منذ نشأتها، تتقدّم المملكة العربية السعودية بخطى ثابتة، تعيد بها تعريف موقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم. وبرؤية خبيرة صاغها الملك سلمان بن عبدالعزيز، تحوّلت بخبرته وحنكته الممتدة عبر عقود من القيادة والإدارة، تغير الاستقرار إلى برنامج تحوّل وطني، بينما حمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان راية التنفيذ، محوّلًا الرؤية إلى خطط دقيقة تنبض على الأرض. دولةٌ تمسك بميزانٍ دقيق بين الأصالة والتجديد، وتجمع إرثها الحضاري العريق مع طموحٍ عالمي متجدّد تحت مظلة رؤية المملكة 2030. "طموحنا أن نبني وطناً أكثر ازدهارًا، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه. مستقبل وطننا الذي نبنيه معًا، لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم." * سمو الأمير محمد بن سلمان لم تكن تلك الكلمات مجرد شعار، بل إعلان بدايةٍ جديدة؛ خريطة طريقٍ رسمها قائدٌ محنك أعاد تعريف الممكن، وأطلق من خلالها شرارة التغيير في عمق مؤسسات الدولة والمجتمع. التاريخ هنا ليس خلفية رومانسية، بل أرضية صلبة لفهم حاضرٍ يُعاد تصميمه بوعي. بدأت الدولة السعودية الأولى عام 1727م على يد الإمام محمد بن سعود في الدرعية، لتكون النواة الأولى لكيانٍ موحّد في شبه الجزيرة العربية، يقوم على العقيدة الإسلامية ونشر الأمن والأمان والعلم، وهو التاريخ الذي تحتفي به المملكة اليوم تحت اسم يوم التأسيس. ثم جاء الإمام تركي بن عبدالله عام 1824م ليعيد بناء الدولة السعودية الثانية، واضعًا الرياض عاصمةً لها، فاستمرت في ترسيخ الحكم حتى عام 1891م. وبعدها، وحّد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود البلاد، معلنًا في 23 سبتمبر 1932م قيام المملكة العربية السعودية الحديثة. على هذا الامتداد الزمني اكتمل النسيج السياسي والروحي لوطنٍ يحتضن مكة والمدينة، ويتكئ على موقعٍ فريدٍ بين البحر الأحمر والخليج العربي، بمساحة تتجاوز 2.15 مليون كيلومتر مربع، واقتصادٍ هو الأكبر في الشرق الأوسط وعضوٍ فاعل في مجموعة العشرين. ليس هذا مجرد سردٍ لتاريخٍ بعيد، بل مقدمةٌ لفهم واقعٍ يتطوّر بطريقةٍ منهجية محسوبة. "أنا أعيش بين شعب عظيم، ومع شعبٍ عظيم، ولهذا لا يوجد شيء مستحيل على السعوديين." * سمو الأمير محمد بن سلمان هي مقولة قائدٍ تلخّص روح الزمن السعودي الجديد؛ زمنٌ صنع فيه التلاقي بين القيادة والشعب معادلةً نادرة: من الإيمان تولدت الإرادة، ومن الإرادة تولد الإنجاز. حين نتحدث عن المؤشرات، وإثباتًا لمقولة سمو سيدي، فإن الأهم يأتي أولًا: تصدّرت المملكة العالم في الثقة بالحكومة بنسبة 87% (إيدلمان 2024). رقمٌ يلخّص علاقةً متجددة بين المواطن ومؤسساته، ويعكس ثقةً بنتائج التحوّل نحو الشفافية والحوكمة الرقمية وتمكين القطاع الخاص. وفي ميدان الحكومة الرقمية أيضًا، واصلت المملكة صدارتها الإقليمية، محققة المرتبة الرابعة عالميًا في مؤشر الأممالمتحدة للتحول الرقمي، والأولى عالميًا في نضج