شراكة أمنية عابرة للحدود لمواجهة الإرهاب العالمي منذ أكثر من ثمانية عقود، نسجت المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية خيوط علاقة استراتيجية تعد من أكثر الشراكات ثباتًا وتأثيرًا في الشرق الأوسط. فبدايتها التاريخية تعود إلى اللقاء الشهير بين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد لرحمن آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945م على متن البارجة «كوينسي»، ذلك اللقاء الذي لم يكن مجرد اجتماع دبلوماسي، بل نقطة تحول في موازين الأمن الإقليمي والعالمي. ترسخت الثقة السياسية حينها على قاعدة المصالح المشتركة، النفط مقابل الأمن، لتتحول لاحقاً إلى تعاون شامل يتجاوز الطاقة إلى مجالات الدفاع، والتقنيات الحديثة، وتبادل المعلومات. ومع مرور الزمن، لم تكن العلاقة خالية من التحديات أو الخلافات، لكنها ظلت محكومة بعامل الثقة المتبادلة ووعي البلدين بأهمية الاستقرار في منطقة حيوية كمنطقة الخليج العربي. في الجانب العسكري، شكّل التحالف السعودي-الأميركي أحد الأعمدة الرئيسة للأمن الإقليمي، حيث قامت الولاياتالمتحدة بدعم القوات المسلحة السعودية بالتدريب والتجهيز، فيما شاركت المملكة بفاعلية في حماية الممرات البحرية وضمان أمن الطاقة العالمي. وقد أسهمت صفقات التسليح الكبرى في تعزيز القدرات الدفاعية السعودية، خصوصًا في مجالات الطيران، وأنظمة الدفاع الجوي، والاستخبارات العسكرية. ومع إطلاق رؤية السعودية 2030، تغير شكل التعاون الدفاعي من مجرد استيراد السلاح إلى توطين التقنية ونقل المعرفة، عبر شراكات بين الشركات السعودية والمؤسسات الدفاعية الأميركية. لم يعد الهدف فقط حماية الحدود، بل بناء صناعة عسكرية وطنية قادرة على المنافسة العالمية، تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الوطني. كذلك توسع مفهوم الأمن في السنوات الأخيرة ليشمل الأمن السيبراني والدفاع الرقمي، وهو مجال بات يحتل موقعاً محورياً في العلاقة بين الرياضوواشنطن، نظراً لتزايد الهجمات الإلكترونية واستهداف البنية التحتية الحيوية. في هذا السياق، شهدت السنوات الأخيرة إنشاء مراكز تدريب مشتركة، وتبادل خبرات بين الهيئات الدفاعية في البلدين لمواجهة التهديدات الحديثة. إن العلاقات الدفاعية بين السعودية والولاياتالمتحدة لاتقتصر على المصالح التكتيكية، بل تعكس تحالفاً استراتيجياً طويل الأمد، يوازن بين متطلبات الأمن القومي السعودي ودور أميركا العالمي في ضمان استقرار المنطقة. ومع استمرار التحديات الإقليمية في البحر الأحمر والخليج واليمن، يظل هذا التعاون حجر الزاوية في حماية المصالح المشتركة وصناعة السلام. من جذور التاريخ إلى حاضر الشراكة العسكرية يعود التحالف العسكري بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة إلى لحظة مفصلية في التاريخ الحديث، حين التقى الملك عبدالعزيز بالرئيس الأميركي روزفلت في الرابع عشر من فبراير عام1945م،على متن البارجة الأميركية «كوينسي» في قناة السويس. كان ذلك اللقاء بداية تأسيس الثقة السياسية والعسكرية بين البلدين، ووضع اللبنة الأولى لشراكة استراتيجية استمرت لعقود. في تلك المرحلة، كانت المملكة تخطو خطواتها الأولى نحو بناء الدولة الحديثة، فيما كانت الولاياتالمتحدة الأميركية تبرز كقوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية. شكل اللقاء اتفاقاً ضمنياً على تبادل المصالح، أمن الطاقة مقابل الأمن الإقليمي. إذ تعهدت واشنطن بدعم استقرار المملكة وحمايتها من أي تهديد