شهد ملتقى الصحة العالمي 2025 في الرياض حضوراً لافتاً أكد من جديد الدور المتنامي للمملكة العربية السعودية كمركز عالمي للابتكار الطبي، والتحول الصحي. وكان من بين أبرز المتحدثين في الملتقى البروفيسور الدكتور غسان أبو علفا، استشاري أورام الجهاز الهضمي في مركز ميموريال سلون كترينغ لعلاج السرطان في نيويورك. وفي كلمته خلال الملتقى، أشاد د. أبو علفا بالطموح السعودي ورؤية المملكة الواضحة نحو بناء منظومة صحية متقدمة قادرة على قيادة الابتكار الطبي إقليمياً وعالمياً. وأكد أن مستقبل الرعاية الصحية في السعودية يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية: علم الجينوم، المستشفيات الذكية، وإدارة البيانات بشكل أخلاقي ومتوازن مما يخلق حقبة جديدة من الابتكار الذي يضع المريض دائما في المقام الأول. و شدد د. أبو علفا على أن التكنولوجيا ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتحسين حياة الإنسان. وأوضح أن هذا المبدأ يجمع بين رؤية المملكة الطموحة وفلسفة مركز ميموريال سلون كترينغ، حيث يتم توظيف علم الجينوم والأدوات الرقمية لخدمة المريض أولاً. وأكد أن هذا النهج يعزز الدور القيادي للمملكة في تطوير الرعاية الصحية الحديثة ودفع مسار التقدم العلمي. وأشاد د. أبو علفا بالاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية التي أطلقتها المملكة، واصفاً إياها بخطوة أساسية ترسخ مكانة السعودية كقوة إقليمية في مجال التقنية الحيوية. وأوضح أن هذه الاستراتيجية تساهم في بناء الكفاءات العلمية، وتسريع الاكتشافات، ودعم التحول نحو الطب الدقيق المبني على الخصائص الجينية والبيئية لكل مجتمع. وفي سياق الحديث عن علم الجينوم، أشار د. أبو علفا إلى أن الاختلافات الجينية بين المجتمعات تجعل من الضروري تطوير قواعد بيانات محلية خاصة بالسعودية، لا سيما أنها دولة ذات تركيبة سكانية شابة. وذكر أن فحصMSK IMPACT يقوم بتحليل التغيرات الصبغية والجينية ويتم إنشاء واحدة من أكثر مجموعات البيانات الجينية شمولاً في العالم. وهذه القدرة متاحة عالميًا من خلال مركز ميموريال سلون كترينغ، مما يتيح للباحثين مقارنة البيانات بمسؤولية والحصول على رؤى تعكس احتياجات المجتمعات المحلية. و عن التجارب السريرية أكد د. أبو علفا أن تطوير معظم العلاجات العالمية تم استناداً إلى بيانات من أميركا الشمالية وأوروبا واليابان، وهو ما يحد من فعاليتها في مناطق أخرى. ولذلك تعد التجارب السريرية المحلية في السعودية ضرورة لتطوير علاجات أكثر دقة وفعالية مبنية على بيانات السكان المحليين، مما يعزز العدالة الصحية ويحسن النتائج العلاجية. كما تطرق د. أبو علفا إلى مفهوم المستشفيات الذكية، موضحاً أنها منظومات متكاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقمية لخلق رعاية مستمرة وقادرة على التنبؤ بالاحتياجات الصحية. وأشار إلى أن مركز ميموريال سلون كترينغ لعلاج السرطان يستخدم نموذجاً يربط مركزاً رئيسياً بعدة مواقع فرعية عن طريق الأقمار الصناعية و تعمل ككيان واحد، ما يتيح لمرضى السعودية تلقي رعاية متصلة بين الأطباء في نيويورك وأطبائهم المحليين في السعودية من التشخيص وحتى المتابعة. و أكد د. أبو علفا أن خصوصية البيانات الطبية ضرورية للغاية، ولكن الإفراط في تقييدها قد يحد من قيمة البيانات للتقدم العلمي. ودعا إلى اعتماد توازن يقوم على «الدبلوماسية الطبية» و«التعلم الفيدرالي» الذي يسمح للدول بحماية بياناتها داخلياً مع المساهمة في الوقت نفسه في تحليلات عالمية تدعم النتائج الأفضل للمرضى في جميع أنحاء العالم دون نقل البيانات الأصلية مما يحمي حقوق المرضى ويتيح للعلماء التعاون بطريقة تُسرّع الاكتشافات. واعتبر د. أبو علفا أن هذا النموذج مثالياً لبلد يبني منظومة بحث وتقنية حيوية قوية مثل السعودية. واختتم د. أبو علفا حديثه بالتأكيد على أن النقاط الرئيسية التي برزت من خلال المناقشات في ملتقى الصحة العالمي عديدة أهمها أن علم الجينوم، والذكاء الاصطناعي، والتكامل الرقمي هم أساس تشكيل مستقبل الرعاية الصحية من خلال التنبؤ بالمخاطر، والوقاية من الأمراض، وتخصيص العلاج. كما أشار إلى أن التعاون العلمي سيظل محرك الابتكار الأساسي، وأن الاكتشافات المستقبلية يجب أن تعكس الاحتياجات الإقليمية، كما يجب أن تكون منظومة الرعاية الصحية مصممة للناس من قبل الناس، مع الاستفادة من الرؤى النابعة من المجتمعات التي تخدمها.