الخدمات الإلكترونية بنسبة 96%. أرقامٌ تحوّلت إلى شهادةٍ دوليةٍ على أن الحوكمة السعودية تتحدث بلغة التقنية والكفاءة. ومن إنجازات الفخر، أن المملكة تصدّرت مؤشر الأمن السيبراني لعام 2024 وفق الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، متقدمةً على دولٍ صناعية كبرى بفضل منظومةٍ رقميةٍ تحمي أكثر من 6 آلاف جهة حكومية وقطاع حيوي، تحت إشراف المركز الوطني للأمن السيبراني. كما حلّت الأولى عربيًا والثالثة عالميًا في جاهزية الذكاء الاصطناعي حسب مؤشر Oxford Insights 2024، تأكيدًا على إدراكها المبكر لأهمية التقنية كقوةٍ ناعمةٍ جديدةٍ تعيد تشكيل النفوذ العالمي. وما نشهده على الأرض اليوم ليس مجرد إصلاحٍ إداري، بل توسّع حقيقي في دوائر الأثر: تتوحّد الخدمات تحت مظلة تنظيمية واضحة وهوية رقمية متكاملة، تُختصر معها المسافة بين القرار والمواطن، فتتجسّد فكرة الدولة الحديثة، دولةٍ حاضرةٍ في يد المواطن. في مجال الطاقة المتجددة، حلّت المملكة الأولى عالميًا في كفاءة إنتاج الطاقة الشمسية الواسعة وفق تقارير BloombergNEF، وأطلقت مشروع (سودير) كأحد أكبر المشاريع النظيفة في العالم. وعلى صعيد القدرة التنافسية، قفزت السعودية 20 مرتبة لتستقر عند المركز السادس عشر عالميًا (2024)، بينما عززت مكانتها في مؤشر الأداء الإحصائي للبنك الدولي بالمرتبة 25 عالميًا، مع تحقيق 100% في بُعد "استخدام البيانات". وفي ميدان التعليم والبحث لقادة المستقبل، يبرق إنجاز آيسف 2024 كصورةٍ ناطقةٍ لطموح الجيل الجديد؛ فطلاب المملكة في موهبة فازوا ب 27 جائزة دولية منها 7 كبرى، ليحلوا في المركز الثاني عالميًا بعد الولاياتالمتحدة. مشهدٌ يلخّص كيف تحوّلت الرؤية من وثيقةٍ حكوميةٍ إلى حركة فكريةٍ تزرع الثقة والعلم في عقول الشباب. "الشعب السعودي غيّر المعادلة، وجعل من التحديات فرصًا، ومن الأحلام واقعًا." * سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إنها عبارة قائدٍ تختزل التحول الذي يعيشه الجيل الجديد؛ انتقالٌ من التلقي إلى المبادرة، ومن استهلاك المعرفة إلى صناعتها. هذه المؤشرات ليست أرقامًا عابرة، بل ثمرة نهج مؤسسيٍّ يجمع بين الانضباط والابتكار. فالحوكمة هنا ليست قيدًا على الإبداع، بل أداةٌ لتمكينه، وثقافةُ التنظيم ليست بيروقراطيةً جامدة، بل منصةٌ للإبداع والمساءلة. وفي السياحة، لا يظهر التقدم فقط في أعداد الزوار أو الإيرادات، بل في شمولية وجودة البيانات السياحية التي وضعت المملكة بين الخمس الأوائل عالميًا والأولى عربيًا، في تذكيرٍ بأن البيانات ليست ترفًا، بل أداةُ سياسةٍ تُوجّه الاستثمار وتُقاس بها النتائج. وقد انعكس ذلك بوضوح على الاقتصاد الوطني، إذ ارتفع الناتج المحلي لقطاع السياحة بنسبة تجاوزت 150% مقارنة بعام 2019، لتسهم السياحة اليوم بأكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وتصبح أحد أسرع القطاعات نموًا ضمن منظومة رؤية 2030. أما الاستثمار السيادي، فشهد تضاعف أصول صندوق الاستثمارات