خارجي، بينما ضمنت حصولها على إمدادات مستقرة من النفط السعودي، الذي أصبح شرياناً حيوياً للصناعة العالمية. على مر العقود، لم يقتصر التحالف السعودي-الأميركي على اتفاقيات سياسية، بل تحول إلى شراكة استراتيجية متينة تجسد في ميادين الدفاع والأمن. فقد تطور التعاون العسكري بين البلدين ليشمل مجالات التدريب والتخطيط وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مما عزز من قدرات القوات السعودية على حماية حدودها ومصالحها الإقليمية. لعبت الولاياتالمتحدة دوراً محورياً في تحديث منظومة الدفاع السعودي عبر تزويدها بأحدث التقنيات العسكرية ونظم التسليح المتقدمة، بينما برزت المملكة كشريك موثوق يعتمد عليه في تحقيق التوازن والاستقرار في المنطقة. هذا التحالف انبثق من اللقاء التاريخي وأثبت صلابته أمام التحديات المتغيرة التي شهدتها المنطقة والعالم. فلم يكن مجرد تفاهم سياسي عابر، فالعلاقة مبنية على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، تتجدد مع كل مرحلة من مراحل التحول الإقليمي. لقد شكل لقاء الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت نقطة انطلاق مسار طويل من التعاون الاستراتيجي، يقوم على معادلة واضحة الاستقرار مقابل الشراكة. ومنذ ذلك التاريخ، بات هذا التحالف أحد أبرز ركائز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وجسراً مستمراً للتنسيق والتفاهم بين الرياضوواشنطن. صفقات التسليح.. وجه جديد للتحالف العسكري شهدت العلاقات الدفاعية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية تطوراً متسارعاً منذ منتصف القرن العشرين، إذا شكلت صفقات التسليح إحدى أهم ركائز التحالف العسكري بين البلدين. فمع بدايات الخمسينات بدأت واشنطن بتزويد الرياض بأحدث أنظمة الأسلحة المتقدمة، في خطوة تهدف إلى دعم استقرار المملكة وتعزيز قدرتها على حماية أمنها الوطني. شملت تلك الصفقات منظمات دفاع جوي متطورة وطائرات مقاتلة من طرازات مختلفة مثل (F-15) و(باتريوت)، إضافة إلى برامج تدريب وتأهيل مكثفة للكوادر العسكرية السعودية داخل وخارج المملكة. وقد أسهم هذا التعاون في بناء قاعدة احترافية من الضباط والخبراء القادرين على تشغيل الأنظمة الدفاعية الحديثة وإدارتها بكفاءة عالية. وفي السنوات الأخيرة ومع إطلاق رؤية السعودية 2030، اتجهت الرياض إلى توطين الصناعات العسكرية بنسبة تصل إلى 50 % من الإنفاق الدفاعي، مما جعل التعاون مع الجانب الأميركي يتخذ بعداً جديداً قائماً على نقل التقنية والتصنيع المشترك. وبرزت في هذا الإطار شركات كبرى مثل»بوينغ» و»لوكهيد مارتن» و»رايثيون» ضمن مشاريع تطوير الصناعات الدفاعية المحلية بالتعاون مع الهيئة العامة للصناعات العسكرية. هذا التطور يعكس تحول العلاقة من مجرد صفقات تسليح إلى شراكة دفاعية إستراتيجية طويلة الأمد، تعنى بالتطوير والابتكار والتأهيل البشري، لتصبح المملكة اليوم إحدى الدول المحورية في حفظ أمن المنطقة واستقرارها، عبر منظومة دفاعية متقدمة تجمع بين التقنية العالمية والرؤية الوطنية. شراكة أمنية لمواجهة الإرهاب العالمي في قلب التحالف العسكري بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية تكمن شراكة أمنية واستراتيجية متينة، تقوم على تنسيق استخباراتي وأمني مكثف يهدف إلى استئصال جذور الإرهاب وحماية الأمن الإقليمي والعالمي. منذ أوائل الألفية، ومع تصاعد نشاط تنظيم القاعدة وفروعها في شبه الجزيرة العربية، شهد التعاون بين البلدين تحولاً جذرياً عبر توقيع اتفاقيات