تناولت وكالة الأنباء الليبية (وال) في نشرتها الاقتصادية، ضمن ملف النشرات الاقتصادية لاتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، التحولات العميقة التي يشهدها الاقتصاد الليبي في مختلف القطاعات، وانعكاساتها على معدلات النمو والتوجه نحو تحقيق انتعاش اقتصادي مستدام. وسلّطت النشرة الضوء على ما تشهده مدينة بنغازي من مشروعات تنموية وحركة إعمار واسعة، إلى جانب النمو الثقافي والرياضي، والجهود المبذولة لإعادة تأهيل البنية التحتية في الموانئ والمطارات، كما تناولت ما تشهده مدينة درنة من عمليات إعادة تأهيل للمؤسسات التعليمية والصحية، وإصلاح للبنى التحتية الأساسية. وتطرقت النشرة إلى برامج الإعمار في شرق ليبيا، وإلى مؤشرات الاستقرار الاقتصادي، فضلًا عن مشروع الدوائر الزراعية في وادي الشاطئ والمنطقة الحرة في سرت، كما أشارت إلى الاكتشاف التجاري في حوض غدامس، وإلى التطورات ذات الصلة بالقطاع المصرفي. فقد شهد الاقتصاد الليبي في عام 2025 تحولات عميقة مسّت مختلف القطاعات: من الإصلاحات المصرفية والمالية، مرورًا بمشروعات التنمية الزراعية والمناطق الحرة، وصولًا إلى إعادة صياغة موقع ليبيا في خريطة التجارة الإقليمية والدولية. ورغم التحديات، فقد برزت مؤشرات نمو واعدة، ورؤى إصلاحية تمثّل بارقة أمل في طريق شاق نحو الانتعاش الاقتصادي المستدام، وفي هذا السياق أعلن صندوق النقد العربي عن توقعاته بأن يسجل الاقتصاد الليبي نموًا قياسيًا يبلغ (14.3%) خلال عام 2025، ليكون الأعلى بين الاقتصادات العربية من حيث وتيرة النمو، قبل أن يتباطأ إلى (5.9%) في عام 2026. وفي المقابل، شهدت البلاد استقرارًا نسبيًا في معدلات التضخم، التي بلغت (2.4%) عام 2023 وتراجعت إلى (2.1%) عام 2024، مدعومة بثبات سعر صرف الدينار أمام الدولار. بنغازي.. المدينة التي نهضت من الركام بعد الحرب على الإرهاب شهدت بنغازي ودرنة في السنة الأخيرة مراحل متسارعة من إعادة الإعمار والتنمية بفضل مشاريع نفذها صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بالتعاون مع الجهاز الوطني للتنمية، ما أعاد شرايين المدينة ومرافقها الحيوية للحياة، ومنح الأهالي بصيص أمل جديد نحو الاستقرار والنمو. وبدأت معالم التعافي تظهر تدريجيًا في شوارع بنغازي الرئيسة وبين أزقتها، حيث شمل برنامج إعادة الإعمار إصلاح وفتح طرق رئيسة وطرق فرعية ربطت الأحياء ببعضها، وتجديد شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، فضلًا عن إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات، وأُعيد افتتاح عدد من المراكز الحكومية ومباني المؤسسات الخدمية؛ لتُقدم الخدمات للمواطنين بصورة طبيعية أكثر مما كانت عليه خلال السنوات الماضية. وعلى صعيد الرياضة والثقافة، شهدت المدينة افتتاح ملاعب رياضية جديدة وتجديد ملاعب قديمة تأهلت لاستقبال البطولات المدرسية والمحلية والدولية، وهو ما سهل عودة الأنشطة الشبابية والرياضية، وأعاد للمدينة نشاطها الاجتماعي، بحسب ما ظهر من حركة الملاعب ومراكز الشباب منذ افتتاحها، كما تضمّن البرنامج ترميم وصيانة مرافق ثقافية ومكتبات عامة تُعدّ حاضنة للفعاليات المجتمعية والتعليمية. وفي الموانئ والمطارات، ركزت الجهود على إعادة تأهيل البنى التحتية لنقل البضائع والركاب؛ بهدف تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية، وشملت المشروعات تطوير صالات وممرات في المطارات وتحسين أرصفة ومرافق في الموانئ لتسهيل العمليات اللوجستية المحلية والإقليمية، ما عزز قدرة المدينة على استقبال السلع والخدمات ودعم التجارة المحلية والدولية من خلال الانفتاح على العالم. وشهدت درنة -التي تحمل أيضًا آثار مراحل صعبة بعد إعصار مدمر- مشروعات مماثلة شملت إعادة فتح طرق حيوية، وإعادة تأهيل مؤسسات تعليمية وصحية، وإصلاح بنى تحتية أساسية، والتركيز على تأهيل البنية الأساسية في المدينة، وتسهيل عودة الأهالي إلى نشاطاتهم