العالم العربي والإسلامي الداعم لخطة غزة ينتظر من تلك الخطة تعريفًا مناسبًا ودقيقًا ومتفقًا عليه يشرح طبيعة وهدف إعادة التأهيل بما يخدم القضية الفلسطينية، بجانب العمل الجاد والفعال من أجل تحويل هذا القطاع إلى كيان جغرافي قابل للاستدامة وليس عرضة لتكرار ما فعلته إسرائيل من تخريب.. قتلت إسرائيل أكثر من أربعة وستين ألف فلسطيني من المدنيين في غزة، وأصيب أكثر من مئة وستين ألف شخص منذ السابع من أكتوبر عام 2023م، ويبدو أن هذه الأرقام من القتلى والجرحى قابلة للزيادة، فمن هم تحت الأنقاض يمكن أن يضاعِفوا عدد القتلى والجرحى، فهذا السلوك الإجرامي الذي مارسته إسرائيل بحق غزة لا يمكن تصور أنه حدث في القرن الحادي والعشرين، لقد ترك هذا الصراع أكثر من مليوني مدني فلسطيني معظمهم من الأطفال في مجاعة مميتة وجوع كارثي شدد قبضته على سكان غزة طيلة السنوات الماضية. الأسئلة حول ما يجب علينا التفكير به كثيرة ومنها: هل من الممكن إعادة تأهيل قطاع غزة في ظل الظروف القائمة؟ وما البدائل المتاحة إذا لم تتحقق الطموحات؟ اليوم، وبعد كل هذا الدمار الذي خلفته الحرب يصرّ العالم على معرفة مدى جدية الخطوة اللاحقة التي تهدف إلى إعادة تأهيل قطاع غزة وتحسين وضعه الاقتصادي، عندما تدور الأعين على حجم الدمار الذي خلفته الحرب تصبح تصورات الإصلاح خيالية، فحجم الدمار مخيف وكبير ويتكشف كل يوم مع تلك المشاهد التي تتجدد أمام أعيننا من داخل غزة، هذا التصور الذي يتكشف أمامنا يعيد طرح السؤال من جديد حول إعادة غزة إلى الحياة بعدما أصبحت جثة هامدة. هذه الحرب الشرسة التي قادتها إسرائيل ضد غزة أنتجت الكثير من المآسي، فقد دمرت الحرب أكثر من تسعين بالمئة من البنية التحتية، ودمرت أكثر من ثلاث مئة ألف وحدة سكنية، وفقد أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني مساكنهم، وبحسب الإحصاءات فقد ألقى جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مئتي ألف طن من المتفجرات على غزة منذ بدء الحرب، وأشارت الكثير من التقارير الصحفية إلى "أن عدد الشهداء والمفقودين بلغ أكثر من 76 ألفًا بينهم 9500 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولًا، وبلغ عدد المصابين أكثر من 169 ألفًا من بينهم 4800 حالة بتر و1200 حالة شلل". هذه النتيجة المخيفة والقابلة للزيادة لتلك الحرب تجعلنا نفكر جدياً بتلك المتغيرات التي أدت إلى هذه النتيجة، وهي متغيرات تتعلق بالحالة السياسية التي عاشتها غزة والتي ساهمت بشكل كبير في وصولنا إلى هذه النتيجة، لقد عاش قطاع غزة عزلة سياسية فرضت عليه وأخرجته من الوحدة الفلسطينية، وهكذا كانت النتيجة، فمنذ العام 2007م وبعد كل جولة من الاشتباكات العنيفة بين إسرائيل وحماس، تثار مرة أخرى مسألة إعادة تأهيل قطاع غزة وتحسين وضعه الاقتصادي، ولكن القتال كان يخلف الكثير من الأزمات ويشدد الضائقة الاقتصادية والوضع الإنساني في غزة، لقد استثمرت إسرائيل حالة غزة كمبرر لها لكي تقوم بتنفيذ هذه العملية الوحشية التي أدت إلى هذه الكارثة الإنسانية التي لم يشهد التاريخ الإنساني مثيلاً لها. في خطة إعادة تأهيل قطاع غزة ستشكل إدارة القطاع رأس الحربة التي يمكن من خلالها الوصول إلى فكرة التغيير وإعادة التأهيل عبر مسار الإصلاحات المطلوب تحقيقها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، ما يجب علينا التفكير فيه هي المخرجات المتوقعة، فليست الفكرة أن يتم بناء الجسور والأنفاق والمنازل والطرقات والمستشفيات فقط، الفكرة أيضًا تدور حول الإنسان وذلك العدد الكبير من سكان غزة الذين يجب ألا يخرجوا من معادلة إعادة التأهيل، فالمطلوب في النهاية أن تثمر تلك الإصلاحات في القطاع إلى حل الدولتين، فالأموال التي سوف تضخ في قطاع غزة يجب أن يكون هدفها الأول والأخير هو المستقبل السياسي، وهذا هو مطلب العالمين العربي والإسلامي. العالم العربي والإسلامي الداعم لخطة غزة ينتظر من تلك الخطة تعريفًا مناسبًا ودقيقًا ومتفقًا عليه يشرح طبيعة وهدف إعادة التأهيل بما يخدم القضية الفلسطينية بجانب العمل الجاد والفعال من أجل تحويل هذا القطاع إلى كيان جغرافي قابل للاستدامة وليس عرضة لتكرار ما فعلته إسرائيل من تخريب، فكرة الاستقرار في قطاع غزة هي ما يجب أن تبنى عليه من أفكار تؤدي إلى حل الدولتين، ولن يتحقق ذلك دون الوصل إلى تعريف دقيق يجب على أسئلة لماذا وكيف ومتى. مرة أخرى، ما يجب علينا التفكير فيه هو أن الفرصة أمام العرب والمسلمين كبيرة في هذه المرحلة، فإسرائيل أيضًا تخشى العواقب التي يمكن أن تترتب على الفشل في فكرة إعادة التأهيل، لأن الوضع سيكون معقداً بالنسبة لها، فهي تخشى الكثير من الأفكار والنتائج السلبية، فالضغط الذي يمكن أن يمارسه العرب والمسلمون متاح لجلب عملية التأهيل وإعادة الإعمار إلى مسار يؤدي في النهاية إلى إقامة دولة فلسطينية.