تقنية وأمنية لتعزيز قدرات المملكة في الوقاية والمواجهة. في السنوات الأخيرة، تطورت علاقة التعاون الأمني والاستخباراتي بين السعودية والولاياتالمتحدة لتشكل جزءًا محوريًا من الجهود الإقليمية والدولية في مكافحة الجماعات المتطرفة وحماية الأمن الإقليمي والعالمي. فالمملكة تُعد شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة في حربها ضد التنظيمات المتطرفة، حيث أكدت تقارير أن المملكة تُعد شريكا لا غنى عنه في تعطيل شبكات التمويل الإرهابي. من الجانب السعودي، أشيد بدور المملكة كشريك نشط في تحالفات مثل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب ،إذا أشارت التقارير الأميركية إلى أن السعودية كانت محوراً في رصد وضبط التمويل والتدفقات المرتبطة بالإرهاب الدولي. هذا التنسيق لم يقتصر على تبادل المعلومات فحسب، بل شمل بناء القدرات المحلية، حماية البنى التحتية الحيوية، وضمان أمن الملاحة في مضائق حيوية تتعرض لمخاطر التنظيمات والميليشيات. وهكذا تتحول العلاقة من مجرد تعاون ارتجالي إلى شراكة أمنية استراتيجية طويلة المدى، تستند إلى المصالح المشتركة والتهديدات المتقاربة، وتظل المملكة والولاياتالمتحدة ملتزمتين باستراتيجية أمنية تجمع بين الوقاية، التحالف، والتعاون الاستخباراتي المكثف والمستمر في بيئة دولية متغيرة. التعاون السعودي - الأميركي في قلب أمن الخليج يعتبر أمن الخليج العربي أحد أبرز أولويات المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية في ظل التحديات المتزايدة، التي تواجه الممرات البحرية الحيوية وتهديدات استقرار الطاقة العالمية. وتبرز الشراكة الدفاعية بين البلدين كعمود فقري لاستراتيجية مشتركة تهدف إلى حماية خطوط الملاحة،وضمان انسيابية تدفق النفط والغاز، فضلا عن الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. على مدار السنوات، تطورت هذه الشراكة من التنسيق التقليدي إلى عمليات مشتركة، تشمل التدريب البحري المشترك، دوريات الحماية، ومراقبة التحركات المريبة في المياه الدولية. وقد شهدت الفترة الأخيرة تنفيذ تدريبات بحرية مكثفة مثل تمرين «Nautical Defender» الذي ضم القوات البحرية السعودية والأسطول الخامس الأميركي، وركز على مواجهة الألغام البحرية والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى تعزيز قدرات المراقبة الاستخباراتية. ويؤكد المسؤولون السعوديون والأميركيون أن التعاون لا يقتصر على الجوانب العسكرية، بل يشمل الأمن البحري والوقاية من تهديدات الطاقة، والأمن السيبراني للموانئ الحيوية. وقد أثمرت هذه الاستراتيجية المشتركة في تعزيز قدرة المملكة على حماية الممرات البحرية الحساسة، خصوصاً مضيقي هرمز وباب المندب اللذين يشكلان شريانا أساسيا للإمدادات العالمية من النفط. ويبرز هذا التعاون أيضاً على مستوى السياسات الإقليمية والدولية، تلعب المملكة دور الوسيط المستقر ضمن التحالفات الإقليمية والدولية، بينما تقدم الولاياتالمتحدة الخبرة التقنية، والدعم اللوجستي لتأمين المنطقة من أي تهديدات ارهابية أو عسكرية محتملة. وهكذا، تتحول العلاقة إلى شراكة استراتيجية طويلة المدى، تجمع بين الاستعداد العسكري، الاستقرار السياسي، وحماية خطوط الطاقة العالمية. مما يجعل الخليج العربي منطقة آمنة نسبيا ًرغم التحديات المتصاعدة. المناورات العسكرية ركيزة الشراكة الاستراتيجية في إطار الشراكة الدفاعية المتنامية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية، تبرز المناورات المشتركة كأحد أعمدة