أصبحت الحرب الروسية - الأوكرانية ميداناً مناسباً وخصباً للصناعات العسكرية المتقدمة المعتمدة على المواجهات المختلفة وأبرزها الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، ومن المؤكد أن إطالة أمد الحرب جعلت من الدروس المستفادة أهمية بالغة ومن المؤكد انعكاسها في متغيرات الحروب العسكرية الحديثة حيث إن استمرار المواجهة أجبرت الطرفين على تنوع استخدام الأسلحة المتطورة وأساليب الهجوم، ما نتج عن ذلك آثار مدمرة بين كل من الطرفين شكلت ضرورة إيجاد طرق مختلفة وعصفاً ذهنياً لأصحاب القرار على اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة تلك التهديدات باستخدام التقنيات العسكرية المبتكرة أو الحالية المتوفرة أو استقطاب تحالفات لتحقيق المزيد من الصناعات التي تستطيع من خلالها المواجهة أو التحييد. ربما يطلق على هذه الحرب أنها حرب المسيرات بامتياز وبالتالي تكونت لدى الدولتين الخبرات القتالية بين كل من الطرفين وأصبحت هناك صناعات متنافسة ووسائل استخدام متكافئة ومتنوعة أن صح التعبير. أصبح سباق الحرب وصناعة الطائرات المسيرة مجالا للاختبار التقني على مستوى الدول حيث لجأت كل من الدولتين إلى اتخاذ خطوات في مجال شراء طائرات مسيرة من مختلف الدول كمصادر متنوعة وتم اعداد تحسينات تقنية متقدمة عليها أثناء الاستخدام في بيئة العمليات القتالية. تم اللجوء إلى مشاركة المزيد من الشركات التقنية كوسائل أساسية لتطوير الصناعات العسكرية وعمل تحسينات مناسبة لمختلف مراحل الصراع حتى وإن كانت وسائل بدائية أو عالية التقدم فهي بيئة خصبة في مجال التنافس. بلا شك أن تأثير الاقتصاد العالمي له أثر بالغ على اقتناء الموارد المستخدمة في الصناعة العسكرية بين كلا الطرفين، حيث شكلت الميزانية العسكرية الجزء الأكبر لسنوات الصراع وكذلك أطراف الدول الداعمة للنزاع. «التقنيات العسكرية الحديثة» من خلال ما سبق سنشير إلى ما توصلت إليه التقنيات العسكرية المهمة في الدولتين وكيف استطاع كل منهم إعداد القدرات العسكرية واقتناء وتطوير وتحسين مستوى كفاءة الأنظمة المستخدمة كأدوات قتالية فعالة أثرت في مجال الصناعة العسكرية عالميا وهي فيما يلي: أولا: تم ظهور منصات إطلاق للطائرات المسيرة مشابهة لمنصات إطلاق الصواريخ الباليستية باستخدام نظام الإقلاع بمساعدة الصواريخ (RATO) من منصة إطلاق متنقلة، وهي عادةً عبارة عن رف مثبت على شاحنة. هكذا تتم عملية الإطلاق والرحلة الأولية: الإطلاق من مركبة: غالبًا ما يتم نشر طائرات بدون طيار من رف متخصص على ظهر شاحنة، والتي يمكن أن تكون عسكرية أو تجارية. الإقلاع بمساعدة الصاروخ: يتم إطلاق الطائرة بدون طيار بزاوية لأعلى، مع وجود معزز صاروخي صغير يوفر الدفع الأولي اللازم لتحقيق سرعة الطيران. تشغيل المحرك: بمجرد أن تصل الطائرة بدون طيار إلى السرعة الجوية اللازمة، يتم التخلص من معزز الصاروخ، ويتولى المحرك التقليدي للطائرة بدون طيار تشغيل الطائرة بدون طيار خلال مهمتها. وتسمح هذه الطريقة بنشر سريع ومرن نسبيًا للطائرات بدون طيار، حيث لا تتطلب مدارج تقليدية للإطلاق. ثانيا: طورت الدولة الروسية طائرة بدون طيار وتُعرف أيضًا باسمها الروسي جيران-3، تُعد هذه الطائرة نسخة أكثر تطورًا وتتميز بمحرك نفاث لزيادة سرعتها ومن خصائصها ما يلي: محرك نفاث، مما يميزه عن الطائرة المسيرة ذات الدفع بالمروحة. المدى: يصل إلى 2500 كيلو متر، على الرغم من أن بعض