وهنا يؤكد الخبراء على ضرورة توعية الطلاب بالاستخدام الآمن للتقنية، وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم والإبلاغ عن الإساءة. الصمت يمنح المتنمر شعوراً بالقوة والاستمرار