لم تعد عبارة «الادخار لمستقبل الأبناء» تعني فقط فتح حساب توفير بسيط في أحد البنوك. ففي ظل الارتفاع المتسارع لتكاليف الحياة ومتطلبات التعليم الجامعي والسكن، وما يفرضه التضخم من تآكل مستمر للقوة الشرائية للمدخرات النقدية، تشهد الخيارات المالية والادخارية تحولاً جوهرياً. بدأ جيل جديد من الآباء والأمهات في تبني استراتيجية أكثر ديناميكية وفعالية تُعرف ب«الادخار الاستثماري المستمر» عبر السوق المالية، محوّلين المبالغ الشهرية أو السنوية المخصصة للادخار إلى حصص دورية من الأسهم، في سعي حثيث لبناء ثروة تراكمية لأبنائهم تمتد لعقدين من الزمن أو أكثر. هذه الظاهرة، التي كانت مقتصرة في الماضي على نخبة من المستثمرين، أصبحت اليوم نهجاً واسع الانتشار، مدفوعة بوعي مالي متزايد وإدراك عميق لقوة «العائد المركب». دوافع الاستثمار في الأسهم يرى الخبير المالي عبدالله السالم أن الدافع الرئيس وراء هذا التحول نحو الاستثمار في الأصول بدلاً من حفظ النقد يعود إلى عاملين رئيسيين الأول قوة العائد المركب ومواجهة التضخم حيث يدرك المستثمرون أن الودائع البنكية التقليدية، رغم أمانها، لا تحقق عوائد كافية لمجاراة التضخم، مما يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للمدخرات مع مرور الوقت. في المقابل، يتيح الاستثمار الدوري في الأسهم الاستفادة من مبدأ العائد المركب، حيث يتم إعادة استثمار الأرباح وتوزيعات الأصول، مما يضاعف رأس المال على المدى الطويل (عادة 5 سنوات فأكثر). أما السبب الثاني، فهو سهولة الوصول وانخفاض التكاليف حيث أصبحت عملية فتح محافظ استثمارية والتداول في السوق السعودي أكثر سهولة ويسراً، مع انخفاض تكاليف العمولة وزيادة في الخيارات الاستثمارية كالصناديق المتداولة التي توفر تنوعاً بأخطار أقل نسبياً. مضيفا أن المستثمرين يفضلون الأسهم كأداة للادخار طويل الأجل لعدة أسباب، أهمها إمكانية تحقيق نمو أعلى مقارنة بالاستثمارات الأخرى. هذا النمو مرتبط بالنمو الاقتصادي للشركات والدول، ويتيح للمدخر امتلاك حصة في كيانات اقتصادية قوية. أبرز القطاعات ويتركز هذا «الادخار الاستثماري» للأبناء في السوق السعودي على عدة قطاعات حيوية ومستقرة: قطاع الطاقة والبتروكيماويات: يمثل العمود الفقري للاقتصاد السعودي، ويوفر حماية جيدة ضد التضخم وعوائد قوية بفضل كبر حجم الشركات فيه مثل أرامكو السعودية وسابك. القطاع المالي والمصرفي: يتميز بالاستقرار والسيولة العالية وتوزيع الأرباح النقدية المنتظمة، مما يوفر تدفقات مالية يمكن إعادة استثمارها. قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات: المحرك الرئيسي ل«رؤية 2030» والتحول الرقمي، ويحمل إمكانات نمو هائلة على المدى الطويل كونه أحد القطاعات المستقبلية. صناديق المؤشرات المتداولة والصناديق العقارية المتداولة: توفر صناديق المؤشرات تنويعاً فورياً يقلل من مخاطر سهم واحد، بينما توفر الصناديق العقارية دخلاً دورياً جيداً. تسهيلات الاستثمار على الرغم من التوجه المتزايد، فإن البنوك والشركات المالية السعودية لا تقدم بالضرورة «تسهيلات ائتمانية» (كقروض أو تمويل بالهامش) مخصصة لاستثمار الأبناء أو الأطفال، لأن القواعد تتطلب أن يكون المستثمر مسؤولاً مالياً (عادة 18 عاماً فأكثر) للحصول على التمويل. لكن ما تتيحه البنوك والمؤسسات المالية هو فتح محافظ استثمارية بأسماء القُصّر (غير البالغين). يتم ذلك عبر الولي الشرعي (الأب غالباً)، الذي يدير المحفظة بالنيابة عن القاصر، ويتم تقييد التصرف فيها لصالح الطفل إلى أن