هذا التعاون، حيث تمثل تجسيدًا عمليًا لتعزيز الكفاءة القتالية والتكامل بين القوات المسلحة للبلدين. ومن بين هذه التدريبات «درع الوقاية 2» التي نُفذت في قاعدة الأمير سلطان الجوية في القطاع الأوسط عام 2018، وتضمنت سيناريوهات للتعامل مع أسلحة الدمار الشامل والأزمات المعاصرة. كما أطلقت مناورات أحدث مثل «Quincy-1» التي شهدت انطلاقها على أرض أمريكية، في قاعدة فورت إروين في كاليفورنيا، بمشاركة قوات سعودية وأمريكية، هدفها تعزيز الجاهزية التشغيلية وتبادل الخبرات وإجراء عمليات مشتركة في بيئات قتال متعددة. إن هذه التمارين لا تقتصر على تدريب روتيني، بل تشكل منصة لتجربة تكتيكات متقدمة وتعزيز قدرة قوات البلدين على العمل المتزامن والجماعي. فعند تنفيذ سيناريوهات تمرين مشترك، تتحقق التكاملية في التخطيط والمناورة وإنفاذ المهام، مما يقلص زمن الاستجابة ويرفع مستوى الأداء تحت الضغط. وعلى الصعيد الاستراتيجي، تأتي هذه المناورات في وقت تتغير فيه طبيعة التحديات العسكرية، حيث أصبح المطلوب ليس مجرد تسليح كبير بل تكامل شبكي، تنسيق استخباراتي، واستعداد دائم لمواجهة التهديدات المتحولة. وبذلك، فإن السعودية وأمريكا ليسا فقط يقوّيان شراكتهما عن طريق صفقات تسليحية أو تدريب فردي، بل من خلال أدوات واقعية ميدانية تحاكي بيئات القتال الحقيقية وتشرع طريقا لشراكة دفاعية متقدمة. وفي هذا الإطار، تظهر المناورات المشتركة كرمز لهذه الشراكة، ليس فقط في الأرقام أو التجهيزات، بل في الروح التكاملية والعمل الموحد، مما يعزز من مكانة المملكة كقوة شريكة، والولاياتالمتحدة كشريك يقود ويوجه تحالفاً متقدماً في المنطقة. الأمن السيبراني في قلب الشراكة يشكل الأمن السيبراني أحد أبرز محاور التعاون المتقدم بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية، في ظل ما يشهده العالم من تصاعد في التهديدات الرقمية والهجمات الإلكترونية الموجهة نحو القطاعات الحيوية. هذا التعاون يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وسعيهما المشترك إلى بناء فضاء رقمي آمن ومستقر يخدم التنمية والاقتصاد العالمي. عملت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في السعودية بالتعاون مع وزارة الأمن الداخلي الأميركية ووكالة الأمن القومي (NSA) على تطوير برامج متقدمة لتعزيز القدرات الدفاعية الرقمية، تشمل تبادل الخبرات وتدريب الكوادر الوطنية على تقنيات رصد التهديدات والاستجابة للحوادث السيبرانية. كما وقعت جهات سعودية اتفاقيات مع شركات أميركية كبرى مثل Microsoft و Crowdstrike و FireEye لتطوير أنظمة حماية متقدمة تمكن المملكة من التصدي للهجمات الإلكترونية بكفاءة عالية. وتأتي هذه الجهود ضمن رؤية السعودية 2030، التي تضع الأمن السيبراني في صميم التحول الرقمي الوطني. فحماية البنية التحتية الرقمية خصوصًا في قطاعات النفط والطاقة والمصارف، تعد أولوية قصوى لضمان استمرار الخدمات الحيوية وتأمين البيانات الوطنية من أي اختراق محتمل. من جانبها، أكدت الحكومة الأميركية دعمها المستمر لتطوير القدرات السيبرانية السعودية، من خلال الحوار الاستراتيجي بين البلدين الذي يشمل التعاون في الأمن الرقمي والدفاع السيبراني، بما يعزز أمن المنطقة واستقرارها. وبذلك أصبح الأمن السيبراني ركيزة جديدة في التحالف السعودي -الأمريكي، يجمع بين التكنولوجيا والاستخبارات لحماية المستقبل الرقمي المشترك. تعاون لبناء الصناعة الدفاعية تسير المملكة بخطى واثقة نحو تحقيق رؤيتها الوطنية 2030، التي