تشارك المملكة دول العالم في الاحتفاء باليوم العالمي للحد من الكوارث المصادف 13 أكتوبر من كل عام؛ معززة مكانتها العالمية في بذل جهودها في الحد من مخاطر الكوارث على المستوى المحلي والدولي، والعمل مع المجتمع الدولي على ترسيخ علاقات التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية في دول العالم بما يكفل تبادل الخبرات في جميع الجوانب المتعلقة بحماية البيئة وإدارتها وتفادي الكوارث والحد من آثارها، ونشر وتطوير ثقافة الوقاية في مجابهة الكوارث الطبيعية والحوادث والسلامة البيئية. ويمثل هذا اليوم حدثًا سنويًا يتجدد كل عام في هذا التاريخ؛ مناسبة للتذكير بأهمية التدابير اللازمة للوقاية من الكوارث الطبيعية والحوادث الكبرى وللحد من آثارهما، وتشجيع المبادرات والسياسات والبرامج الهادفة إلى بناء مجتمعات قادرة على مواجهتها؛ حيث يهدف لتسليط الضوء على الجهود المبذولة لحماية المجتمعات من مخاطر كوارث التغيّرات المناخية، وتطوير آليات تمويل جديدة وتوفير البيانات المطلوبة لضمان نجاح إدارة الكوارث، وتشجيع المبادرات والبرامج الهادفة إلى بناء مجتمعات قادرة على الصمود لمواجهتها. وبدأ اليومُ الدولي للحدّ من مخاطر الكوارث عام 1989م، عقب دعوةٍ من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تخصيص يومٍ لتعزيز ثقافةٍ عالميةٍ للتوعية بالمخاطر والحدّ من الكوارث، ويُحتفى به من كلّ عام، احتفاءً بما ينهض به الأفرادُ والمجتمعاتُ في أنحاء العالم من جهودٍ لخفض تعرّضهم للكوارث ولرفع الوعي بأهمية كبحِ المخاطر التي يُواجِهونها. أعاصير مدارية وتشكل الأعاصير المدارية عالمياً خسائر متصاعدة، وتعد من أكثر الكوارث كلفةً، فقد استمرت في إحداث أضرار جسيمة في عام 2025، ويذكر تقرير الأممالمتحدة أولية أن إعصار "Garance" الذي ضرب المحيط الهندي الجنوبي تسبب بخسائر تجاوزت مليار دولار، بينما ألحق إعصار "Zelia" في أستراليا أضرارًا تُقدّر بنحو 733 مليون دولار، ورغم أن متوسط الخسائر العالمية الناتجة عن الأعاصير المدارية يُقدّر سنويًا بما يقارب 120 مليار دولار، إلا أن الاتجاه العام يشير إلى ارتفاع هذا المعدل عامًا بعد عام نتيجة اشتداد الظواهر المناخية المتطرفة. وفي النصف الأول من 2025 هناك مؤشرات مقلقة، وفي قراءة لأرقام النصف الأول من عام 2025، تُظهر بيانات شركات التأمين العالمية مثل Munich Re أن الكوارث الطبيعية كبّدت العالم خسائر اقتصادية بلغت نحو 162 مليار دولار خلال ستة أشهر فقط، منها ما يقارب 80 مليار دولار خسائر مؤمَّنة، وتشير تقارير أخرى إلى أن الخسائر التأمينية المتوقعة لكامل العام قد تصل إلى 145 مليار دولار، وهو رقم قياسي جديد في تاريخ التأمين ضد الكوارث، ما يعكس تصاعد حجم المخاطر المناخية وتأثيرها المباشر على الأسواق العالمية، ما نتج عنه فاتورة بيئية واقتصادية متزايدة، ويُجمع الخبراء الأمميون على أن تصاعد هذه الأرقام لا تعكس فقط سوء الأحوال الجوية، بل أيضًا ضعف الاستثمار في الوقاية والبنية التحتية المقاومة للكوارث. تكامل الجهود مع الدفاع المدني والصحة والبيئة لضمان استجابة شاملة تعزيز التعاون والكثير من الدول ما زالت تعتمد على التدخل بعد وقوع الكارثة