يبلغ السن القانونية. هذه الآلية هي الأداة الرئيسية التي تسهل هذا النوع من الادخار الاستثماري للأجيال القادمة. المحافظ بالسوق السعودية وفقاً لآخر الإحصائيات الربعية الصادرة عن هيئة السوق المالية، فقد تجاوز إجمالي عدد المحافظ الاستثمارية للأفراد في السوق المالية الرئيسية السعودية حاجز 13.5 مليون محفظة في الربع الأول من عام 2025م. أما بخصوص عدد المحافظ المسجلة بأسماء غير البالغين (الأطفال)، فغالباً ما لا يتم الإفصاح عن هذا الرقم كفئة مستقلة في النشرات الإحصائية العامة لهيئة السوق المالية. ومع ذلك، تشير الزيادة الكبيرة في إجمالي عدد المحافظ إلى ارتفاع الوعي والتوسع في الشمول المالي والاستثماري، الذي يشمل المحافظ المفتوحة باسم القُصر تحت ولاية ذويهم، كإحدى الأدوات الأكثر استخداماً لتأمين مستقبلهم. توجه جديد ويرى متخصصون أن المنهج المتبع من قبل الآباء بشراء أسهم دورياً للأبناء هو في طبيعته «استثمار» وليس «ادخاراً» بالمعنى التقليدي، حيث إن الاستثمار الدوري (الاستثماري) هو الخيار الأمثل لمن يسعون لتحقيق أعلى نمو محتمل على المدى الطويل، ويتمتعون بوعي كافٍ لتحمل تقلبات السوق والاستفادة من عنصر الزمن، أما الادخار التأميني فيفضله الآباء الباحثون عن الحماية المزدوجة؛ ضمان مبلغ لأبنائهم في حال غيابهم، مع فرصة نمو مدخراتهم، مقابل تحمل رسوم إدارية والتزام طويل الأجل يحد من السيولة. مفتاح الأمان كما أن المخاطر التي تتهدد الاستثمار الدوري في الأسهم على المدى القصير هي مخاطر حقيقية، لكنها تتضاءل بشكل كبير على المدى الطويل (15-20 سنة). ويؤكد التاريخ الاقتصادي أن الأسواق المالية تميل إلى التعافي والنمو على فترات زمنية ممتدة، ولذلك فإن «الزمن» يصبح هو عامل الأمان الأقوى. أسهم المستقبل (لماذا الاستثمار؟) - قوة العائد المركب: إعادة استثمار الأرباح لتضاعف رأس المال على المدى الطويل (أكثر من 5 سنوات). - مواجهة التضخم الودائع التقليدية لا تحقق عوائد كافية، مما يقلل من القوة الشرائية للمدخرات بمرور الوقت. - سهولة الوصول انخفاض تكاليف العمولة وسهولة فتح المحافظ الاستثمارية إلكترونياً. أبرز القطاعات الاستثمارية التي يلجأ لها الأهالي - الطاقة والبتروكيماويات: حماية جيدة ضد التضخم، وعوائد قوية (مثل أرامكو، سابك). - القطاع المالي والمصرفي: استقرار، سيولة عالية، وتوزيع أرباح نقدية منتظمة. - الاتصالات وتقنية المعلومات: إمكانات نمو هائلة، ومحرك رئيسي ل رؤية 2030. - الصناديق المتداولة: تنويع فوري للمخاطر وتدفق دخل دوري. - إجمالي المحافظ الاستثمارية للأفراد في السوق السعودي: تجاوز 13.5 مليون محفظة أنواع الادخار: الادخار التقليدي (حساب التوفير) الهدف الرئيسي: السيولة والأمان. مستوى المخاطر: منخفض جداً (لكن هناك مخاطر تضخم). العائد المتوقع: منخفض جداً (أقل من معدل التضخم). السيولة: عالية جداً (سحب فوري). الميزة الإضافية: لا توجد. الادخار التأميني (وثائق البنوك) الهدف الرئيسي: حماية تأمينية مع فرصة نمو. مستوى المخاطر: متوسط إلى منخفض (حد أدنى مضمون). العائد المتوقع: متوسط (يخضع لخصم الرسوم الإدارية). السيولة: منخفضة (تخضع لغرامات سحب مبكر). الميزة الإضافية: تغطية تأمينية في حالة وفاة الولي. الادخار الاستثماري (الأسهم/الصناديق) الهدف الرئيسي: تنمية القيمة وبناء الثروة. مستوى المخاطر: عالٍ (يتحمله المستثمر بالكامل). العائد المتوقع: عالٍ (أعلى نمو محتمل طويل الأجل). السيولة: عالية (سهولة البيع، لكن السعر متقلب). الميزة الإضافية: لا توجد.