التقارير تشير إلى مدى أقل بسبب استهلاك الوقود الأعلى من المحرك النفاث. السرعة: تصل إلى 600 كم / ساعة، وهي أسرع بكثير من سابقتها، مما يجعل اعتراضها أكثر صعوبة. الحمولة: تتراوح عادة بين 50 و300 كجم، مع خيارات رأس حربي يبلغ حوالي 50 كجم التفاصيل التشغيلية: تشير التقارير إلى أن روسيا تستخدم نسخة محلية الصنع من الطائرة «جيران-3» في أوكرانيا، في بعض الأحيان إلى جانب طائرات بدون طيار ذات مراوح أبطأ، للتغلب على الدفاعات الجوية. نقاط الضعف: سرعتها تزيد من قدرتها على الاختراق، إلا أن التأثير الحراري للمحرك النفاث يمكن أن يجعلها أكثر عرضة للصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء. ثالثا: برز ظهور تكتيك استخدام مجموعة من الطائرات المسيرة الصغيرة في آن واحد، وذلك بعدما تمكنت كييف من ضرب أهداف عسكرية داخل العمق الروسي باستخدام سرب من الطائرات المسيّرة الصغيرة المصنّعة محلياً في أوكرانيا وتحويل المناطق الآمنة إلى مسرح عمليات مفتوح، وهو ما يُعيد تعريف قواعد الاشتباك مرة أخرى ضد عشرات الطائرات المسيرة في آن واحد، والذي أطلق على العملية القتالية اسم «شبكة العنكبوت»، مستهدفة 4 قواعد جوية عسكرية داخل العمق الروسي. مواصفاتها الفنية: يوجد بها كاميرا بدون إضافة مستشعرات إضافية ما يتيح إمكانية إضافة شحنة متفجرة لها عن بعد يتم توجيهها لا سلكيا بمدى يصل إلى (15) كم ولكنها تصبح عرضة للتشويش وممكن أن توجه باستخدام شبكات الاتصالات المحمول. رابعاً: الاستثمار في أنظمة التجسّس والرادارات وتقنيات الاتصالات ذات الاستخدام المزدوج حيث إن أنظمة الاتصالات أصبحت أداة وقوة عسكرية من خلالها تمكن من مراقبة صناع القرار أو القيام بالاستفادة منها لاغتيالات عسكرية وأنها جزء من خطط الحرب في استغلالها لأساليب الكشف المبكر عن أماكن الرادارات. خامساً: أدت إلى تطوير الحرب الإلكترونية عالميا ظهور وسائل تقنية تؤدي إلى إخماد وتعطيل رادارات الكشف اثناء العمليات الجوية، من الرادارات إلى الحرب السيبرانية: تطورت الحرب الإلكترونية بشكل مستمر منذ تطوير أجهزة الرادار في منتصف القرن العشرين لتشمل استهداف الاتصالات، والبيانات، والبنى التحتية الحيوية. التركيز على الفضاء السيبراني: أصبحت الحرب الإلكترونية تشمل استهداف شبكات الطاقة، والأنظمة المالية، وشبكات الاتصالات، ما يضعها في إطار ما يسمى بالحرب السيبرانية. غياب الحدود الجغرافية: تُشن الهجمات السيبرانية في الفضاء السيبراني، ما يجعل تحديد مصدر الهجوم وموقعه صعبًا، ويوسع نطاق الصراع بعيدًا عن الحدود التقليدية. تحديات الردع والمسؤولية: صعوبة تحديد هوية المهاجم تجعل مفهوم الردع التقليدي غير فعال في بعض الحالات، كما يزيد من صعوبة تحديد المسؤولية عن الهجمات. التأثير المدمر والدقيق: رغم أن الحرب الإلكترونية لا تسبب دمارًا ماديًا واسع النطاق كالحروب التقليدية، إلا أن تأثيرها يمكن أن يكون مدمرًا جدًا من خلال تعطيل الأنظمة الحيوية، ما يسبب اضطرابات واسعة النطاق. سادسا: زيادة الاهتمام والتلويح باستخدام السلاح التكتيكي النووي كسلاح تنظيمي ما أدى الى تغيير العقيدة العسكرية النووية لمواجهة التهديد. سابعاً: الحرب الأوكرانية أظهرت لنا أن مفهوم «حرب المعلومات» يتنامى ويتعقَّد، ويُوظَّف بطريقة غير مسبوقة، هذا المفهوم قد يكون هجوميًّا أو دفاعيًّا، وتندرج تحته الحرب الإلكترونية، وحرب القيادة والسيطرة، وحرب قرصنة