في الحياة، لا نسافر وحدنا؛ ثمة وجوه تُرافقنا دون موعد، تُغيّر اتجاهنا دون استئذان، وتختبرنا دون أن تدري، في رحلة الحياة، لا أحد يضمن موقعه، أحيانًا تكون في مقعد القيادة، وأحيانًا في مؤخرة الطائرة، وأحيانًا تقف بين المقاعد، تحاول أن تجد توازنك وسط الاضطراب، لكننا جميعًا، بطريقةٍ ما، ننتمي إلى طاقم الرحلة، كل من مرّ في حياتنا كان يؤدي دورًا مؤقتًا أو دائمًا: من منحنا الأمان، ومن زعزعنا لنفهم معنى الثبات، ومن جاء ليُصلح فينا شيئًا لم نكن نراه ونحن نعيش في العادي. بعض الوجوه عابرة، لكنها تترك فينا ما لا يُمحى، وبعضها باقٍ، لكنه لا يضيف سوى الضجيج، وفي كل مرة نحاول فيها فهم المعنى، نكتشف أن الله يضع في طريقنا الناس كاختبارات، لا كصدف. ربما من ظننا أنه أرهقنا، كان في الحقيقة يوقظ فينا القوة، ومن كسرنا، علّمنا كيف نُرمّم أنفسنا دون انتظار. وربما أولئك الذين غادروا بصمتٍ تام، كانوا أكثر صدقًا ممن وعدوا بالبقاء ولم يفعلوا. الحياة لا تشرح نواياها، هي تمضي فقط، وتترك لنا مهمة الفهم. وفي كل مرحلة، تُرسل لنا طاقمًا جديدًا: يُعيننا، يُختبرنا، أو يُعلّمنا أن الاعتماد على الله وحده هو النجاة الحقيقية. وفي النهاية، قد نختلف في الوجوه التي رافقتنا، لكننا نتشابه في الدروس التي خرجنا بها. فكل محطة تركت فينا شيئًا، وكل شخص مرّ، كان سببًا في أن نصبح أكثر وعيًا مما كنا عليه. ومع ذلك، يبقى السؤال الأعمق: فهل كانت الرحلة اختبارًا للطريق... أم لاكتشاف من نحن حين يرحل الجميع؟ أم أن القدر يختارهم بدقة مؤلمة ليكشف حقيقتنا في كل مرة نهتزّ فيها؟ وهل نملك الشجاعة يومًا أن نُغيّر المقعد قبل أن نفقد أنفسنا في رحلة لا تشبهنا؟