في مشهد احتفائي يعيد رسم ملامح الهوية البصرية الخليجية، احتضن معهد مسك للفنون التابع لمؤسسة محمد بن سلمان (مسك) معرض الفن عبر الخليج العربي في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون بالرياض، جامعًا نخبة من رموز الفن التشكيلي في الخليج العربي. المعرض شكل حوارًا بصريًا ثريًا بين أجيال وتجارب تمتد لعقود، حملت في تفاصيلها الرمل والنخيل والبحر والعمارة والتراث، لتجسد وحدة الروح الخليجية وعمق الذاكرة التي تتقاطع فيها بيئات المنطقة وثقافاتها. هوية بيئية قال الفنان القطري يوسف أحمد: إن رحلته الفنية قامت على التماهي مع المكان وخاماته، مشيرًا إلى أن البيئة منحته هويته الفنية، والذاكرة صاغت رؤيته الإبداعية. وأضاف: البيئة منحتني خاماتي والذاكرة منحتني رؤيتي. كنت أبحث عن الورق اليدوي وألياف النخيل والرمل، خامات المكان ليست أدوات، بل روح تنطق بلغة الأرض. الخط العربي والتجريد شكلا بوابة لابتكار لغة بصرية تنتمي لهويتنا. إرث وصبر واستعاد الفنان السعودي الرائد ضياء عزيز ضياء بدايات المشهد المحلي قائلاً: إن المجتمع في السابق كان يواجه الفن بسوء فهم، لكن دعم القيادة الرشيدة أثبت أن الفن ليس محظورًا بل قيمة وطنية. وأضاف: اليوم نشهد نهضة غير مسبوقة مع رؤية سمو ولي العهد، وسنشهد حضورًا عالميًا للفنانين السعوديين. ووجه نصيحته للجيل الجديد قائلاً: الفن ليس عملاً سريعًا، بل رسالة وإرث. اصبروا، أتقنوا أعمالكم، واصنعوا ذاكرة تستحق البقاء. شغف وقدر أما الفنانة الكويتية ثريا البقصمي فتحدثت عن شغفها المبكر بالفن الذي رافقها منذ الطفولة، مؤكدة أن الفن بالنسبة لها قدر وهوية، قائلة: منذ كنت طفلة كان واضحًا أنني فنانة. الفن قدري وهويتي. دراستي في القاهرة وموسكو منحتني عمقًا ومعرفة، ووسعت رؤيتي للإنسان والمشهد الثقافي. موهبة مبكرة وأشار الفنان العُماني أحمد العدوي إلى أن الموهبة تولد مع الإنسان، موضحًا أنه بدأ مزج الألوان منذ الصف الأول الابتدائي. وقال: الفن يولد مع الإنسان. منذ طفولتي وأنا أعبّر بالألوان. أشكر المملكة وقيادتها على ما تقدمه من تقدير للفن والفنانين، ومعهد مسك نموذج رائد في احتضان المواهب. كما أشار إلى أن سلطنة عُمان قدّمت دعمًا كريمًا للفنانين منذ الثمانينات وسهّلت أمامهم سبل الإبداع والانطلاق. ذاكرة خليجية من جانبها، أكدت الفنانة القطرية مريم الحمادي أن الفنون الخليجية تعبّر عن وحدة الروح والهوية المشتركة بين شعوب المنطقة، مشيرة إلى أن الفن الخليجي ذاكرة واحدة وبيئة واحدة تربط أبناء الخليج. وقالت: منذ طفولتي وأنا أشارك في الفعاليات الفنية، ورغم أن دراستي كانت علمية واصلت تطوير موهبتي لأنه شغفي الحقيقي. وأضافت أن الفن يمثل لغة راقية للتواصل، وقدمت عبر معارضها لوحات أهديت لعدد من الشخصيات والمسؤولين. وعي بصري لم يكن معرض الفن عبر الخليج العربي حدثًا فنيًا فحسب، بل وثيقة ثقافية بصرية تجمع أصواتًا وتجارب ساهمت في تشكيل وعي المنطقة الجمالي. وتؤكد هذه التجارب أن الفن الخليجي اليوم يعيش مرحلة تأسيس لمدرسة بصرية متفردة، تُعيد قراءة المكان ومفرداته، وتؤسس لخطاب فني عالمي ينطلق من الأرض والموروث والإنسان. دور مسك ويأتي تنظيم هذا المعرض ليؤكد الدور الريادي لمعهد مسك للفنون في تعزيز الحراك التشكيلي الخليجي وإبراز طاقاته المتجددة. فالمعهد لم يعد مجرد منصة للعرض، بل فضاءً للحوار والتبادل الثقافي، يجمع الفنانين والمبدعين من مختلف دول الخليج تحت مظلة واحدة تُعيد تعريف الفن بوصفه ذاكرة وهوية ووسيلة للتقارب الإنساني. ومن خلال دعمه المستمر للجيل الجديد من الفنانين، يسهم مسك في بناء جيل واع بصرياً، قادر على نقل التجربة الخليجية إلى العالم بلغة الفن، وترسيخ حضورها في المشهد الثقافي العالمي كصوت يحمل ملامح الأرض وروح الإنسان الخليجي.