حصلتُ عام 2023 على منحة من مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، الذي مقره فرع "سونغ جيانغ" في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية "SISU"، التي تدير المركز، ولكني اخترت الفرع الثاني للجامعة في "هونغ كو"، لأنه أقرب للأسواق والمحلات التجارية. وأول ما يلفت الانتباه في هذا الصدد، هو مدى الأهمية التي تعلقها الصين على مثل هذه المراكز، فقد اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ القاهرة للإعلان عن إنشائه، خلال زيارته لمقر جامعة الدول العربية عام 2016. وفي عام 2022، عاود الرئيس الصيني، ولكن هذه المرة من الرياض، خلال القمة الصينية العربية الأولى، للتأكيد على أن الجانب الصيني سيواصل تعظيم دور مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، بغية تعزيز الحوار بين الحضارات وتدعيم تبادل الخبرات في مجال الحوكمة والإدارة. ولذلك يحظى هذا المركز، الذي سوف تحل الذكرى العاشرة لإنشائه العام القادم، برعاية وزارة الخارجية ووزارة التعليم الصينية، وحكومة بلدية شنغهاي. فهذا المركز يخطط لبناء قاعدة فكرية من الدرجة الأولى عالميا ومنصة دولية للتواصل الفكري من خلال العديد من الفعاليات التي تشمل إقامة الدورات الدراسية وإعداد الكفاءات والدراسات والبحوث والتواصل الإنساني والثقافي. وخلال الأعوام القليلة من عمره أصبح المركز منصة فكرية لتبادل الخبرات في مجال الإصلاح والانفتاح وحكم وإدارة البلاد بين الجانبين العربي والصيني. ولذلك، فإن المنحة التي حصلت عليها من قبل المركز، تأتي ضمن هذا التوجه من أجل اكتساب المعرفة والخبرة، والتمكن من خدمة بلدي بصورة أفضل. لقد كانت تجربة أكثر من رائعة، استفدت منها، وذلك على نحو مشابه للمنحة التي حصلت عليها عام 2006، لمدة 3 شهور في جامعة برادفورد (University of Bradford) شمال إنجلترا، لدورة بعنوان: "حوكمة الاقتصاد والإصلاح". فدورة برادفورد قد أغنت معارفي، وجعلتني أقرب إلى بريطانيا وأكثر اهتمام بها، وذلك مثل ال3 شهور التي قضيتها في مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية بجامعة شنغهاي، التي طورت معارفي ومكنتني من الاقتراب أكثر من التجربة الصينية. إننا في أمس الحاجة لإنشاء ودعم مثل هذه المراكز، حتى نتمكن من الاطلاع على تجارب البلدان الأخرى بصورة أفضل، وخاصة البلدان الطليعية التي تحرص المملكة على تعزيز العلاقات معها مثل الصين. فوجود مثل هذه المراكز من شأنه أن يفتح آفاق أوسع للاطلاع على تجارب النمو والإدارة في تلك البلدان وتبادل الخبرة معها في المجالات المهمة، خصوصاً في المجال الاقتصادي، لمعرفة الأساليب التي اتبعت من أجل الوصول إلى ما وصلوا إليه. وأنا أكتب هذه السطور، وأمامي تحليل بوليتيكو politico بتاريخ 10 من هذا الشهر بعنوان: كيف يمكن لشبكة جديدة بين روسياوالصين والولايات المتحدة أن تعمل. ولمن يرغب الاطلاع على التحليل، هذا هو عنوانه الأصلي: How a new Russia-China-US network could work. فالحديث يدور عن عزم واشنطن على إنشاء تكتل عالمي جديد تحت مسمى G5، تضم روسياوالصين والهند واليابان بالإضافة لأمريكا، لتكون بديل عن G7، فهذا إذا تم، فإنه سوف يبدل الموازين العالمية القائمة. ولذلك، فإن تبادل الخبرة مع الصين، التي هي شريكنا التجاري رقم 1، والتي سوف تكون إحدى أقطاب النظام العالمي الجديد، الذي يمر الآن بمرحلة انتقالية، هو أمر مهم للغاية، وأعتقد أن أقصر الطرق لذلك، هو دعم مراكز البحوث ذات الصلة، حتى تتمكن من التعمق في دراسة الملحمة التي خاضها الصينيون، والاستفادة منها على أكمل وجه لتحقيق ما نصبو إليه من تقدم وازدهار خلال أقصر فترة ممكنة.