بدلاً من الاستثمار في نظم الإنذار المبكر والحلول المستدامة، وتُشير دراسات الأممالمتحدة إلى أن كل دولار يُستثمر في الوقاية من الكوارث يمكن أن يُوفّر ما بين 4 إلى 7 دولارات من الخسائر المستقبلية، كما دعا التقرير إلى تعزيز التعاون الدولي في تمويل آليات الوقاية والحد من آثار التغير المناخي، مؤكدًا أن الكوارث الطبيعية لم تعد استثناءً بل أصبحت واقعًا متكررًا يحتاج إلى إدارة علمية طويلة الأمد، وتختتم الأممالمتحدة تقريرها بالتأكيد على ضرورة الانتقال من إدارة الكوارث إلى إدارة المخاطر، أي التحرك قبل وقوع الكارثة وليس بعدها، من خلال دمج سياسات المناخ والتخطيط الحضري والزراعة والطاقة ضمن رؤية واحدة تقوم على الاستدامة. تحديث وتخطيط وبالنسبة للمملكة فهي تواجه الكوارث برؤية وطنية واستراتيجية مستقبلية، ففي ظل التغيرات المناخية المتسارعة وارتفاع التحديات البيئية العالمية، كثّفت المملكة خلال العقد الأخير جهودها في تعزيز القدرات الوطنية للتصدي للكوارث الطبيعية والمخاطر المرتبطة بها، وتعكس هذه الجهود تزاوجًا بين التخطيط الاستراتيجي، والتحديث المؤسّسي، لتبنّي التقنيات الحديثة، وتنفيذ المبادرات الوطنية الطموحة، في إطار رؤية 2030 والتزاماتها الدولية، ومن خلال استراتيجية وطنية وإطار مؤسّسي اعتمدت المملكةً على تأسيس هيئات وآليات تنسيقية تُعنى بإدارة المخاطر والوقاية من الكوارث، وربطها بالمخططات التنموية الشاملة، وتُعدّ الأمانة العامة لمجلس المخاطر الوطنية من الجهات المسؤولة التنسيقية بين الجهات المحلية والدولية في رسم سياسات الاستعداد والتأهب، كذلك تتكامل الجهود مع مؤسسات الدفاع المدني، والصحة، والبيئة، المياه، والزراعة، لضمان استجابة شاملة عند الكوارث المحتملة -لا سمح الله-. تطوير المعايير ومن الناحية الأكاديمية والبحثية، تتزايد عدد الدراسات التي ترصد التحديات والفرص في تنفيذ سياسات الحد من المخاطر بالمملكة، فعلى سبيل المثال، تعمل المملكة على تطوير المعايير والبنى التشريعية والإجرائية وتحقّق تقدماً ملحوظًا في تطوير أنظمة الإنذار المبكر وتحديث الكودات البنائية والبنى التحتية، كما يُشير تحليل بعنوان "Insight" of Current Trends and Challenges in Saudi Arabia" إلى أن بنية إدارة الكوارث في المملكة تتماشى مع المعايير الدولية، وإنْ لاحت حاجة لتعزيز التعاون بين الجهات المتعددة والتكامل التقني، وحول المبادرات البيئية والمناخية التي تتخذها المملكة كجزء من استراتيجية الحد من المخاطر، فمن أبرزها إنجازات المملكة في مجال الحدّ من المخاطر وأنها دمجت الاستدامة البيئية ضمن مخططاتها الاستراتيجية، وفي عام 2021 أُطلقت المملكة مبادرة السعودية الخضراء والمبادرة الخضراء للشرق الأوسط، التي تهدف إلى استعادة الأراضي المتدهورة، وزراعة 10 مليارات شجرة، وزيادة الحصة المتجددة في مزيج الطاقة إلى نحو 50% بحلول عام 2030، وبحسب المصادر المتاحة، فقد تم حتى الآن زراعة نحو 43.9 مليون شجرة واستعادة 94 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة عبر مشاريع مرتبطة بالمبادرة الخضراء، وهذه المبادرة لا تقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل