على المسلم أن يستحضر نعمة السّنة والجماعة والاستقامة، ونعمة وليّ الأمر واستقرار الوطن، ونعمة التآلف والتوادّ بين نسيج المجتمع، ونعمة الأسرة المستقرّة التي تصبح وتمسي في وئام، فهذه النعم لا يفرّط في حراستها من اقتنع بجدواها، واعترف بالخيرات والبركات التي نالها بفضل الله، ثم بواسطتها، وإنما يفرّط فيها من كابر الواقع، فتجاهل فوائدها العظيمة، ونسي عوائدها الميمونة.. بقاء الصّلة التي أمر الله بها أن توصل مطلب شرعيّ، وركيزة اجتماعيّة، وضرورة أسريّة، وهو قرّة عين لكلّ إنسان متين الدّيانة، سليم الصدر، ناصح لإخوانه، يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، فهذا إن لم يكن ساعياً في استبقاء الصلات وحراستها، فلا أقلّ من أن ينشغل بنفسه، ولا يسعى في الإضرار بالناس وعلاقاتهم، ولا يسعى في زحزحة المودّات والتأثير على الصّلات إلّا من أشرب قلبه حبّ الإضرار بالنّاس، وأولع بالتّدخّل فيما لا يعنيه، والمفسدون للصّلات يتسلّطون على جميع أنواع العلاقات الضروريّة والحاجيّة والتحسينيّة، وأولها علاقة المسلم بربّه، ثم العلاقات العامّة، كعلاقة الشعب بقيادته، والعلاقات المجتمعيّة، والخاصّة كعلاقة الفرد بأسرته والعلاقة بين الزوجين، وبين الزملاء والأصدقاء، والمفسدون يدركون أهميّة استقرار هذه العلاقات ويعرفون الثمرات المباركة لهذا الاستقرار، فيكون هدفهم المنشود التأثير والتشويش على ذلك، وهذا يستدعي من الجميع اليقظة، واتخاذ أنواع الاحتياط لدفع شرور المفسد، وتجنّب مخاطر دسائسه، ولي مع خطورة إفساد الصّلات وقفات: الأولى: للصّلات مسار ينبغي أن تسلك جادّته، وهذا المسار له قطّاع طرق أخطر ممن يقطعون الطريق المحسوس لسلب المارّة؛ لأنّ اللصّ القاطع للطريق لا يمكنه أن يتقمّص ثوب الناصح الأمين الحبيب، بل يكاشر بالعداوة والاعتداء السّافر، أما قاطع طريق الصّلات، فهو يتستّر بشعارات خادعة، تلبس الحقّ بالباطل، ويقلب الحقائق رأساً على عقب، فيسوّق على ضحيّته الكيد على أنه نصيحة، والفكر المنحرف المتطرّف على أنّه عبادة، والبدعة على أنّها سنّة، وخيانة الوطن على أنّها غيرة عليه، ونقْض ميثاق بيعة وليّ الأمر على أنّه إصلاح، والتّطاول على رموز الوطن وقبائله على أنّه حريّة تعبير، وتقويض كيان الأسرة على أنّه مصلحة، وتخبيب أحد الزوجين على الآخر على أنّه نصيحة، وإهمال حقّ الوالدين على أنّه ترجيح للمصلحة الشّخصية، وقطع الأرحام على أنّه أمر طبيعيّ، والذي يدسّ هذه السموم في عسل الكلام لصّ خطير يسرق من الناس أهمّ المصالح العليا، من ديانة وطاعة لوليّ الأمر ووحدة للصّفوف، والتزام بالقيم النّبيلة، واستقرار للأسرة ووئام بين أفرادها، فواجب على كلّ أحد منّا أن ينتبه لمثل هذا وألا ينخدع بمكره وخديعته، وأن يعي أنّ هؤلاء المفسدين لا يعبّرون عن بضاعتهم المشؤومة بواقعها، فلن يفصح أحدهم عن كونه يدعو لبدعة، أو يسعى في جلب مفسدة، أو يخرّب بيتاً، بل يسمّي الشرور بأسماء لمّاعة، فالواجب النظر في مآلات أقوالهم حسب التّجارب، وحسبما يتقرّر شرعاً ونظاماً وعرفاً. الثانية: لا بدّ لكل منعم عليه من الجدّ واليقظة في حراسة النّعمة التي مُنحت له، ويجب أن تكون تلك الحراسة نابعةً من القلب، وإلّا فلن تجدي نفعاً، فالقلب أوّل الثغور التي يلزم تأمينها، وذلك بأن يقتنع الإنسان أنّ هذه المنحة نعمة عظيمة، وأن يقتنع أنّها ذات قيمة عالية، وبهذا تكون صيانتها هدفاً ماثلاً أمام عيْنيه، ويستعدّ لدفع أيّ ثمن يوجبه ذلك، كما قيل: (منْ عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل)، فعلى المسلم أن يستحضر نعمة السّنة والجماعة والاستقامة، ونعمة وليّ الأمر واستقرار الوطن، ونعمة التآلف والتوادّ بين نسيج المجتمع، ونعمة الأسرة المستقرّة التي تصبح وتمسي في وئام، فهذه النعم لا يفرّط في حراستها من اقتنع بجدواها، واعترف بالخيرات والبركات التي نالها بفضل الله تعالى، ثم بواسطتها، وإنما يفرّط فيها من كابر الواقع، فتجاهل فوائدها العظيمة، ونسي عوائدها الميمونة. الثالثة: على من عرف من نفسه ميوله إلى إفساد الصّلات أن يتدارك ذلك، وأن يعلم أنّ صنعه السّلبيّ بلاء محض على نفسه وعلى مجتمعه ومن حوله من النّاس، أما كونه بلاءً على نفسه؛ فلأنّ الإنسان إذا انشغل بما لا يعنيه ضيّع بعض ما يعنيه، ويكون هذا التضييع بقدر انشغاله بأمور الآخرين، فإن كان مدمناً لذلك كان مهدراً لمصالحه، هذا مع ما يتحمّله من التّبعات المترتّبة على إضراره بالنّاس، وما يقع في نفوس المتضرّرين من بغضه ومقته؛ لأنّ النفوس مجبولة على بغض من آذاها وسعى في النّيل من مصالحها، وبما أنّ الجزاء من جنس العمل فكثيراً ما يبتلى هذا المفسد بمن يكيل له الصاع بصاعين، ويسعى في تقويض علاقاته، وأما كونه بلاءً على المجتمع؛ فلأنّه ساع في نقض الصّلات المبرمة، والعلاقات المثمرة، وهذا من تعطيل المصالح، وتكثير المفاسد، وقد توعّد الله تعالى من قطع ما أمر به أن يوصل، وأفسد في الأرض فقال: (والذين ينْقضون عهْد الله منْ بعْد ميثاقه ويقْطعون ما أمر الله به أنْ يوصل ويفْسدون في الْأرْض أولئك لهم اللّعْنة ولهمْ سوء الدّار)، وجاء في الإفساد بين الزوجين وعيد خاصّ، فعنْ أبي هريْرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليْه وسلّم: (منْ خبّب خادمًا على أهْلها فليْس منّا، ومنْ أفْسد امْرأةً على زوْجها فليْس منّا)، أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني.