في عامٍ سينمائيٍ حافلٍ بالتجارب الجريئة، وقف ثلاثة من كبار نجوم هوليوود عند مفترقاتٍ مختلفة من مسيرتهم الفنية: ليوناردو دي كابريو في فيلمه الجديد One Battle After Another، ودواين «ذا روك» جونسون في The Smashing Machine، وماثيو ماكونهي في The Lost Bus. ثلاثة أفلام لا يجمعها النوع ولا الجمهور المستهدف، لكنها تلتقي جميعها عند سؤال واحد: كيف يواجه الإنسان ضعفه عندما تسقط عنه هالة البطولة؟ بدأ المشهد من بول توماس أندرسون، المخرج الذي لا يكرر نفسه، والذي أعاد هذا العام التعاون مع دي كابريو في عملٍ وصفته الصحافة بأنه «أكثر أفلامه طموحًا وجرأة منذ Magnolia». في One Battle After Another، يخرج دي كابريو من قوالب البطل المألوف ليؤدي شخصية «بوب فيرغسون»، الثوري الذي صار ظلًا لما كانه ذات يوم. الفيلم لا يُروى بخطٍ زمنيٍ مستقيم، بل يتنقّل بين الحاضر والماضي عبر ذاكرة مثقلة بالهزائم السياسية والخيانات الشخصية. يلاحق فيرغسون ابنته التي اختفت في مدينةٍ تتهاوى تحت عبء العنف والفساد، بينما يتقاطع طريقه مع شخصيات تُذكّره بالماضي الذي حاول نسيانه. لغة أندرسون البصرية صاخبة ومدروسة في الوقت نفسه، تنقل المشاهد من ضوء النهار إلى عتمة النفس، ومن خطاب سياسي إلى لحظة إنسانية صافية. أما دي كابريو، فيقدّم أداءً يذكّر بفيلمه The Revenant، لكن بجرعةٍ أكبر من الوعي والسخرية. هو هنا رجل تائه بين ما يراه حقًّا وما تبقّى له من قدرة على الإصلاح، وقد وُصف أداؤه بأنه «مزيج من الغضب والفكاهة والانكسار»، فيما حصد الفيلم أعلى تقييم نقدي لعام 2025 على موقع Metacritic. في الضفة الأخرى، كان دواين جونسون يخوض معركته الخاصة ضد صورته السينمائية التي التصقت به طيلة عقدين. في The Smashing Machine، الذي أخرجه بيني صافي وأنتجته شركة A24، يتخلّى «ذا روك» عن جلده الصلب وابتسامته الثابتة ليتقمّص شخصية المقاتل الحقيقي مارك كير، أحد أساطير رياضة ال MMA في التسعينيات، الذي سقط ضحية الإدمان والاضطراب النفسي. الفيلم يختزل رحلة نجمٍ صعد سريعًا ثم انهار تحت وطأة جسده ذاته، إذ تحوّلت القوة التي مجّدها الناس إلى لعنةٍ أنهكته. يقدّم جونسون أداءً غير مسبوق في مسيرته، يقترب من الهشاشة أكثر من البطولة، محاولًا ترويض طاقته الجسدية في مساحةٍ دراميةٍ ضيقة ومؤلمة. استخدم المخرج لقطات 16 مم ولقطات VHS ليمنح العمل ملمسًا خشنًا يوازي الحالة الذهنية للشخصية. المشاهد تلتقط تفاصيل التعرّق والارتجاف، كأن الكاميرا لا تكتفي بتصوير القتال، بل تُحاول أن تُعيد للوجع صداه. ورغم أن الفيلم لم يحقق نجاحًا تجاريًا، فقد لقي تقديرًا نقديًا لأداء بطله الذي وصف بأنه «الأصدق في مسيرة نجمٍ تعلّم أن يكون إنسانًا قبل أن يكون بطلًا». أما ماثيو ماكونهي، فقد عاد بدوره إلى نوعٍ يعرفه جيدًا: دراما الإنسان في مواجهة الطبيعة، كما فعل في Interstellar قبل سنوات. فيلمه الجديد The Lost Bus من إخراج بول غريغراس، يستند إلى قصة حقيقية عن معلمةٍ وسائق حافلةٍ يحاولان إنقاذ مجموعة أطفال من حرائقٍ هائلة تجتاح كاليفورنيا. لكن الفيلم لا يقدّم الكارثة كمشهد بصري ضخم، بل كرحلةٍ داخلية نحو الإيمان والصمود. يجسّد ماكونهي شخصية السائق «كيفن مكاي» بروحٍ هادئة، وكأنه يسير على حافة الانهيار دون أن يتوقف عن القيادة. يواجه النيران كما يواجه خوفه، بينما يلتقط غريغراس الحدث بكاميراٍ محمولةٍ تلهث مع الأنفاس وتلتقط التفاصيل الصغيرة: وجه طفلٍ يلتصق بزجاج الحافلة، يد ترتجف، أو انعكاس اللهب على العيون. الفيلم لا يُعنى بالبطل الخارق بل بالإنسان العادي الذي يجد شجاعته وسط الفوضى. وبينما احتفى النقاد بالصدق العاطفي لأداء ماكونهي، انقسمت الآراء حول البناء الدرامي الذي بدا أحيانًا متأثرًا بالمؤثرات البصرية أكثر من الحوار. ومع ذلك، ظل الفيلم علامة على استمرار ماكونهي في تقديم أدوارٍ تعتمد على الحس الإنساني لا على الصيغة التجارية. ثلاثة أفلام، وثلاث تجارب متباينة، تشترك في فكرة واحدة: التحوّل. دي كابريو يُفكك معنى الثورة في زمنٍ لم يعد يصدق الشعارات، ذا روك يُعيد اكتشاف نفسه خلف الأقنعة الحديدية، وماكونهي يُذكّر بأن البطولة ليست صراخًا ولا عضلات، بل لحظة قرارٍ بين البقاء والفناء. عام 2025 لم يكن عامًا للأبطال في هوليوود بقدر ما كان عامًا للإنسان خلف الأبطال، من الثورة إلى السقوط إلى النجاة، صنع هؤلاء الثلاثة فيلمًا جماعيًا غير مقصود عن هشاشة القوة، وعن السينما حين تقترب أكثر من الحقيقة. ماثيو ماكونهي ليوناردو ديكابريو