تُعدّ سلاحًا استباقيًا في الحد من مخاطر التصحر والعواصف الرملية والجفاف، وهي من المِخاطر الكبرى التي تواجه المملكة. جهوزية وتنبؤ وفيما يخص التعامل الفوري مع الكوارث، حسّنت الجهات المختصة السعودية قدراتها التشغيلية من خلال تطوير مراكز العمليات والطوارئ -EOCs-، وتدريب القادة والمسؤولين فيها على الجهوزية النفسية والتنبؤ الاستباقي، والتحدي لا يكمن في وجود المراكز فقط، بل في مدى إدراك القادة لمخاطر المستقبل وقدرتهم على اتخاذ قرارات سريعة وفعّالة، وفي سياق المرافق الحيوية، تُشير بعض الأعمال الهندسية إلى أن البنية التحتية الكهربائية في المدن مثل الرياض تُخضع لمخططات تعزيز الصمود، عبر استراتيجيات صيانة ذكية وتعزيز التوزيع لمنع الانقطاعات الكبرى في حالات الطوارئ، والتعاطي مع الكوارث الحقيقية والاستفادة من الدروس والتحديات، ورغم التقدم، فالمملكة تواجه تحديات كبيرة أحيانًا تظهر في حالات واقعية، وفي ضوء ذلك تبرز الحاجة إلى تعزيز قدرات الرصد والإنذار المبكر بدقة عالية ووقت استجابة قصير، خاصة فيما يتعلق بالأحداث المتسارعة كالعواصف المفاجئة أو الفيضانات السريعة، والاستثمار في البنية التحتية الصامدة للصدمات، كالبنى التحتية المناخية المقاومة، وتصميم المباني والمرافق بحيث تتحمل ظروفًا أقسى مما هو معتاد، وتوسيع التغطية التأمينية على نطاق واسع لتشمل قطاعات وأفرادًا أكثر عرضة للخطر، مع آليات تمويل مشتركة وتكاتف بين القطاع العام والخاص، واعتماد استراتيجيات وقائية طويلة المدى تدمج التخطيط العمراني والبيئي مع إدارة المخاطر وتقنيات التكيف مع تغير المناخ، وكذلك تشجيع البحث العلمي والتعاون الدولي لتبادل المعارف والتجارب حول التنبؤ بالكوارث وتقدير الخسائر والتقنيات الحديثة في التخفيف، بما يساهم في بناء مرونة مؤسسية ومجتمعية أفضل. مراجعات دورية وتظهر بيانات البحوث أن الكوارث الطبيعية على مدى الحقبة 1960–2024 سببت خسائر عالية، مما يعقّد القدرة على التنبؤ بها أو التخفيف من آثارها المدمرة، في المقابل، تشير الاتجاهات الحديثة إلى أن الخسائر الاقتصادية السنوية في السنوات الأخيرة باتت تتجاوز المتوسطات القديمة بشكل متزايد، بسبب تكاثُر الكوارث المناخية المتطرفة وتصاعد تكاليف إعادة الإعمار والتأمين، وفي عام 2024، قدّرت بعض التقارير أن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الكوارث الطبيعية بلغت نحو 310 مليارات دولار، في حين أن الخسائر التي غطتها شركات التأمين بلغت 135 مليار دولار تقريبًا، مع ارتفاعٍ بنسبة تقدر ب 17٪ عن العام السابق، كما أشارت تقارير أخرى إلى أن الأعاصير المدمرة والعواصف الرعدية وحدها ساهمت بجزء كبير من هذه الخسائر، وأن التأمين تحمل جزءًا منها فقط، ويُلاحظ كذلك أن عدد الكوارث المصنّفة على أنها قابلة للتأمين آخذ في الارتفاع، وأن أكثر الأحداث تكلفة بالنسبة للتأمين كانت تلك المرتبطة بالعواصف القوية والأعاصير التي تستهدف المناطق الحضرية ذات الكثافة العالية، ودائمًا ما تُشكّل الكوارث المفاجئة تحديًا لمنظومات الإنذار والاستجابة، إذ أن الفجوة الزمنية بين بداية الظاهرة الكارثية وذروة تأثيرها غالبًا ما تكون قصيرة، مما يترك هامشًا