العامة بأكثر من خمس مرات، بنموٍّ تجاوز 420% منذ إطلاق رؤية 2030، لتتخطى قيمتها ثلاثة تريليونات ريال سعودي بحلول عام 2024. ويعكس ذلك قدرة الصندوق على تحفيز القطاعات الجديدة وتمويل مشروعات كبرى تُغيّر شكل الاقتصاد الوطني، وترسّخ مكانة المملكة كقوة استثمارية عالمية. وتكمن فرادة النموذج السعودي في تلاقي الأمن الرقمي، والتمكين المعرفي، والابتكار المؤسسي؛ مثلث القوة الذي جعل المملكة من بين أفضل 15 دولة عالميًا في "التحول التكنولوجي الشامل" وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) لعام 2025. التحديات، كما في كل مسارٍ كبير، جزءٌ من العنوان لا هامشٌ يُتجاهل. فمشروعات الرؤية مثل نيوم ليست حلمًا بعيدًا بل اختبارًا عمليًا للتكامل الوطني بين الموارد البشرية والتقنية والمالية. والتحول من اقتصادٍ ريعي إلى إنتاجي متنوع يتطلب تصميمًا على تطوير الصناعة والسياحة والتقنية، وبناء جيلٍ وطنيٍّ واعٍ ومتمكّن يواصل ما بدأته الرؤية من تغيير. وهنا، تلتقي الحوكمة الرشيقة مع التعلم المؤسسي، لتتحول أدوات التقييم إلى محركاتٍ للتحسين، لا أوراقٍ تُملأ وتُنسى. الخلاصة الصحفية التي لا تحتاج إلى زخرفة: لم تعد المملكة تسير مع ركب الصاعدين؛ إنها تتقدّم في الصفوف الأولى بمؤشراتٍ تتصدّر عالميًا في الثقة بالحكومة، والتحول الرقمي، والأمن السيبراني، والابتكار العلمي. تقدّمٌ لا تصنعه الصدفة، بل تخطيطٌ ورؤيةٌ تقودهما قيادةٌ واعية وشعبٌ يؤمن أن العمل الجاد هو الطريق الأكيد نحو الازدهار. فالمملكة اليوم تُثبت حضورها بين الدول الكبرى، وترسّخ سيادتها المعرفية عبر بياناتٍ دقيقةٍ وإنجازاتٍ علميةٍ تتجدد كل عام. إنه مطلع عصرٍ سعودي جديد، عصر تكوين السعودية العظمى بأذن الله وتوفيقه، تمضي فيه المملكة بثبات نحو عام 2030، لا لتكون رقمًا في قوائم التنافسية، بل قوةً فاعلة ومحركة للعالم، سياسيًا واقتصاديًا وتنمويًا، بما تمتلكه من فكرٍ استراتيجي ومؤسساتٍ راسخة وإنسانٍ جعل الطموح سِمَته والعمل رسالته. "كل مواطن سعودي هو جزء من قصة نجاح الوطن، ونجاحه هو نجاح المملكة." * سمو الأمير محمد بن سلمان وما نشهده اليوم من ريادةٍ رقمية وثقةٍ مؤسسية وابتكارٍ علمي ليس خاتمة القصة، بل بداية فصلٍ سعوديٍّ جديد تُكتب فصوله أمام العالم، فصلٌ تُقاس فيه قوة الوطن بعزيمة أبنائه لا بثرواته، وبما يقدّمه للإنسانية من فكرٍ، وقيمٍ، وإنجازٍ مستدام. "الشعب السعودي لديه همة مثل جبل طويق، ولن تنكسر إلا إذا انهدّ هذا الجبل وتساوى بالأرض." * سمو الأمير محمد بن سلمان لا تُختتم الحكاية هنا، لأن الحكاية نفسها أصبحت طريقًا. فالسعودية اليوم لا تروي قصتها بالحبر، بل بالفعل. تقودها رؤيةٌ تعيد تعريف التنمية من كونها أرقامًا إلى كونها وعيًا وإنتاجًا وحياة. مجتمعٌ حيوي، واقتصادٌ مزدهر، ووطنٌ طموح، ثلاث ركائز تحولت من شعاراتٍ إلى واقعٍ ملموس. المملكة لا تلاحق المستقبل، بل تصنعه. *قسم الإحصاء وبحوث العمليات – كلية العلوم – جامعة الملك سعود