إلى أيّ مدى يُحمِّل مفهومُ المساءلة الأخلاقية جهاتٍ مختلفة، القطاعات المعنية، المجموعات المجتمعية، والفاعلين الدوليين، مسؤوليةَ وقوعِ الكوارث أو تفاقمَ آثارها، وهل يمكن لهذا المفهوم أن يتصالح مع حدود المعرفة وعدم اليقين في إدارة المخاطر والكوارث؟ عندما نتأمل هذا السؤال الفلسفي نواجه شبكة معقّدة من مفاهيم أخلاقية، سياسية، معرفية وعمليّة. في قلب المشكلة يكمن تداخل جانبين: الأول هو مفهومُ المساءلة الأخلاقية، أي من يجب أن يُسأل عن نتائج حدثٍ ما، ومن يتحمل تبعات الفعل أو التقاعس، والثاني هو الطبيعة العميقة للخطر والمخاطر، التي تتسم بعدم اليقين، بالتغيّر عبر الزمن، وبانعدام التنبؤ التام. لنتتبع السردِ ونفكّك هذه الأبعاد واحداً تلو الآخر. أولاً: المؤسسات، أو الجهات المكلفة بالحماية العامة وصنع السياسات، تتحمل معيارياً درجة عالية من المساءلة لأن لديها سلطة تنظيمية وموارد وقدرة على التخطيط. عندما تفشل البُنى التحتية الحيوية في مواجهة حدثٍ متوقع إلى حدّ ما، مثل بناء على خرائط مخاطر متاحة أو على ممارسات راسخة في الهندسة والإنذار، يصبح إسناد اللوم والمساءلة أمراً مبرراً أخلاقياً وقانونياً. هنا تتحوّل المساءلة إلى مطلب للعدالة التأويلية: لا يكفي الاعتذار، بل يتطلّب الأمر تفسيرات شفافة، تعويضاً مناسباً، وإجراءاتٍ لتقليل التعرّض في المستقبل. ثانياً: المجتمعات المحلية والأفراد ليسوا مجرد متلقّين للسياسات؛ لهم شكلٌ من أشكال المساءلة أيضاً، ولكنها تختلف نوعياً. فالمجتمع الذي يتجاهل نظم الإنذار أو يبني في مناطق حساسة دون احترام قواعد التخطيط يتحمل قدراً من المسؤولية، لكن الأخلاق تتطلب أن نفرق بين الأجور والمسافات الممكنة بين من يتخذ القرارات، مثل المقاول أو المالك، ومن يواجه قيوداً هيكلية مثل الفقر أو غياب البدائل السكنية. ولذلك تبدو المساءلة المجتمعية أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً من المساءلة المؤسسية. ثالثاً، المنظمات والمؤسسات والشركات الدولية، مؤسسات تمويل، منظمات إغاثة، شركات متعددة الجنسيات، لديهم تأثير كبير على قدرة الدولة والمجتمع على الاستعداد أو على الهشاشة. عندما تفرض سياسات اقتصادية أو مشاريع بنية تحتية دون تقييم مخاطِر، يمكن أن تُسهم هذه الجهات في تعميق الهشاشة. إذاً، منطق المساءلة الأخلاقية يمتدّ عبر الحدود، لكنه يصطدم بمحدوديةِ أدوات الإنفاذ والتشريع الدولية، وبفجوة القيم بين الفاعلين المحليين والدوليين. ولكن، ثمّة عقبة فلسفية مركزية، حدود المعرفة وعدم اليقين. المخاطر الطبيعية والاجتماعية لا تتصرف كأحداث متوقعة بحتمية؛ التنبؤ دوماً محاط بالاحتمالات، والنماذج العلمية قد تتغير مع معلوماتٍ جديدة. هذا يقود إلى توتر أخلاقي: هل نحمل الجهات المسؤولة عن قراراتٍ مبنية على أفضل المعارف المتاحة في وقتٍ ما بمسؤولية النتائج السلبية التي ظهرت لاحقاً عندما تغيّرت المعرفة؟ الجواب يحتاج تمييزات دقيقة. من منظور عملي، كيف يتجسّد هذا التوازن؟ لنأخذ مثالاً سردياً: بلدة ساحلية طالتها فيضاناتٌ متكررة بعد سنوات من اعتمادها على استثمارات سياحية كثيفة وبناء على شواطئٍ رملية هشة. سلطة محلية اعتمدت على تقييمات بيئية قديمة وقررت الترخيص لمشروعات كبيرة. عند وقوع الفيضانات، ظهرت مطالبات بالمساءلة. وفق معيار حسن النية المعرفية، إذا كانت التقييمات القديمة هي الأفضل المتاح وقت الترخيص، فينبغي أن تركز المساءلة على لماذا لم تُحدَّث التقييمات أو لماذا لم تُوجد آليات تصحيح. وفق المعايير القابلة للتصحيح، تُمنح أولوية لسؤال: هل هناك خطة تعويض وإعادة توطين للمتضررِين؟ وفق معيار التوزيع العادل، ينبغي مساءلة المستثمرين عن أرباحهم مقارنة بتكاليف إعادة البناء التي دفعها السكان المحليون. أخيراً، يتطلب الحل الفلسفي تغييراً في فهم المساءلة، من كونها أداة عقابية فقط إلى كونها عمليةٍ تشاركية للتعلم والحد من الهشاشة: مساءلة تتضمن الشفافية، التعلم المستمر، المشاركة المجتمعية، وتعويض من تعرض للضرر. في عالمٍ يتسم بعدم يقين معرفي، تصبح المؤسسات التي تُطبّق مبادئ العدالة التصحيحية والتشاركية أكثر ملاءمة لتحمّل المسؤوليات الأخلاقية؛ لأن العدالة ليست مجرد سؤال عن مَن أخطأ، بل عن كيفية تنظيم المجتمع كي يقلل وقوع الكوارث وتأثيراتها مع مراعاة حدود ما نعرفه اليوم. قُصار القول، المساءلة الأخلاقية في إدارة الكوارث ممكنة ولازمة، لكنها لا تكون عادلة أو فعالة ما لم تُبنَ على اعترافٍ صريح بحدود المعرفة، وعلى آليات تأصيل للتعلم السريع وإعادة التوزيع العادل لتكاليف المخاطر.