الذي يميز التجربة السعودية عن غيرها هو أنها لم تُفرض تحت ضغوط خارجية، بل انطلقت من قناعة داخلية بأن تمكين المرأة هو جزء من استثمار رأس المال البشري، ومن صميم الهوية السعودية المعاصرة. والأهم من ذلك، أن تمكين المرأة جاء متسقًا مع قيمنا الدينية والوطنية، دون تعارض، بل في تناغم جميل بين الأصالة والتحديث.. في ظل الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة في العمل الدبلوماسي؛ لو أردنا استعراض مسيرة تمكين المرأة السعودية منذ قرار تعليم المرأة التاريخي، وليس حتى أعلى نسبة تمثيل برلماني (مجلس الشورى) في العالم، هي طويلة ولا تسعها هذه المساحة الصغيرة للمقال، ما بين المرأة السعودية عضوة بالشورى، ودبلوماسية في وزارة الخارجية، ومشاركةً في سوق العمل والابتعاث والسياسة والإعلام والاقتصاد والتجارة والصحة والتعليم والأبحاث، فضلاً عن الأعداد الكبيرة من النساء السعوديات اللاتي يشغلن مناصب قيادية في الدولة. بالأمس القريب كان يوم الاحتفاء العالمي بالمرأة في العمل الدبلوماسي، والذي يمثل خطوة إيجابية ومهمة تعكس تقديرًا دوليًا متناميًا لدور المرأة في السلك الدبلوماسي. ومع ذلك، لا يمكننا تجاهل أنه اعتراف جاء متأخرًا بدورٍ لطالما قامت به المرأة خلف الكواليس، سواء كمستشارة، أو وسيطة، أو كصاحبة رأي يساهم في اتخاذ القرار، هذا اليوم لا يُكرّم الحاضرات في المشهد الدبلوماسي فحسب، بل هو أيضًا إعادة اعتبار لمن مهّدن الطريق من النساء اللاتي عملن بصمت، وتأكيد على أن المرأة ليست طارئة على هذا المجال، بل جزءٌ أصيل منه. أما حينما يكون الحديث عن المرأة السعودية اليوم، فقد أعادت تشكيل ملامح العمل الدبلوماسي بما تحمله من هوية وطنية، وثقافة عالية، وقدرة على الجمع بين الحزم والمرونة. لم تعد تمثّل حضورًا رمزيًا، بل أصبحت فاعلًا حقيقيًا في ملفات معقدة، ومشارِكة في المفاوضات الدولية، وواجهة مشرفة تعكس صورة المملكة الحديثة. وجودها أضفى بعدًا إنسانيًا وثقافيًا أكثر تنوعًا في الخطاب الدبلوماسي السعودي، وأسهم في تعزيز صورة المملكة على الصعيد العالمي كدولة تؤمن بتمكين المرأة وتمارس ذلك على أرض الواقع. صوت المرأة السعودية اليوم لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية. فصناعة السياسة الخارجية تتطلب تنوعًا في الرؤى، وتعددًا في الخبرات، والمرأة السعودية أثبتت أنها تمتلك الكفاءة والقدرة على الإسهام بفعالية في هذا المجال. تمثيلها في الهيئات الدبلوماسية، وفي المنظمات الإقليمية والدولية، ليس تعزيزًا لمبدأ الشراكة فقط، بل هو استثمار في طاقات وطنية تملك من الذكاء السياسي والحنكة ما يؤهلها لأن تكون صوتًا مؤثرًا في قضايا السلام، والأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان. وفي ظل ما تحقق في المملكة من تمكين للمرأة في المجال الدبلوماسي فهو ليس مجرد تقدم تدريجي، بل هو نقلة نوعية مدروسة جاءت ضمن رؤية طموحة، وضعت تمكين المرأة في صميم التحول الوطني. من تعيين أول سفيرة سعودية، إلى تمثيل المرأة في المنظمات الأممية، ورئاستها لبعثات دبلوماسية في دول محورية، تؤكد المملكة أن المرأة لم تُمنَح دورًا تكميليًا، بل أصبحت شريكًا فاعلًا في صياغة المشهد الدولي للمملكة. الذي يميز التجربة السعودية عن غيرها هو أنها لم تُفرض تحت ضغوط خارجية، بل انطلقت من قناعة داخلية بأن تمكين المرأة هو جزء من استثمار رأس المال البشري، ومن صميم الهوية السعودية المعاصرة. والأهم من ذلك، أن تمكين المرأة جاء متسقًا مع قيمنا الدينية والوطنية، دون تعارض، بل في تناغم جميل بين الأصالة والتحديث. وفي ظل التقلبات الدولية واحتدام الصراعات، يمكن للمرأة بصفة خاصة في العمل الدبلوماسي أن تكون عنصر توازن وصناعة سلام، خاصة ونحن أمام جيل دبلوماسي نسائي قادر على إحداث الفارق. فالمرأة في العمل الدبلوماسي لا تأتي لتكون نسخة مكرّرة، بل لتضيف بُعدًا مختلفًا في معالجة النزاعات وصناعة التفاهم. طبيعتها النفسية، وقدرتها العالية على الإصغاء والتقريب بين وجهات النظر، تمنحها موقعًا فريدًا كعنصر توازن وسط عالم مضطرب. وقد أثبتت التجارب الدولية أن إشراك النساء في مسارات السلام يزيد من فرص الاستقرار واستدامة الحلول. المرأة الدبلوماسية ليست قادرة على التفاوض فقط، بل على إعادة صياغة منطق التفاوض نفسه، بإدخال مفاهيم الإنسانية والوقاية، لا الردع ورد الفعل فقط. أما عن الجيل الحالي، فنحن بالفعل أمام جيل دبلوماسي نسائي صاعد، يمتلك من التأهيل، والثقة، والوعي الجيوسياسي ما يجعله قادرًا ليس على التمثيل فقط، بل على إحداث الفارق في تشكيل السياسات الدولية. جيل يؤمن أن السلام لا يُصنع بالشعارات، بل بالعمل الدؤوب، وبحضور نسائي أصيل، لا هامشي. وأخيراً؛ وفي ظل عالم يتسم بالتقلبات السياسية، وتعدد الأقطاب، وتداخل الملفات الإقليمية والدولية، تحتاج الدبلوماسية عموماً والدبلوماسية النسائية على وجه خاص إلى مجموعة من المهارات الجوهرية والصفات المتكاملة: أولًا، الوعي السياسي العميق: فالدبلوماسية اليوم ليست مجرد نقل رسائل، بل قراءة دقيقة لما بين السطور، واستيعاب ديناميكيات القوة والنفوذ، محليًا ودوليًا. ثانيًا، الذكاء الثقافي والتواصل العابر للحدود: على الدبلوماسية أن تكون قادرة على تمثيل بلدها بفخر، وفي ذات الوقت، بناء جسور ثقة مع الآخر، بلغته وقيمه ومنطقه، دون التفريط في الهوية. ثالثًا، المرونة والقدرة على المناورة الذكية: التحديات اليوم تتطلب دبلوماسية هادئة، تعرف متى تتقدم، ومتى تنتظر، ومتى تخلق الفرص من رحم الأزمات. وأخيرًا، الثبات القيمي والأخلاقي: فالمرأة الدبلوماسية الناجحة ليست من تفوز بالمواقف فقط، بل من تحافظ على توازنها الإنساني والمهني، وتعكس صورة وطنها بصورة مشرفة!