على مدار الأشهر الأخيرة شهدت الاسواق تصاعدًا قوياً في أسعار الفضة، ليس فقط باعتبارها ملاذًا آمنًا إلى جانب الذهب، بل أيضًا نتيجة لركائز أساسية في جانب العرض والطلب الصناعي. ففي مطلع أكتوبر 2025 تتداول الفضة قرب مستويات تتراوح حول 48.65 دولارًا للأونصة في بيانات السوق الفورية، بينما تُظهر صناديق مثل iShares SLV قيمة صافية للأصول (NAV) أقل بنحو عدة دولارات — كانعكاس لفروقات توقيت التسعير والسيولة بين السوق الفوري وصناديق ETF . ووفقاً لرانيا جول كبير محللي الأسواق في XS.com .. فأن الدافعان الرئيسيان اللذان أرسيا قواعد الارتفاع الأخير هما: موجة مطالبات الملاذ الآمن بسبب عدم اليقين السياسي والمالي العالمي، وزيادة الطلب الصناعي على الفضة، خاصة في قطاعات الطاقة الشمسية والإلكترونيات والمركبات الكهربائية. وعلى الجانب الأول، أحداث سياسية اقتصادية مثل ضغوط حكومية في الولاياتالمتحدة وتقلبات العملة (هبوط الين مثلاً) عززت الطلب على المعادن الثمينة كحماية مؤقتة من المخاطر، وهو ما انعكس في تحركات الأسعار خلال أوائل أكتوبر 2025. أما من منظور العرض والطلب، فالسوق يمر بضغط حقيقي: بيانات وتقارير هذا العام تُشير إلى قفزة كبيرة في استهلاك الفضة الصناعي، مع عجز متكرر في الإمداد الذي أثر على المخزونات المسجلة لدى بورصات التسليم. وانخفاض المخزون المودع لدى المراكز المخصصة للتسليم يعطى زخمًا سعريًا إضافيًا لأن أي نقص فوري قد يضغط على الأسعار الفورية أقوى من العقود الآجلة ذات السيولة الأعلى. وهذا الواقع في السوق الفعلية مدعوم بتقارير تحليلية توضح تراجع المعروض بالنسبة للطلب الصناعي المتنامي خلال 2025. ومن المنظور الأساسي، فأن الفضة تدخل مرحلة محورية تتحدد فيها المسارات المستقبلية بناءً على توازن القوى بين العرض الصناعي والطلب المالي والسيولة العالمية. فالسوق في 2025 يعاني من عجز بنيوي متكرر؛ وفقاً لتقرير World Silver Survey 2025 فإن السوق من المتوقع أن يشهد عجزًا آخر هذا العام، مما يعني أن العرض الكلي (من المناجم وإعادة التدوير) لا يغطي الطلب الفعلي، خاصة في الاستخدامات الصناعية. وهذا العجز المتكرر يُعطينا دفعة أساسية صعودية متواصلة، لأن الفضة—باعتبارها معدنًا يُستخرج غالبًا كمُرافق في مناجم أخرى—لا تحفّز الإنتاج بسهولة بمجرد ارتفاع السعر كما يحدث في بعض السلع الأخرى. وفي الوقت ذاته، الطلب الصناعي على الفضة يشكل نقطة قوة لا يستهان بها. فالفضة تدخل في صناعات الطاقة الشمسية والإلكترونيات والكهروضوئيات بشكل متزايد، مما يجعلها ليست فقط معدنًا للادخار أو المضاربة، بل عنصرًا لا غنى عنه في البنى التحتية للتطور التكنولوجي. هذا الطلب الصناعي المتصاعد، في ظل ضعف القدرة على زيادة الإنتاج بسرعة، يعزز من الدافع نحو ارتفاع الأسعار، فهو عامل أساسي يدعم التصاعد بعيدًا عن الضغوط المالية أو المضاربية. أما على الجانب المالي والنقدي، فالسلوك العالمي نحو التسييل وتدفقات الملاذات الآمنة يُشكّل رافعة إضافية لأسعار الفضة. مع التوترات الجيوسياسية وتقلبات العملات، والمستثمرون يبتعدون عن الأصول ذات المخاطر، مما يدعم المعادن الثمينة، والفضة تستفيد من هذا التوجه خصوصاً كلما زاد التشديد أو حالة عدم اليقين. ولكن هذا الجانب قد يكون قابلًا للتقلب إذا قررت البنوك المركزية اتخاذ خطوات مفاجئة في تحفيز أو في إشارات التشديد. ومن هذه الموازين الأساسية، فأنه على المدى القصير (عدة أشهر) سيستمر الاتجاه الصاعد المدعوم بالعجز الصناعي والسيولة، وقد نشهد اختراق مستويات حوالي 50 إلى 55 دولارًا للأونصة إذا لم تحدث صدمات معاكسة كارتفاع مفاجئ لأسعار الفائدة أو قوة كبيرة للدولار. وهذا النطاق أراه كمستوى أولي للتحدي لأن السوق سيختبره غالبًا. وعلى المدى المتوسط (6–12 شهرًا)، إذا استمرت العوامل الأساسية في الضغط (العجز، نمو الصناعات الخضراء، التوسع في الطاقة الشمسية) بالإضافة إلى استمرار طلب الملاذ الآمن، فإن الفضة قد تتجه إلى نطاق 57 إلى 60 دولارًا في سيناريو معتدل متفائل. لكن في حال انعطاف المضاربات أو تشديد غير متوقع في السياسة النقدية، قد تقود الضغوط العكسية السعر نحو منطقة 40–30 دولارًا مؤقتًا، إن لم يكن هناك دعم مضاد قوي من الصناعات أو السيولة. وعلى المدى الطويل (سنة إلى عدة سنوات) فأن الفضة لديها قصة أساسية قوية بفضل التكنولوجيا الخضراء والرقمنة وتحول الطاقة، مما قد يدفعها إلى مستويات تاريخية جديدة إذا استمرت العوامل الداعمة.