في أروقة معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث تختلط رائحة الورق بحماس الزوار، وحيث تتحول الكتب إلى جسور بين الثقافات، يلفت الأنظار مشهدٌ آخذ في الاتساع عامًا بعد عام: الحضور النسائي اللافت. نساءٌ من مختلف الأعمار والاختصاصات، كاتبات وناشرات وقارئات، يجتمعن في مساحة واحدة تُشبه الوطن في تنوعه وثرائه، ليؤكدن أن الثقافة السعودية باتت تنبض بصوت المرأة كما لم يحدث من قبل. من خلف أجنحة الدور، ومن أمام منصات التوقيع، يطلّ حضور المرأة بهدوئه وثقله في آنٍ واحد، حضورٌ أنيقٌ يفيض وعيًا وإبداعًا. فهنا دار نشر تديرها نساء شابات، وهناك مؤلفة توقع كتابها الأول، وفي زاوية أخرى مجموعة فتيات يناقشن عملًا أدبيًا. المشهد لا يبدو عابرًا، بل هو تحوّل ثقافي عميق ترسّخ في ظل رؤية المملكة 2030 التي آمنت بأن المرأة ليست رقمًا في الحضور، بل ركنًا في البناء وصوتًا في التغيير. ولعل اللافت هذا العام، أن صوت المرأة لم يقتصر على الكلمة المطبوعة، بل تجاوزه إلى الفعل الثقافي والإداري والتنظيمي؛ فهي الكاتبة والمحاورة، والمديرة والمنسقة، وهي أيضًا القارئة التي تصنع المشهد بتفاعلها ووعيها. وبين الأجنحة التي ازدحمت بالزوار، برزت أسماء نسائية أثبتت أن الثقافة ليست حكرًا على أحد، بل ساحة يتسع فيها الإبداع للجميع، وأن المرأة السعودية اليوم تكتب فصولًا جديدة من قصة الوعي والجمال والتمكين. حضور طاغٍ ومؤثر منذ البدايات أكدت سماح العضيد، رئيس قسم النشر الثقافي في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، أن حضور المرأة السعودية في المشهد الثقافي ليس وليد اليوم، بل يمتد إلى أعوام مضت، واصفة هذا الحضور بأنه "طاغٍ، لطيف، ومثقف". وأشارت إلى أن الإصدارات النسائية في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام "جميلة ومتنوعة"، تعكس وعي المؤلفة السعودية وعمق تجربتها الأدبية والفكرية، مضيفة أن البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض يزخر بأسماء نسائية بارزة، سواء في تقديم الأنشطة أو إدارة جلسات الحوار. وأضافت العضيد أن المرأة السعودية كانت ولا تزال حاضرة في مختلف المجالات، وليس في المجال الثقافي فحسب، معتبرة أن حضورها "راقي وجميل"، وقد أسهمت من خلاله في إثراء المشهد الثقافي الوطني، ونقلت وجهة نظر المرأة في قضايا متعددة، كما عبّرت عن تطلعاتها ومشكلاتها، وأبرزت إمكاناتها ودورها المحوري في تنمية المجتمع والبلاد، مؤكدة أن المرأة أثبتت بالفعل أنها "نصف المجتمع" وشريك أساسي في مسيرة التطور. وأوضحت أن دور المرأة لم يقتصر على تعزيز الهوية الثقافية الوطنية، بل تجاوز ذلك إلى عكس الصورة الذهنية الحقيقية عن المرأة السعودية في الداخل والخارج، من خلال حفاظها على التراث، وتمسكها بالموروث والعادات والتقاليد الأصيلة. وأشارت إلى أن المرأة السعودية حاضرة منذ القدم في مجالات الأدب والثقافة والعلوم، واليوم، بفضل رؤية المملكة 2030، أثبتت نفسها أكثر من أي وقت مضى، بل وتقدمت الصفوف. وختمت حديثها بالقول: "صوت المرأة السعودية كان واضحًا منذ تأسيس المملكة، وها هو اليوم يزداد قوة ووضوحًا بفضل تكاتف الجهود، إذ لم يعد هناك اسم نسائي واحد فقط، بل أسماء متعددة في مختلف