ضيقًا لاتخاذ إجراءات استباقية فعالة، وبالنسبة للمملكة فالحد من الكوارث كانت واضحة وملموسة، والطريق إلى نظام مقاوم تمامًا للمخاطر يتطلب تعزيزات إضافية، منها: توسيع وتيرة إنشاء السدود والمحطات لحصد مياه الأمطار، لزيادة القدرة على الاحتفاظ بالمياه وتقليل الفيضانات المفاجئة، ودعم الابتكار التقني ونشر أنظمة إنذار مبكر تعتمد على الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد، ورفع وعي المجتمعات المحلية بالأخطار، وتشجيع المشاركة المجتمعية في مراقبة التغيرات والتبليغ المبكر، إضافةً إلى تعزيز التنسيق بين الوزارات والمؤسسات البحثية مع الجهات الدولية لتبادل الخبرات والموارد، وإجراء مراجعات دورية للخطط الاستراتيجية بناء على تقييمات المخاطر المتغيرة والتحديات المناخية المستجدة. تطوير أنظمة الإنذار المبكر وتحديث "الكودات البنائية" والبنى التحتية خطى واثقة والمملكة تسير بخطى متينة نحو بناء منظومة متكاملة لإدارة الكوارث تتجاوز الاستجابة بعد وقوع الحدث إلى الوقاية والاستباقية، ومع وجود الإرادة السياسية والدعم المالي والتقني، فإن الرهان على تحول مركزي في القدرة على الحماية الوطنية أصبح أقرب من أي وقت مضى، وتسير المملكة بخطى واثقة نحو بناء منظومة وطنية متكاملة لإدارة الكوارث، تتجاوز المفهوم التقليدي القائم على التدخل بعد وقوع الحدث، إلى نهج استباقي يعتمد على التنبؤ والوقاية والاستعداد المبكر، وهذا التحول يعكس رؤية الدولة في تعزيز الأمن المجتمعي وحماية الأرواح والممتلكات، بما يتسق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 في بناء وطن أكثر أمانًا واستدامة، ولقد أصبح التعامل مع الكوارث الطبيعية والطارئة جزءًا من منظومة حوكمة وطنية شاملة، تُدار بكفاءة وتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية والأمنية والقطاع الخاص. ولم تعد الاستجابة السريعة هي الهدف الوحيد، بل أصبحت الوقاية والاستعداد المسبق ركائز أساسية في إدارة المخاطر، فالتقنيات الحديثة، كأنظمة الإنذار المبكر وتحليل البيانات الجغرافية والاستشعار عن بُعد، باتت أدوات فعالة في التنبؤ بالأخطار قبل وقوعها، مما يتيح اتخاذ الإجراءات الوقائية وتقليل الخسائر المحتملة، وهذا التطور لم يكن ليحدث لولا الله ثم الإرادة السياسية الواضحة والدعم الكبير الذي تحظى به الجهات المختصة، سواء من حيث التمويل أو التدريب أو بناء القدرات الوطنية. شراكات دولية وساهمت الشراكات الدولية وتبادل الخبرات في رفع جاهزية المملكة للتعامل مع الكوارث بمستويات عالمية، إلى جانب تعزيز وعي المجتمع عبر برامج توعوية وتدريبات ميدانية، واليوم ومع تزايد التحديات البيئية والمناخية عالمياً، أصبحت المملكة نموذجًا في السعي لبناء منظومة متقدمة للحماية الوطنية، تُدار وفق أسس علمية وتقنية حديثة، وتستند إلى رؤية طموحة تجعل من الاستباقية أساسًا في مواجهة الكوارث لا الاستجابة فقط، والرهان على هذا التحول المركزي في إدارة الكوارث لم يعد خيارًا، بل أصبح واقعًا يتجسد في مشاريع ومبادرات تؤكد أن السلامة والأمن ركيزتان أساسيتان في مسيرة التنمية الوطنية. مبادرة السعودية الخضراء تهدف إلى استعادة الأراضي المتدهورة