المعلومات، وحرب العمليات النفسية، وحرب المعلومات الاقتصادية، وهكذا أصبحت حرب المعلومات متعدّدة المستويات والأهداف والأدوات والمجالات، وتخضع لإستراتيجيات مثلها مثل إستراتيجيات الحرب. «سلسلة الإمداد» ومن خلال ما تم استعراضه في تغير الصراع الروسي والأوكراني في مجال الصناعة فيجب أن ننوه عن أهمية دراسة سلسلة الإمداد التي تحتاجها الصناعات في المصانع العسكرية والتي ستؤثر على امتلاك التقدم التكنولوجي ومن الأسباب الرئيسة المؤثرة على تطوير الصناعات العسكرية هي سلسلة الإمداد والتي لها أثر جانبي على النحو التالي: قد يؤدي استمرار الأزمات إلى نقص أو إغلاق بعض المصانع ويعزو ذلك إلى النقص في وجود المواد الأولية مع توقف خدمات الشحن وتأثرها بشكل كبير، بسبب تعطل التوريد الأساسية مثل أشباه الموصلات والبطاريات وغيرها من المكونات التي تلزم عمليات التصنيع. تأثير حركة الشحن على الصناعات العسكرية ما سوف يؤدي في الغالب إلى ارتفاع أقساط التأمين المطلوبة لشحن البضائع أو نقلها. زيادة تكلفة نقل البضائع وخسائر سلاسل الإمداد والشحن. «الدروس المستفادة» إن ساحة الحرب والمواجهة كانت مليئة بالدروس المستفادة العسكرية التي كان لها أثر على تقنيات الصناعة ومنها: 1. أهمية توطين الصناعة في وقت مبكر تحسباً لقلة سلسلة الإمداد تجنبا لنفادها أو ندرتها أثناء الاستخدام. 2. كسب التحالفات وأهميتها أيضا في بناء القدرات للدولة واستمرارها في الدفاع عن نفسها وكسب خطوط اتصال مفتوحة من عدة اتجاهات. 3. تجنب حرب الاستنزاف لأنه حتما لا يوجد صراع دائم وأهمية قبول التفاوض وتقديم التنازلات. 4. أهمية عدم الوصول إلى طرق تنازلية تجبر على اختيار حلول غير مناسبة ومقبولة. 5. الحروب تتجه إلى التأثير على الموارد الاقتصادية بشكل مباشر للتأثير على أصحاب القرار في ظل استمرارية مدة الحرب. 6. زيادة الإنفاق العسكري وأهمية الموازنة الدفاعية من الناتج المحلي الإجمالي. 7. أهمية التوازن في سباق التسلح حيث إن التركيز بصناعة الطائرات المسيرة أصبح ذو اهتمام كبير لقلة التكاليف وإمكانية التطوير. 8. بناء المصانع العسكرية والتقنية التي تركز على استمرار الجاهزية القتالية مع استمرار وجود الاحتياجات والمتطلبات والطاقة البشرية. 9. الاهتمام بخطوط الصيانة ومجال الطاقة البشرية التي تباشر حالات أعطال المركبات والأنظمة التي تتناسب في طبيعة بيئة المعركة. 10. بناء قاعدة تدريبية مناسبة في مجال الاستفادة من تنظيم قوات الاحتياط 11. التركيز على التخصصات التقنية في بيئة المتغيرات الصناعية. 12. أهمية البنى التحتية التي تهيئ مجالاً للأمن والسلامة من جراء هذه الحروب أو أخذها بعين الاعتبار. 13. أهمية مجال الابتكار وتطوير الأنظمة وقطاع التكنولوجيا. ومع ذلك نجد أن العقيدة العسكرية للحرب الروسية الأوكرانية اتجهت إلى مجالات وتطبيقات متعدده عززت فيها أهمية العلاقات المدنية العسكرية مع الخبراء العسكريين أثناء تنوع المواجهات واستلزمت مشاركتهما بصورة أعم وأشمل مع المجتمع لأن الحروب العسكرية الحالية أصبحت متجددة ومتنوعة بين الدول وتتصل بالعمق على كافة المجالات وليس ما يعرف سابقا خط التماس. كما أن الدروس المستفادة لها دور بالغ الأهمية في إعادة بناء القدرات والاستعداد الجيد والتركيز على نقاط الضعف التي يركز عليها العدو وربما يكون من أهمها إعادة قياس المؤشرات في مجال الاستخبارات لمستوى التسليح غير المعلن للدول.