تزخر المملكة بثروة تعدينية هائلة ومتنوعة، سعت إلى اكتشافها وتنميتها بطرق علمية وحديثة، وتوجت المملكة هذا السعي بانطلاقة واعدة في العام 1997 تستهدف اكتشاف المزيد من الثروات التعدينية في باطن الأرض، وتحت مظلة رؤية المملكة 2030، شهد قطاع التعدين السعودي زخماً متسارعاً، بعدما اعتبرته الرؤية الركيزة الثالثة للاقتصاد الوطني، إلى جانب قطاعي «الصناعة» و»الطاقة». جهود المملكة لتطوير قطاع التعدين، أكسبها خبرات متراكمة في هذا الشأن، هذه الخبرات أعلنت عن نفسها خلال مشاركة السعودية بالنسخة الثامنة من منتدى باريس للسلام 2025، الذي انعقد تحت شعار «تحالفات جديدة من أجل السلام والإنسان والكوكب»، حيث حددت المملكة شروط تطوير قطاع المعادن عالميًّا، مؤكدة للجميع أن العالم لا يواجه نقصاً في المعادن فحسب، بل يواجه أيضاً نقصاً في التنسيق، في إشارة إلى أن تطوير القطاع عالمياً يتطلب مزيداً من التعاون وتنسيق الجهود وتوزيع الأدوار بين الدول، لا التنافس بينها، بما يضمن الاستقرار للقطاع العالمي، واستمرار تدفق سلاسل الإمداد. وتبلورت خبرات المملكة أكثر وأكثر في الإعلان عن رغبتها الجادة بألا يكون التنسيق بين الدول عشوائياً، وإنما وفق ميثاق ذات بنود وأنظمة والتزامات محددة، لتعزيز التعاون بين الدول، شريطة أن يهتم هذا الميثاق بمسارات الشفافية والتمويل والتقنية، في إطار من المسؤولية المشتركة، وتعزيز الحوكمة، وأن يعالج الآثار البيئية السلبية الناتجة من استخراج المعادن، ليس هذا فحسب، وإنما يتطرق إلى إيجاد حلول عاجلة للتحديات المتنامية بين متطلبات الأمن الوطني وأهداف الاستدامة العالمية، في ظل التنافس المتصاعد على المعادن الحيوية الضرورية، لتحقيق التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة. المشهد العام لقطاع التعدين السعودي اليوم، يؤكد أن المملكة تسير بخطى واثقة نحو بناء قطاع حديث ومستدام، بهدف تعزيز مكانتها العالمية، كمركز رائد للمعادن والصناعات التعدينية، مع الالتزام بتوفير بيئة استثمارية جاذبة، تُوازن بين النمو الاقتصادي ومتطلبات الاستدامة، وهو ما يتحقق حالياً بآلية متسارعة على أرض الواقع. وما كان لقطاع التعدين السعودي أن يشهد هذا التحول السريع، لولا الارتكاز على مجموعة من الإصلاحات المحورية للقطاع، كان أبرزها إطلاق الإستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات المعدنية عام 2017، وإصدار نظام الاستثمار التعديني في عام 2021، وتأسيس قاعدة بيانات جيولوجية وطنية، وإطلاق البرنامج العام للمسح الجيولوجي لتوفير معلومات دقيقة وموثوقة للمستثمرين، وتأسيس صندوق التعدين، ليكون ذراعاً تمويلية لدعم المشاريع المستقبلية والاحتياجات التشغيلية، وأخيراً إطلاق منصة «تعدين» الرقمية، لتكون نافذة موحدة تُيسر إجراءات الاستثمار وتوفر بيانات شاملة عن المواقع التعدينية.