جعلت من توطين الصناعات العسكرية أحد أهم أهدافها الاستراتيجية إدراكاً لأهمية امتلاك القدرات الذاتية في مجالات الدفاع والتقنية ويأتي التعاون مع الولاياتالمتحدة الأميركية في هذا الإطار بوصفه شراكة تنموية تهدف إلى نقل المعرفة وتطوير الكفاءات الوطنية في ميادين التصنيع العسكري. عملت المملكة من خلال الهيئة العامة للصناعات العسكرية ووزارة الدفاع على بناء منظومة متكاملة لتوطين التقنية، شملت برامج تدريب وتأهيل للمهندسين والفنيين السعوديين، بالتعاون مع خبراء من الجانب الأمريكي. وتركز هذه الجهود على تمكين الكوادر الوطنية من الإسهام في تصميم وصيانة الأنظمة الدفاعية داخل المملكة، بدلا من الاعتماد على الاستيراد الخارجي. كما شمل التعاون إقامة مشروعات مشتركة في مجال إنتاج المعدات والأجهزة الدفاعية، وتطوير منظومات الاتصالات والرصد والصيانة، بما يعزز استقلالية القرار العسكري ويضمن استدامة الأمن الوطني .وتعمل هذه المشروعات على خلق بيئة صناعية سعودية قادرة على المنافسة، وتوفير فرص عمل نوعية للشباب في مجالات التقنية والتصنيع. ويؤكد هذا التوجه أن العلاقة السعودية الأميركية تجاوزت مرحلة التبادل التجاري لتصل إلى مرحلة التقنية وبناء القدرات المحلية، بما ينسجم مع مستهدفات الرؤية في دعم الابتكار وتحقيق الاكتفاء الذاتي.فالسعودية اليوم تسعى لتعلم الصيانة والتطوير داخل أراضيها، بما يعزز قوتها الدفاعية ومكانتها الإقليمية. جسور الثقة بين الرياضوواشنطن تعد الدبلوماسية الدفاعية إحدى الركائز الأساسية في العلاقات السعودية الأمريكية، إذ تمثل أداة فاعلة لترسيخ الثقة الاستراتيجية وبناء قنوات تواصل مستمرة بين وزارتي الدفاع في البلدين. ومع تطور الشراكة الأمنية بين الرياضوواشنطن خلال العقود الماضية، أصبحت الزيارات الرسمية والاتفاقيات الدفاعية الثنائية ركيزة مهمة لتعزيز الاستقرار في المنطقة. تشهد العلاقات الدفاعية بين البلدين تواصلا دائما عبر زيارات رسمية متبادلة، أبرزها زيارة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع، إلى الولاياتالمتحدة، حيث التقى كبار المسؤولين الأمريكيين لبحث سبل تطوير التعاون العسكري والدفاعي المشترك، بما في ذلك مجالات التدريب، التسليح، التقنية الدفاعية، وتبادل الخبرات. كما ناقش الجانبان أهمية التنسيق في القضايا الإقليمية وحماية الأمن البحري ومكافحة الإرهاب. وتأتي هذه اللقاءات ضمن جهود المملكة لتفعيل مفهوم الدبلوماسية الدفاعية، الذي يهدف إلى بناء شراكات تقوم على الحوار والتفاهم وتبادل المعلومات الأمنية، بدلا من الاقتصار على صفقات التسليح التقليدية.فالرياض تسعى من خلال هذه الزيارات إلى تعزيز قدراتها الدفاعية الوطنية، وفي الوقت نفسه المساهمة في حفظ الأمن الإقليمي والدولي. من جانبها، تؤكد الولاياتالمتحدة أن الشراكة الدفاعية مع السعودية تمثل حجر الزاوية في استقرار الشرق الأوسط، وأن الحوار المستمر بين وزارتي الدفاع يعزز القدرة على مواجهة التحديات المشتركة .وبذلك، تشكل الدبلوماسية الدفاعية اليوم جسرا متينا يربط بين القوة العسكرية والرؤية السياسية، ويجسد عمق العلاقات بين البلدين. توازن الشراكة الدفاعية تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق استقلالية دفاعية متقدمة ضمن إطار تحالف استراتيجي مستمر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الأمن الإقليمي وضمان قدرة المملكة على حماية مصالحها الوطنية بشكل مستقل. ويعكس هذا التوجه حرص الرياض على بناء قدراتها الدفاعية المحلية