تحوّل معرض الرياض الدولي للكتاب في الأعوام الأخيرة إلى أكثر من مجرد تظاهرة ثقافية سنوية، ليصبح موردا حيا للثقافة، ومنصة تجمع بين المعرفة والإبداع والاقتصاد الثقافي في آن واحد، لم يعد المعرض مجرد مكان تعرض فيه الكتب، بل فضاء نابض بالحياة يعيد تشكيل المشهد الثقافي السعودي، ويكرس مكانة المملكة كوجهة عالمية لصناعة النشر والإنتاج المعرفي. يلمس الزائر من خلال تجوّله حجم التطور المذهل الذي شهده خلال السنوات الماضية، سواء في تنوّع المشاركات أو في جودة التنظيم أو في ثراء الفعاليات، وتتقاطر إليه دور نشر محلية وعربية وعالمية، مدفوعة بالمكانة التي باتت العاصمة السعودية تتبوأها في خارطة الثقافة الإقليمية. أضحت الرياض قبلة الناشرين، لما توفره من بيئة مهنية جاذبة، ودعم لوجستي متكامل، وإقبال جماهيري كبير يترجم إلى مبيعات حقيقية وفرص تعاون ثقافي واستثماري تتجاوز زمن المعرض نفسه. ولعل اللافت أن هذا الحراك لم يعد مقتصرا على الكتب الورقية وحدها، بل تجاوزها إلى فضاءات أوسع من الفنون، والآداب والإعلام والفكر، فهنا، تحت سقف واحد، يتجاور الكاتب مع الفنان، والمترجم مع القارئ، والناشر مع الموهوب الشاب. هذا التلاقي لا يصنع حدثا آنيا فحسب، بل يؤسس لثقافة حوارية ومعرفية تنعكس على المجتمع بأسره، وتغذي روح القراءة والإبداع لدى الأجيال الجديدة. وهناك المواهب الشابة، الذين وجدوا في معرض الرياض الدولي للكتاب نافذة حقيقية للانطلاق، من الأمسيات الشعرية إلى المنصات الحرة، ومن الورش الأدبية إلى الندوات التفاعلية، فظهر المعرض حاضنا للأحلام الصغيرة التي تنمو في عقول الشباب. إن رؤية شاب أو شابة يوقعان أول كتاب لهما أمام جمهور متحمس، أو يقدمان عرضا فنيا أو فكريا ضمن برنامج المعرض، تعني أن المشهد الثقافي السعودي يعيش اليوم مرحلة نضج وازدهار لم يعرفها من قبل. كما يحسب للمعرض أنه جمع بين الحداثة والتراث في مزيج متوازن؛ فهو يفتح نوافذه على العالم، لكنه لا ينسى جذوره الثقافية الراسخة، وهذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة جعل منه موردا للهوية الثقافية الوطنية، ومجالا للتعبير الحر المسؤول الذي يعكس تنوع المجتمع السعودي وثرائه الفكري. في المجمل؛ يمكن القول: إن معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 لم يكن حدثا عابرا في رزنامة الفعاليات، بل كان علامة فارقة في مسار التحول الثقافي الذي تشهده المملكة، إنه مورد ثقافي، ومنبر إبداعي، وسوق معرفي يجسد رؤية وطن يسير بخطى واثقة نحو مجتمع قارئ ومبدع. * بصيرة: طالما الحبر يسيل في قاعات المعرض، فالثقافة في السعودية بخير..