المجالات. نحمد الله على ما نعيشه من تطور وقفزات نوعية، ونسأل الله أن تنعم الأجيال القادمة بما ننعم به اليوم من ازدهار ورؤية طموحة. صوت في كل ركن من أركان المعرض أوضحت مهجة محمد، المشاركة في "دريم بوك" بالتعاون مع دار نشر كويتية، أن مشاركتهم في معرض الرياض الدولي للكتاب أصبحت سنوية، مؤكدة أن الإقبال الجماهيري هذا العام "كبير ولافت"، وأن أغلب الزوار من النساء، سواء في أروقة دارهم أو في مختلف أجنحة المعرض. وأضافت أن التعامل مع الزائرات يعكس تنوعًا رائعًا في الأذواق والاختيارات، مشيرة إلى أن هذا التفاعل النسائي المميز "يمنحنا حماسًا كبيرًا، فكل يوم نشعر بأننا نتطور ونكبر أكثر من اليوم الذي سبقه". وأكدت مهجة أن المرأة السعودية أضافت هذا العام لمسة خاصة على المشهد الثقافي، حيث برزت بوعيها واهتمامها بالثقافة والمعرفة. وذكرت أنها زارت إحدى دور النشر الثقافية التي كانت إدارتها بالكامل من النساء، وقالت: "كان النقاش معهن ثريًا جدًا، كله تركيز على الثقافة، وقيادة المرأة، وتطور الفكر النسائي، والمعرض نفسه فعّل هذا الدور بوضوح." وأضافت أن المرأة السعودية اليوم قادرة على أن تلعب دورها في كل مجال، خصوصًا في ظل الدعم الكبير الذي تحظى به من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مشيرة إلى قوله المشهور: "أنا أدعم السعودية، ونصف السعودية من النساء، لذا أنا ادعم النساء" وتابعت قائلة: "هذا الدعم جعلنا نظهر بالصورة التي نراها اليوم، وجعل صوتنا يصل إلى كل مكان. نعم، صوت المرأة السعودية كان موجودًا منذ سنوات، لكنه اليوم بات أعلى وأكثر حضورًا، وصار له صدى حقيقي نسمعه ونفتخر به." وختمت حديثها بقولها: "كل يوم نخطو خطوة أكبر نحو التمكين، ونعيش أثر هذه الرؤية التي آمنت بقدراتنا. المستقبل بإذن الله لنا، ولصوتنا الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي السعودي. ركيزة الإبداع ومحرك التحول الثقافي الوطني أوضح الأستاذ عبدالله الحواس، رئيس مكتبة إثراء، أن المتابع للمشهد الثقافي في المملكة يلاحظ بوضوح النشاط الكبير الذي تقوم به النساء في مختلف المشاركات الثقافية. وقد تجلّى هذا الحضور النسائي اللافت في مركز إثراء من خلال المبادرات المتنوعة التي يقدمها المركز. وأشار الحواس إلى أن ما يقارب نصف المستفيدين من برامج ومبادرات إثراء هم من النساء، وهو ما يعكس الدور المتنامي للمرأة في دعم الحركة الثقافية الوطنية، سواء من خلال مشاركتها الفاعلة أو إقبالها على الاستفادة من هذه المبادرات وأكد الحواس أن المرأة تُعد نصف المجتمع، ودورها أساسي في صياغة المشهد الثقافي وصناعته، من خلال المبادرات والبرامج التي تثبت حضورها وإسهاماتها المستمرة. وضرب مثالًا على ذلك بمتحف "الأفق في أيديهن" الذي يُعد أحد النماذج المتميزة لتمكين المرأة في المجال الفني، حيث يسلّط الضوء على أعمال الفنانات السعوديات والعربيات اللواتي كان لهن أثر واضح في تطوير المشهد الفني والثقافي في المنطقة. وأضاف أن هذا المثال يُجسد الدور الكبير الذي تؤديه المرأة في الإبداع، ويؤكد مكانتها كركيزة أساسية في مسيرة التنمية الثقافية في المملكة. وبطبيعة الحال، وبما أن المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع