واصل الذهب صعوده إلى مستوى قياسي جديد يوم الخميس، مع توجه المستثمرين نحو الملاذات الآمنة في ظل التوترات التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، واستمرار إغلاق الحكومة الأمريكية، إلى جانب تزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة، ما يعزز الطلب على المعدن النفيس. وارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.6% ليصل إلى 4,233.39 دولارًا للأونصة عند الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش، بعدما لامس في وقت سابق من الجلسة أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4,241.77 دولارًا، مسجلًا مكاسبه للجلسة الخامسة على التوالي. كما صعدت عقود الذهب الأمريكية الآجلة تسليم ديسمبر بنسبة 1.1% لتبلغ 4,247.10 دولارًا. ومنذ بداية العام، ارتفع الذهب بنسبة 61%، مع تزايد الإقبال عليه كملاذ آمن في أوقات عدم الاستقرار. وتركز اهتمام المستثمرين هذا الأسبوع على تصاعد الخلاف التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، بعد انتقادات أمريكية لتوسع الصين في ضوابط تصدير المعادن النادرة، واعتباره تهديدًا لسلاسل التوريد العالمية. وقال نيتيش شاه، استراتيجي السلع في شركة ويزدوم تري، إن "تجدد الاحتكاكات التجارية يُفاقم حالة عدم اليقين في سلاسل التوريد العالمية، ويدفع المستثمرين بشكل متزايد نحو الذهب"، مضيفًا أن "الارتفاع الحالي يعكس أيضًا تراجع الثقة في مصداقية السياسة الاقتصادية الأمريكية". وأشار شاه إلى أن هناك احتمالًا قويًا لبقاء المعدن الأصفر فوق مستوى 4200 دولار خلال المدى القريب. ويُعزى صعود الذهب إلى مزيج من العوامل، أبرزها توقعات خفض أسعار الفائدة، واستمرار حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، والمشتريات القوية من البنوك المركزية، وتدفقات رؤوس الأموال إلى صناديق الذهب المتداولة في البورصة، إضافة إلى ضعف الدولار الأمريكي. وفي سياق متصل، قال مسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية يوم الأربعاء إن إغلاق الحكومة الفيدرالية المستمر منذ أسبوعين قد يُكلف الاقتصاد الأمريكي ما يصل إلى 15 مليار دولار أسبوعيًا من خسائر الإنتاج. أما على صعيد السياسة النقدية، فيُقدّر المتعاملون في الأسواق احتمال خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر/تشرين الأول، مع خفض آخر في ديسمبر/كانون الأول، بنسبة احتمال تبلغ 98% و95% على التوالي. ويؤدي خفض الفائدة عادة إلى تعزيز جاذبية الذهب، لكونه أصلًا لا يدرّ عائدًا. وقال أكاش دوشي، رئيس استراتيجية معادن الذهب في شركة ستيت ستريت لإدارة الاستثمارات، إن "الوصول إلى مستوى 5000 دولار للأونصة بحلول عام 2026 يتطلب استمرار الطلب الفعلي على المعدن، إلى جانب زيادة إضافية في الطلب المالي". ووفقًا لمحللي السلع النفيسة في موقع إنفيستنغ دوت كوم، فقد ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة في التعاملات الآسيوية يوم الخميس، مسجلةً رابع جلسة متتالية من المكاسب القياسية، مدعومة بتوقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية وتجدد التوترات التجارية بين واشنطنوبكين. وسجل المعدن الأصفر مكاسب تتجاوز 5% منذ بداية الأسبوع، مستفيدًا من موجة ارتفاع قوية بدأت مطلع أكتوبر. كما عززت رهانات تيسير السياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب تصاعد التوترات التجارية، مكاسب الذهب. ويتوقع المتداولون خفضًا شبه مؤكد للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر، يليه خفض آخر في ديسمبر، بعد أن تبنّى رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لهجة أكثر تشاؤمًا هذا الأسبوع. وأظهر الكتاب البيج الصادر عن الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء أن النشاط الاقتصادي الأمريكي لم يشهد تغيرًا كبيرًا في الأسابيع الأخيرة، مشيرًا إلى تباطؤ في الطلب وضعف ضغوط الأسعار، مع بوادر تباطؤ مبكر في سوق العمل، وهو ما دعم التوقعات باتجاه الفيدرالي إلى مزيد من التيسير النقدي، مما عزز جاذبية الذهب. كما أسهمت التوترات التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين في دعم أسعار الذهب، بعد أن هددت واشنطن بفرض رسوم جمركية جديدة على السلع الصينية، وردّت بكين بتوسيع ضوابط تصدير المعادن النادرة، ما أثار مخاوف من صراع تجاري أوسع، ودفع المستثمرين نحو أصول الملاذ الآمن. وفي الوقت نفسه، أضاف إغلاق الحكومة الأمريكية المطول، الذي دخل أسبوعه الثالث، مزيدًا من الغموض إلى المشهد الاقتصادي، إذ أدى إلى تأخير إصدار بيانات اقتصادية رئيسية وأثار مخاوف بشأن العجز المالي في واشنطن. من جهته، توقع بنك "إيه إن زد" وصول سعر الذهب إلى 4,400 دولار للأونصة بنهاية العام، مشيرًا إلى أن الاتجاه الصاعد مدعوم بحالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، إلى جانب تيسير سياسات الاحتياطي الفيدرالي. وقال محللو البنك: "على الرغم من تشابه المستويات الحالية مع ذروة أسعار الذهب في الثمانينيات، فإن الارتفاع الحالي مدعوم بعوامل هيكلية، ما يشير إلى استمراره على الأرجح". ويتوقع البنك أن تصل الأسعار إلى 4,400 دولار بنهاية عام 2025، وأن تبلغ ذروتها قرب 4,600 دولار بحلول يونيو 2026، قبل أن تشهد تصحيحًا في النصف الثاني من ذلك العام. وفي أسواق المعادن الأخرى، تحركت الأسعار في نطاقات ضيقة يوم الخميس رغم ضعف الدولار الأمريكي؛ إذ تراجع سعر الفضة الفوري بنسبة 0.6% ليصل إلى 52.77 دولارًا للأونصة، بعد أن سجل أعلى مستوى له عند 53.60 دولارًا يوم الثلاثاء، مدعومًا بشح المعروض. كما انخفض البلاتين بنسبة 0.4% إلى 1,653.93 دولارًا، بينما ارتفع البلاديوم بنسبة 0.3% إلى 1,540.21 دولارًا. وأضاف محللو إيه إن زد أن "العوامل الداعمة لارتفاع الذهب تُعزّز أيضًا زخم الفضة، حيث يتجه المستثمرون الذين فاتهم صعود الذهب إلى المعدن الأبيض كبديل استثماري". أما عقود النحاس القياسية في بورصة لندن للمعادن فقد استقرت عند 10,616.20 دولارًا للرطل، في حين ارتفعت العقود الآجلة للنحاس الأمريكي بنسبة 0.2% لتصل إلى 4.98 دولارًا للرطل.