لقد حققت المملكة النجاح الأكبر عندما قطعت الطريق على الأفكار التي كانت تسعى إلى قتل القضية الفلسطينية عبر تجاوز فكرة حل الدولتين، واستطاعت الجهود الدبلوماسية السعودية أن تعيد هذه الورقة إلى الأجندة العالمية وأن تنتزع الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية في أروقة الأممالمتحدة.. العلاقات السعودية - الأميركية ورغم تقلباتها الشديدة التي حدثت عبر التاريخ إلا أنها حافظت وعلى مدى ثمانية عقود على مستوى عالٍ من الاستقرار الخاص بقواعد هذه العلاقة وأسبابها الاستراتيجية، ومن هذا المنطلق فإن الزيارة المقبلة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن سوف تشكل بالتأكيد لحظة محورية في إطار علاقات أميركية سعودية طويلة النفس والمدى، وفي الحقيقة أنه مهما كانت لحظات هذه العلاقات متغيرة إلا أن هذه الزيارة لسمو ولي العهد إلى واشنطن سوف تضفي طابعا مهما على حقبة جديدة من التعاون في عدة مجالات استراتيجية وخاصة الدفاع والتكنولوجيا. الزيارة كما هي مؤشراتها لن تركز فقط على الجانب السياسي الاستراتيجي فالاستثمار والفرص الاقتصادية في القطاعات الحيوية المهمة للبلدين ستكون عنوانا مهما في هذه الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد الذي تركز رؤيته للسعودية على إحداث نقلة نوعية ونمو واعد في البنية التحتية والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية والخدمات اللوجستية، وفي الحقيقة فإن هذه الزيارة ستوفر فرصا كبرى للاستثمار وخاصة الشركات الأميركية الكبرى التي تسعى إلى استثمار هذا الإنجاز الدبلوماسي لزيارة سمو ولي العهد للتواصل مع الجهات الاقتصادية السعودية وتحقيق نقلة نوعية فيما يخص تحقيق التوافق مع مسارات رؤية السعودية 2030. هذه الزيارة في السياق السياسي مهمة للطرفين؛ فالنتائج التي سوف تخرج بها هذه الزيارة سوف يمتد تأثيرها ليس على البلدين فقط بل سوف تمتد الى الإطار الإقليمي والدولي، فالنتائج المتوقعة سوف تظهر في مدى استراتيجي مهم يبدأ من تأكيد ضمانات الاستثمار والأمن إلى التعاون في مجال الطاقة والتعاون النووي، وبالتأكيد أن أميركا في لحظة ترمب تدرك تأثير السعودية وديناميكياتها الإقليمية والدولية ودورها المتطور والمتنامي في الشرق الأوسط. السعودية بطبيعتها الاستراتيجية تملك الكثير من التأثير على منطقة الشرق الأوسط، وقد أدرك ترمب أن قلب المنطقة النابض هو المملكة العربية السعودية، لذلك هو اختارها لتكون الوجهة الأولى له في جدول زيارته خارج أميركا بعد عودته إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، واستطاعت السعودية خلال العقد الماضي المليء بالتقلبات في المنطقة وفي قالب مختلف جعلها محور التركيز بالنسبة للقوى العالمية، وقد حققت السعودية النجاح الأكبر عندما قطعت الطريق على الأفكار التي كانت تسعى إلى قتل القضية الفلسطينية عبر تجاوز فكرة حل الدولتين، لقد استطاعت السعودية أن تعيد هذه الورقة إلى الأجندة العالمية واستطاعت الجهود الدبلوماسية السعودية أن تنتزع الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية في أروقة الأممالمتحدة. هذا النجاح الدبلوماسي السعودي يمتد إلى ما هو أبعد، فالطريقة التي تفكر بها إدارة الرئيس ترمب في قضية الاتفاقات الإبراهيمية وجدت نفسها في موقع مختلف، عندما أعلنت السعودية أنها سوف تظل متمسكة بفكرة حل الدولتين وأن الخيارات المطروحة لا بد أن تمر عبر دولة فلسطينية مستقلة، من هذا المنطلق أصبح واضحا أن السعودية هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي وضعت قضية الدولة الفلسطينة كخيار استراتيجي تحاور به أميركا القوة الدولية المتفردة، لذلك فإن هذه الزيارة تحمل في طياتها مسارات مهمة تخص السعودية وتخص مكانتها العربية والإسلامية، السعودية عندما تذهب إلى واشنطن فهي لا تذهب وفق أجندتها الخاصة فقط؛ بل تذهب وهي تحمل معها ملفات المنطقة المهمة. الأجندة السعودية التي يحملها سمو ولي العهد في هذه الزيارة تتمحور حول خيارات استراتيجية مهمة، فالمنطقة تمر بتحولات كبرى، والطبيعة التي تحكم المنطقة اليوم تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل سنوات، والتطورات المحتملة في المنطقة تتطلب وضوحا في التعامل مع هذا الواقع، فالتحالفات الاستراتيجية سواء العسكرية او الاقتصادية عملية مهمة وخاصة عندما تكون مع أميركا التي ما زالت هي القطب الأكثر جذبا لبناء الاتفاقات السياسية والدفاعية والاقتصادية والتقنية على المستوى الدولي. السعودية دولة استطاعت عبر التاريخ أن تجد لنفسها موقعا دوليا وإقليميا ثابتاً لا يتغير مع تغير الظروف، وذلك عائد لمكانتها العربية والإسلامية والدولية، ومن هذا المنطلق يدرك العرب وتدرك المنطقة بأكملها أن وجود سمو ولي العهد في واشنطن لن يكون وجودا متمركزا فقط حول السعودية، فالسعودية هي رأس العرب حاليا وهي عاصمة القرار العربي والإسلامي بلا جدل، ومن هنا فإن التفسيرات المصاحبة لهذه الزيارة سوف تثبت أن السعودية عندما تذهب إلى دولة كبرى كأميركا فهي لا تذهب وحدها بل تذهب بهموم المنطقة، فسمو ولي العهد يسعى بكل اجتهاد إلى ضمان أن تغادر المنطقة مناطق خطرها ومنعطفاتها الصعبة وصولا إلى التهدئة لمشكلات المنطقة وأزماتها وصولا للاستقرار.