يشهد العالم تحولًا متسارعًا نحو الاقتصادات المعتمدة على المعرفة والإبداع والابتكار بوصفها ركائز أساسية للنمو والتنمية. وفي هذا الإطار، تتبنى المملكة العربية السعودية توجّهًا استراتيجيًا طموحًا لتعزيز اقتصاد متنوع ومستدام يستند إلى القدرات البشرية والمهارات الإبداعية، متّسقًا مع مستهدفات رؤية 2030. واعتبرت سارة عبدالعزيز المعيذر الاقتصاد الإبداعي أحد أبرز المحاور المركزية في هذا التحول، ليس فقط كقطاع اقتصادي واعد، بل كقوة ناعمة قادرة على تعزيز الهوية الوطنية، وتفعيل الدور الثقافي للمملكة، وخلق فرص اقتصادية جديدة قادرة على استيعاب الطاقات الشابة وتوجيهها نحو الابتكار والإنتاج المعرفي. واعتبرت الاقتصاد الإبداعي بمنظومة من الأنشطة الاقتصادية القائمة على الإبداع والمهارات البشرية والفنون والثقافة والتكنولوجيا لإنتاج سلع وخدمات ذات قيمة اقتصادية وثقافية عالية. وفي السعودية، اتسع مفهومه ليشمل: الصناعات الثقافية والفنية: مثل الفنون البصرية والموسيقى والمسرح. والصناعات الإعلامية والرقمية: مثل المحتوى الرقمي، البودكاست، وصناعة الألعاب الإلكترونية. والقطاعات الإبداعية الحديثة: التصميم، الأزياء، العمارة، والهندسة الإبداعية. والتراث الوطني والحرف التقليدية: باعتبارها مصدرًا اقتصاديًا وثقافيًا متجددًا. والسينما وصناعة الأفلام: بدعم مباشر من هيئة الأفلام وبرامج دعم المواهب. ويبرز هذا المفهوم ضمن رؤية المملكة في تحويل الثقافة والإبداع من نشاط اجتماعي إلى قطاع اقتصادي منتج ذي أثر مباشر على التنمية الوطنية. وتمكن أهمية الاقتصاد الإبداعي في المملكة، وفقاً للمعيذر في: تنويع القاعدة الاقتصادية يسهم الاقتصاد الإبداعي في تحقيق التنويع الاقتصادي الذي تستهدفه رؤية 2030، من خلال خلق قطاعات جديدة ذات مرونة عالية وقابلة للنمو، بعيدًا عن تقلبات أسواق الطاقة. وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي تعمل المملكة على رفع مساهمة الصناعات الإبداعية في الناتج المحلي عبر تطوير الأنظمة واللوائح، وتمكين الاستثمار في التصميم، السينما، المحتوى الرقمي، والأزياء، ما يجعل القطاع أحد محركات النمو المستقبلية. وإثراء الحياة الثقافية وتعزيز القوة الناعمة يمثل الاقتصاد الإبداعي قناة رئيسة لإبراز الهوية السعودية عالميًا، عبر تعزيز المشهد الثقافي وإطلاق فعاليات كبرى (مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي وموسم الرياض) تسهم في الارتقاء بصورة المملكة على المستوى الدولي. وخلق فرص عمل نوعية ومستدامة تتجه فرص العمل نحو المهارات الإبداعية والرقمية التي تتوافق مع توجه الدولة لتمكين الشباب والمرأة، وتلبية احتياجات سوق العمل الجديد. ودعم السياحة الثقافية يلعب الاقتصاد الإبداعي دورًا حيويًا في تطوير السياحة الثقافية، من خلال تنشيط المتاحف، الفعاليات الفنية، والمواقع التراثية، مما يعزز قطاع السياحة بوصفه أحد أعمدة الاقتصاد الكلي. وقالت سارة المعيذر: إن البنية التنظيمية والمؤسسية للاقتصاد الإبداعي في المملكة تتمثل في وزارة الثقافة والهيئات الثقافية أُنشئت 16 هيئة ثقافية متخصصة تمثل بنية مؤسساتية متقدمة تشمل: هيئة الأفلام، هيئة الموسيقى، هيئة التراث، هيئة الأزياء، هيئة المسرح