يحرصُ كثير من الناس على الرِّياضة؛ لأنها تساعدهم على عيش حياة صحية، وبناء جسم سليم، ومعلوم أن الرياضة رياضات: رياضة كرة القدم، ورياضة الكرة الطائرة، ورياضة كرة السلة، ورياضة ألعاب القوى، ورياضة كمال الأجسام، ورياضة السباحة، ورياضة المشي، ورياضة الجري، ورياضة كرة المضرب، ورياضة التمارين اللياقية، ورياضة ركوب الخيل، ورياضة الرماية، ورياضة الدراجات: الهوائية، والنارية، والمائية. وغيرها من ألوان الرياضات الجماعية، والفردية. وفيها يكتسب الجسم صحةً، ولياقةً، وطاقةً، وقوة، فيصبح قادراً على أداء أنماط حياته بشكل مرن، إضافة إلى كون الرياضة وسيلة ناجعة – بعد الله تعالى - لاتقاء كثير من الأمراض، والأعراض، والأخطار. وكلما حاول الإنسان تدريب جسمه على أصناف مختلفة من الرياضة حقق كثيراً من المتعة، والحيوية، والنشاط. غير أن المتأمل في شأن الرياضة يجد تركيزها على أعضاء كثيرة من الجسم، وإغفال أعضاء أخرى، أو عدم التنبه لها، كالعينين، واللسان، والشفتين، والأنف، والأذنين، مع أنها من أهم أعضاء الجسم، بل هي الأعضاء الأكثر دقة، وحساسية؛ لأنها مرتبطة بالذوق، والحس، والإدراك، وقد قال تعالى في سورة البلد: «أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)»، فهذه الأعضاء مهمة جداً، ويُغفِل كثير من الناس قيمتها، ومن هنا فإن استشعار هذه النعمة، والاعتناء بوظائفها، أمر في غاية الأهمية، وأظن أن المتخصصين في الطب، وعلوم الأعضاء، يؤكدون على ضرورة وجود رياضة تخصّ تلك الأعضاء. ولأننا أهل الأدب، والنقد، والثقافة، نشتغل كثيراً على مهارتين مهمتين، وهما: مهارة الكتابة، ومهارة التحدث، فإننا أمام رياضتين مرتبطتين بهما (الكتابة، والتحدث)، وهما: رياضة القلم، ورياضة اللسان، ونعني بذلك أن الكاتب لكي يصبح كاتباً جيداً، لا بد أن يمارس رياضة الكتابة، ويتدرّب عليها كثيراً، حتى يبلغ شأوه في هذا الأمر، وكذا الحال فيما يتعلق باللسان، فإن الخطيب، أو المتحدث بشكل عام ممن يستعمل لسانه في أي شأنٍ تواصلي، عليه أن يمنح لسانه جانباً من التمرن على النطق السليم، والصوت الواضح، فالاستمرار على هاتين الرياضتين (الكتابة، والتحدث) بطريقة صحيحة، من شأنه أن يجعل الكاتب، أو المتحدث أكثر إبداعاً وتميّزًا. لقد ذكر أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (285ه) في كتابه (الكامل في اللغة والأدب) ما يشير إلى رياضة اللسان، حيث لفت الانتباه إلى ضرورة تحريك اللسان، وتمرينه، فمن ذلك قوله: «وحدثني أبو عثمان الجاحظ قال: قال لي محمد الجهم: لما كانت أيام الزُّط أدمنتُ الفكر، وأمسكتُ عن القول، فأصابتني حُبسَة في لساني. وقال رجل من الأعراب يذكر آخر منهم: كأن فيه لَففاً إذا نَطَقْ.. من طُولِ تحبيسٍ وهمٍّ وأَرَق»، بل وجدنا عنده ما يشير إلى التصريح بعبارة (تمرين اللسان) كما في قوله: «وقال رجل لخالد بن صفوان: إنك لتُكثِر، فقال: أُكثِر لضربين: أحدهما فيما لا تُغني فيه القلة، والآخر لتمرين اللسان، فإن حبسه يورث العُقْلَة». ويدلنا المبرد في كتابه هذا أيضاً على وصفةٍ لتمارين اللسان؛ لتيسير طريقتها على المتدربين، فيقول: «وكان خالد يقول: لا تكون بليغاً، حتى تكلّم أَمَتك السوداء، في الليلة الظلماء، في الحاجة المهمة، بما تكلّم به في نادي قومك، فإنما اللسان عضوٌ إذا مرّنته، مَرَن، وإذا أهملته خار، كاليد التي تُخشّنها بالممارسة، والبدن الذي تقوّيه برفع الحجر وما أشبه، والرِّجل إذا عُوِّدَتْ المشي مَشَت». فقد جعل تمرين اللسان، لا يقل عن تمرين سائر الأعضاء، بل يربطه برفع الأثقال، وكثرة المشي، وهنا تكمن المفارقة.