من المهم إيجاد أماكن وحلول لأطفال التوحد السعوديين، في التعليم والعمل والزواج والرياضات المختلفة، وضمان كفالة حقوقهم، وإعطائهم فرصًا مساوية لغيرهم، وتمكين أسرهم من تقديم الرعاية المناسبة لهم، ودعمها ماليًا ونفسيًا، وتسهيل استقدام أخصائي والتكفل بأجرته، لأن رعاية المصابين بالتوحد مرهقة، وخصوصًا في مرحلة الطفولة، وأغلب عوائلهم من ذوي الدخل المحدود.. الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تعهد في حملته الانتخاية لفترة رئاسية ثانية، أن يقدم كشفا يخص اضطراب طيف التوحد، وقد تم الإعلان عنه، في أواخر سبتمبر من العام الجاري، وهو دواء ليوكوفورين، المعروف باسم حمض الفولينيك، والذي يعمل على تعويض نقص فيتامين بي 9، وباستطاعته الوصول إلى الدماغ بسهولة أكبر من حمض الفوليك العادي، والأبحاث المبدئية، تعتقد أنه يفيد في تحسين التواصل اللفظي عند أطفال التوحد، وفي الوقت الحالي، لم تتناوله إلا أربع دراسات سريرية صغيرة، أبرزها نفذ في 2016، على 48 طفلا توحديا، وأظهر، في نتائجه، تحسنا عليهم عند أخذه، وأهل الاختصاص، يرون أن التوحد اضطراب يلازم الشخص طوال عمره، وفرضية علاجه بشكل نهائي مستحيلة، والممكن هو الوصول الى أدواية تعالج بعض أعراضه، لأنه محكوم بعوامل وراثية وبيئية، وتشخيصه يختلف بين الأشخاص. محاولات علاج التوحد لا تتوقف، فقد حدثت موجه مشابهة في 2021، تخص دواء اسمه: بابلوفابتنان، والذي يعمل على ناقل عصبي يسمونه: الأوكسيتوسن، ويشبه هرمونا يفرز عند إرضاع الأم لطفلها، وفي العلاقة الحميمة بين الزوجين، ووصف في تلك الأيام أنه يحسن الجانب الاجتماعي لمصابي التوحد، إلا أن الدراسة السريرية التي أجريت عليه في العام نفسه لم تنجح، وطبقا ل»كلينيكل ترايلز دوت قوف»، وهو موقع حكومي أميركي، وفيه كل الدراسات السريسريىة القائمة، حول اضطراب طيف التوحد، والتي وصل عددها إلى ألفين و33 دراسة، فإن الدراسات التي تقيس فاعلية دواء ليوكوفورين في علاج التوحد، لا تزيد على تسعة من الإجمالي، وما زالت غير مجازة طبيا وفي مرحلة التجربة، وبعد التصريحات الرئاسية الأميركية خففت هيئة الغذاء والدواء في أميركا من القيود عليه، والدواء يستخدم أساساً كبديل لحمض الفوليك، المفيد في علاج وترميم الخلايا، وتحديدا عند النساء الحوامل، في فترة تكوين الخلايا الجنينية، ويعطى لمرضى السرطان بعد العلاج الكيميائي، لترميم الخلايا السليمة التي أفسدها. تكلمت في مقالات سابقة عن التوحد، وكان من بين الملاحظات التي سجلتها أن هيئة الإحصاء السعودية لا تهتم برصد حالاته بشكل دقيق، وتحفظت على الأرقام التي نشرت محلياً، لاعتقادي أنها لا تمثل الواقع، وكل ما قيل جاء من باب الحرص على الوضوح والشفافية في هذا الملف، وللأمانة المسؤولية لا تتحملها هيئة الإحصاء منفردة، ويشاركها في ذلك وزارتا التعليم والصحة وهيئة ذوي الإعاقة وغيرها، والإحصاءت -في رأيي- توضح حجم المشكلة، وما يفترض القيام به للتعامل معها. المختصون السعوديون أشاروا إلى أن مصابي التوحد، في مدينة الرياض وحدها، لا يقلون عن عشرين ألف حالة، وتقدر الدراسات المحلية وجود حالة توحد واحدة لكل 70 ألف طفل في المملكة، وهو أفضل من اليابان صاحبة أعلى رقم في حالات التوحد، والتي تقدر ب560 حالة لكل مئة ألف، ويرجح أنهم يشكلون أعدادا تصل إلى 200 ألف، من إجمالي السكان في الأراضي السعودية حالياً، بينما الرقم في بريطانيا يصل إلى مليون و200 ألف، وإذا طبقنا عليهم الإحصاءات العالمية فإن 30 % من هؤلاء، لديهم إعاقة ذهنية، ومهارات لغوية محدودة، والأرقام الأممية لهذا العام تشير إلى أن هناك حالة توحد لكل 31 طفلا، والمتوقع ارتفاعها في 2040 إلى حالة لكل 16 طفلا، والإشكالية الأكبر أنهم لا يجدون مؤسسات تستوعبهم، بشكل فاعل، والأمر لا يقتصر على المملكة، ويمتد لدول كثيرة. المسألة لم تهمل من قبل القيادة السعودية، وقامت في عام 2022 بإقرار مسح وطني ملزم لاضطرابات طيف التوحد، يعتمد على اختبار يعرف باسم: إم شات، ويتم إجراؤه على الأطفال ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 شهراً، ويعمل على متابعته المجلس الصحي السعودي، عن طريق مركز اضطرابات النمو الشامل، ويأخذ صيغة الإلزام لكل مقدمي الرعاية في القطاعين العام والخاص، تماما كالتطعيمات، والطفل الذي تظهر عليه علامات تنذر باضطراب التوحد، يتم تشخصيه، واذا تأكدت الإصابة، يبدأ معه التدخل المبكر، وقد ثبت بالدليل أن 75 % من أطفال التوحد الذين خضعوا للعلاج التأهيلي في بدايات الاضطراب تمكنوا من الكلام، والحياة بصورة أقرب إلى الناس العاديين، ويبقى لديهم ضعف في مهارات التكيف والتفاعل الاجتماعي، وللمعلومية التوحد قديم في التاريخ الإنساني، وأول وصف مسجل لطفل مصاب بالتوحد، كان في عام 1799، قبل إعادة اكتشافه في 1943. الأهم من كل ما سبق، هو إيجاد أماكن وحلول لأطفال التوحد السعوديين، في التعليم والعمل والزواج والرياضات المختلفة، وضمان كفالة حقوقهم في الحياة الكريمة، وإعطائهم فرصا مساوية لغيرهم في كل شيء، وتمكين أسرهم من تقديم الرعاية المناسبة لهم، ودعمها ماليا ونفسيا، وعدم وضع العراقيل والصعوبات أمامها، وتسهيل تأشيرة استقدام أخصائي والتكفل بأجرته، بمعرفة الأجهزة المختصة، لأن رعاية المصابين باضطراب التوحد مرهقة، وخصوصا في مرحلة الطفولة، وأغلب عوائلهم من ذوي الدخل المحدود.