السعودي، فهي تمتلك القدرة على رسم ملامح المشهد الثقافي من خلال تأثيرها الكبير في مختلف المجالات، سواء عبر تقديم المبادرات الثقافية أو المشاركة في تنفيذها. وأوضح الحواس أن العديد من السعوديات اليوم أصبحن يقدمن منتجات أدبية وثقافية متنوعة تشمل مجالات الفنون، والأدب، والتدريب، مما يعكس عمق حضور المرأة في الفعل الثقافي. وأشار إلى أن زيارة سريعة لمركز إثراء أو حتى لمعرض الرياض الدولي للكتاب كفيلة بأن تبرهن على هذا الواقع، من خلال النتائج الثقافية المتميزة التي تحققها المرأة السعودية في شتى المجالات وبلا شك، فإن المرأة السعودية اليوم صوتها مسموع، وهي جزء رئيسي وأساسي في رسم وصناعة المشهد الثقافي الوطني. فالكثير من المبادرات والمشاريع الثقافية التي ينفذها مركز إثراء تقوم على أيدي زميلات كفؤات يمتلكن خبرات متراكمة وشغفًا كبيرًا إلى جانب شهادات أكاديمية رفيعة، مما مكنهن من إحداث تغيير إيجابي وجذري في المشهد الثقافي السعودي، ودفع عجلة التطور الثقافي نحو آفاق كبيره. فإن الدور الذي تؤديه المرأة السعودية في المشهد الثقافي اليوم يمثل امتدادًا لرؤية المملكة 2030، التي جعلت من تمكين المرأة والمجتمع الثقافي ركيزة أساسية للتنمية. فإبداعها وحضورها في ميادين الأدب والفن والمعرفة يشكلان علامة مضيئة في مسيرة التحول الثقافي الوطني، ويؤكدان أن المرأة السعودية شريك حقيقي في صناعة المستقبل. القلم النسائي أصبح أكثر عمقًا وانتقاءً أشارت الكاتبة هند طارق إلى أن المشهد القرائي في المملكة يشهد تطورًا ملحوظًا من حيث نوعية الكتب واختيارات القرّاء، موضحة أن الإقبال لم يعد عامًا كما في السابق، بل بات أكثر وعيًا وانتقائية، وقالت: "ما شاء الله، نوعية الكتب التي يطلبها ويقرأها الناس تغيّرت كثيرًا، وأصبحت أكثر تحديدًا للأهداف، وهذا يدل على نضج ثقافي جميل." وأضافت أن المشاركات النسائية في المشهد الثقافي السعودي أضفت طابعًا خاصًا على الساحة الفكرية، إذ أصبحت المرأة تنقل من خلال كتاباتها تفاصيل الحياة اليومية في السعودية، ومشاعر الناس، وأفكارهم واختلاف آرائهم بطريقة قريبة من القلب وسهلة الفهم. وتقول: "المرأة تمتلك عذوبة في الأسلوب، والكلمة التي تكتبها بقلمها تصل إلى القلب أسرع، وأنا كعنصر نسائي متحيزة لهذا القلم بكل فخر." وترى هند أن قدرة المرأة على التعبير تتجاوز حدود المشاعر إلى رسم صورة حية للمجتمع السعودي بتنوع مناطقه وثقافاته، موضحة أن لكل منطقة نكهتها الأدبية الخاصة التي تعكس موروثها الثقافي والاجتماعي، وتضيف: "الكاتبة من المنطقة الشرقية تختلف في طرحها عن الكاتبة من الغربية أو الجنوبية، وهذا التنوع الثري هو ما يميز الأدب السعودي اليوم ويجعله أكثر تنوعًا وصدقًا." واختتمت حديثها بتوجيه الشكر والعرفان لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مؤكدة أن ما وصلت إليه المرأة اليوم من حضور وتمكين هو ثمرة دعمه وثقته الكبيرة بقدراتها، وقالت: الشكر الأول والأخير للأمير محمد بن سلمان، فلولا دعمه لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، أصبحت المرأة تقود، وتشارك، وتبرز في العالم بقوة، والحمد لله على هذا التمكين الذي نفتخر به جميعًا. هند طارق مهجة محمد عبدالله الحواس سماح العضيد