والفنون الأدائية، وغيرها. وتعمل هذه الهيئات على: تطوير التشريعات، تنظيم السوق، ودعم المستثمرين، بناء القدرات الوطنية، وتوفير بنى تحتية ثقافية متكاملة. كما تشمل البنية، صندوق التنمية الثقافي يمثل خطوة استراتيجية لمعالجة تحديات التمويل عبر دعم المشاريع الإبداعية والرواد والمواهب، وتوفير حلول تمويلية مبتكرة تشجع الاستثمار في هذا القطاع. وكذلك هيئة الترفيه وهيئة السياحة تسهمان في تطوير الفعاليات الكبرى، ودعم الصناعات السينمائية، والمهرجانات، والمشاريع الترفيهية، مما يعزز الترابط بين الاقتصاد الإبداعي والسياحة، ويرفع القيمة الاقتصادية المضافة. إضافة إلى برامج التعليم والتدريب أطلقت المملكة برامج تعليمية محلية ودولية بالشراكة مع جامعات عالمية، لتأهيل كوادر وطنية في مجالات مثل: التصميم والأزياء، الإنتاج السينمائي، والموسيقى، إدارة الفنون، الحرف التراثية. وعن التحديات التي يواجهها الاقتصاد الإبداعي السعودي، بين المعيذر أنها تتركز في: نقص الكفاءات المتخصصة رغم التحسن الكبير، لا تزال الحاجة مستمرة إلى مزيد من الكوادر المتخصصة في الفنون الرقمية، الإنتاج السينمائي، التصميم الصناعي، وإدارة الأعمال الإبداعية. والحاجة إلى تعزيز حماية الملكية الفكرية تطوير آليات أكثر فاعلية لحماية حقوق المبدعين يسهم في زيادة ثقة المستثمرين والمواهب. ومحدودية البنية التحتية في بعض المناطق تتطلب الصناعات الإبداعية وجود مسارح، استوديوهات احترافية، مدارس للفنون، ومراكز تصميم، وهي بنى قيد التوسع لكنها ما زالت في طور التطوير. والفجوة بين القطاع الأكاديمي والقطاع الإبداعي الحاجة ملحة لربط التعليم بالمهارات المطلوبة داخل سوق الصناعات الإبداعية بما يعزز التوافق الوظيفي ويدعم توطين هذا القطاع الحيوي. وترى المعيذر أن الاقتصاد الإبداعي يُنتظر يحقق قفزة نوعية خلال السنوات المقبلة، من خلال: زيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، تحويل المملكة إلى مركز ثقافي وإبداعي إقليمي، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية، ودعم الشركات الناشئة في مجالات المحتوى الرقمي، الأزياء، السينما، والألعاب الإلكترونية، وتعزيز الهوية الوطنية كقوة ناعمة عالمية، وتمكين الشباب للمشاركة في الاقتصاد المعرفي، الارتقاء بمكانة السعودية في مؤشر الاقتصاد الإبداعي العالمي. كما أن التطور السريع في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الإبداعية سيمنح المملكة فرصًا لتطوير مشروعات مبتكرة تتماشى مع الاقتصاد الرقمي العالمي. وختمت المعيذر بقولها: يمثل الاقتصاد الإبداعي في المملكة العربية السعودية رافدًا محوريًا في عملية التحول الوطني، إذ يجمع بين الإبداع، الثقافة، الاقتصاد، والتقنية في منظومة تكاملية تدعم مسار التنمية الشاملة. وقد أسهمت رؤية 2030 في إعادة صياغة هذا القطاع بوصفه أساسًا لبناء اقتصاد متنوع، مستدام، ومبني على المعرفة، قادر على المنافسة عالميًا. ومع استمرار التطوير المؤسسي، وتمكين المواهب الوطنية، ودعم الاستثمار، يُتوقع أن يصبح الاقتصاد الإبداعي أحد الأعمدة الرئيسة للمستقبل الاقتصادي الاستراتيجي ودعم التحول الوطني وتحقيق التنمية المستدامة بالمملكة. سارة عبدالعزيز المعيذر