دون التفريط بالشراكة الطويلة الأمد مع واشنطن، التي تشكل ركيزة أساسية للأمن في الشرق الأوسط. ويظهر هذا التوازن من خلال برامج نقل التقنية وتوطين الصناعات الدفاعية، التي تهدف إلى تمكين المملكة من تصنيع وصيانة أنظمة السلاح محليًا، مع الاستمرار في التعاون مع القوات الأميركيةفي مجالات التدريب المشترك، وتبادل المعلومات، والتخطيط الاستراتيجي. وتسهم هذه الخطوات في تطوير القدرات الدفاعية الوطنية بطريقة مستدامة، مما يعزز قدرة المملكة على مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية بشكل مستقل. وتؤكد الزيارات الرسمية المتبادلة بين وزارتي الدفاع في البلدين على التزامهما المستمر بالحوار الدفاعي، وتبادل الخبرات الفنية والإدارية. فالمملكة تسعى من خلال هذه اللقاءات إلى تعزيز القدرات الذاتية مع الحفاظ على التنسيق مع الولاياتالمتحدة لضمان الاستقرار الإقليمي، في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على دعم تطوير القدرات السعودية بما يتوافق مع مصالح الأمن الإقليمي المشترك. ويعتبر هذا النهج نموذجًا لتوازن الشراكة الدفاعية، حيث تجمع المملكة بين قوتها الذاتية وتحقيق الاكتفاء الدفاعي الجزئي، وبين الحفاظ على التحالف الأميركيالذي يمثل دعامة أساسية للاستقرار والأمن في المنطقة، مما يجعل العلاقات الدفاعية بين البلدين نموذجًا للشراكات الاستراتيجية المتوازنة. التحالف الدفاعي.. ضمان للسلام الإقليمي يعد التعاون العسكري بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة أحد أبرز الركائز التي ساهمت في تعزيز السلام الإقليمي واستقرار الشرق الأوسط. فمنذ توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين البلدين عام 1990، عمل الجانبان على تطوير القدرات الدفاعية السعودية وتبادل الخبرات في مجالات التدريب، والاستخبارات ومكافحة الإرهاب، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على أمن البحر الأحمر والخليج واليمن. في البحر الأحمر أسهمت المناورات المشتركة مثل «الموج الأحمر» في تعزيز قدرة القوات البحرية السعودية والأميركية على حماية الممرات البحرية الحيوية، من التهديدات والقرصنة، مما دعم استقرار حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس وباب المندب. في إطار التعاون السعودي الأمريكي، كثف البلدان جهودهما المشتركة لمواجهة التهديدات الإقليمية وتعزيز السلام في الشرق الأوسط عبر التنسيق العسكري والاستخباراتي المستمر. فقد ساهمت واشنطنوالرياض في دعم مبادرات الأمن البحري ومكافحة الإرهاب العابر للحدود، إضافة إلى تطوير أنظمة الدفاع الجوي لحماية البنية التحتية الحيوية في المملكة ودول الجوار. كما أسهم هذا التنسيق في حماية الممرات النفطية في الخليج ،وتأمين الملاحة الدولية ضد الهجمات التي تستهدف الاستقرار الاقتصادي العالمي. وتؤكد التقارير الأميركيةأن المملكة باتت شريكا رئيسيا في الاستراتيجية الأميركية لتحقيق التوازن في المنطقة خاصة في ظل تنامي التهديدات ومحاولات زعزعة الاستقرار الإقليمي. وفي منطقة الخليج، ساهمت التدريبات مثل «درع الوطن» في رفع جاهزية القوات السعودية لمواجهة التحديات الأمنية الإقليمية، ولا سيما التهديدات الصاروخية والطائرات المسيرة. كما عزز الوجود الأميركي المتوازن في المنطقة الردع ضد أي تصعيد محتمل وبذلك يمكن القول إن التحالف العسكري بين الرياضوواشنطن لم يقتصر على البعد الدفاعي بل شكّل أداة فاعلة لترسيخ الاستقرار الإقليمي، ودعم الأمن الجماعي في الشرق الأوسط.