من المفارقات أن إنسان العصر يملك أكبر مساحة حرية على الإطلاق، والعجيب أنه يعيش في أضيق سجون الحياة التي يشكلها تسارع الزمن والإيقاع السريع بفعل ثورة المعلومات ومعرفات التواصل وتطبيقات البيع والشراء وهذه معضلة جعلت من الصعوبة استعادة ذاته القديمة في ظل تزايد التزامات العمل واتساع دائرة الانشغال اليومي، لأنه محاصر بتوقعات واقعية وافتراضية، ومشدود دائما إلى تقنية رقمية تقضي على ما بقي من تركيزه. وكيف له أن يستعيد اتصاله بذاته في خضم هذا العالم الذي اتسعت فيه الحرية نظريا وضاقت مساحتها على أرض الواقع؟، خاصة في ظل تقاطع المصالح على الصعيد المهني والاجتماعي مع هذه المؤثرات، الأمر الذي قلص المساحة المتاحة على الرغم من كل المحاولات الحثيثة للعودة إلى نطاق التوازن إلا أنه ينجذب لا إراديا إلى نمط حياة يفرض إيقاعه في نهاية الأمر، ولم تعد الأهمية مقتصرة على ادارة الوقت بقدر اهمية جودة الوقت نفسه من حيث الاحساس بتجليات اللحظة وأبعادها الذهنية والنفسية. على اعتبار أن أكثر الدراسات والأبحاث تؤكد أن الاعتماد المتزايد على الوسائط الرقمية قلل بشكل مباشر من فرص الانفصال عن مصادر التشتيت الذهني، الأمر الذي جعل المهام اليومية تتداخل في ما بينها، ودفع الناس إلى العمل تحت وتيرة متسارعة لا تسمح بوجود فواصل ذهنية كافية، وبالتالي باتت مسألة إدارة جودة الوقت عنصرًا أساسيًا في تعزيز الكفاءة، بعد أن اتضح أن إدارة الوقت وحدها لم تعد كافية في ظل طبيعة الإيقاع الحالي.