الاقتصادية والزراعية والصيديّة المحلية. وتضمنت المشروعات برامج توظيف محلي وتدريب للمقاولين والعمال في مواقع البناء والترميم، ما أسهم في إيجاد فرص عمل مؤقتة وطويلة الأمد ونقل مهارات فنية مهمة لسوق العمل المحلي، كما رافقت بعض المشروعات مبادرات اجتماعية تستهدف دعم الفئات الضعيفة وتسريع عملية التعافي المجتمعي. وظهر أثر هذه الجهود في الحياة اليومية، إذ أصبحت حركة سير أكثر انتظامًا، وعادت الطلائع التجارية إلى الأسواق، وامتلأت الملاعب والمراكز الثقافية بأنشطة الأطفال والشباب، وفي المقابل، لا تزال تحديات قائمة من الحاجة لتمويلات إضافية واستدامة الصيانة إلى ضرورة تنسيق أوسع بين الجهات الحكومية والمحلية والقطاع الخاص لضمان استمرارية النتائج وتوسيع نطاقها إلى بقية المناطق المتأثرة. الإعمار في شرق ليبيا.. رافعة للتنمية والاستقرار الاقتصادي في تحول آخر، شهدت مناطق شرق ليبيا خلال السنوات الأخيرة جهودًا مكثفة في الإعمار والتنمية بعد فترة طويلة من الاضطرابات ومحاربة القوات المسلحة للإرهاب، حيث ركزت هذه الجهود على إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية كالطرق والجسور وشبكات المياه والكهرباء، إضافة إلى تطوير القطاع الصحي من خلال إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية. كما عُمل على دعم القطاع التعليمي بإعادة تجهيز المدارس والجامعات، إلى جانب تطوير المنشآت الصناعية خاصة في مجالات النفط والغاز التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الليبي. ويؤدي الإعمار في شرق ليبيا دورًا محوريًا في تعزيز الاقتصاد الوطني عبر ضمان استمرارية الإنتاج النفطي وزيادة عائداته، إلى جانب توفير فرص عمل للسكان المحليين مما يقلل من البطالة ويعزز الاستقرار الاجتماعي. كما يسهم تحسن البنية التحتية في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ويدعم تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط فقط، كما يساعد في تنمية القطاع الخاص. ورغم التقدم، تواجه مشروعات الإعمار بعض التحديات مثل: نقص التمويل، والحاجة إلى تنسيق أفضل بين الجهات المعنية، لكن مع استمرار الدعم السياسي والمالي، من المتوقع أن تسهم جهود الإعمار في شرق ليبيا بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة، مما ينعكس إيجابيًا على الاستقرار العام في البلاد. وفي سياق ذي صلة أطلق الجهاز الوطني للتنمية مشروع الدوائر الزراعية ضمن خطة تطوير مشروع الدبوات الزراعي في وادي الشاطئ جنوب غرب ليبيا. ويمتد المشروع على مساحة (4900) هكتار موزعة على (12) دائرة زراعية لزراعة القمح والشعير والبرسيم، مع خطط لرفع العدد إلى (500) دائرة بنهاية 2025 وصولًا إلى ألف دائرة بحلول 2030. ولا يقتصر الهدف من المشروع على الأمن الغذائي فحسب، بل يشمل إيجاد فرص عمل، وتحريك قطاعات النقل والتوزيع، مما يسهم في تنويع الاقتصاد وتخفيف الاعتماد على النفط. وضمن إطار رؤية ليبيا 2030، أُعيد تفعيل مشروع المنطقة الحرة في سرت باستثمار تصل قيمته إلى ملياري دولار. ويتضمن المشروع الذي يمتد على مساحة (214) هكتارًا ثلاث مراحل رئيسة لتطوير ميناء سرت: الأولى تشغيل الميناء الحالي، والمرحلة الثانية رصف الأرصفة الجنوبية والشرقية، والثالثة تعميق البحار إلى (25)م لاستقبال السفن العملاقة. وسيحّول هذا التطوير سرت إلى مركز إقليمي للشحن والتوزيع، ويوفر أكثر من (2000) وظيفة مباشرة ونحو (4000) وظيفة غير مباشرة في الخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد. سحب فئتي 5 و20 دينارًا من التداول في خطوة لفرض ضبط نقدي أكبر، أعلن مصرف ليبيا المركزي سحب فئتي (5 و20 ) دينارًا من التداول مع نهاية سبتمبر 2025، فيما طالبت المصارف بتوعية المواطنين بآليات السحب وتواريخها، لضمان سلاسة العملية. وتهدف الخطوة إلى مكافحة التداول غير المنضبط، والتقليل من التعامل بالفئات التالفة أو المزوّرة، وتعزيز الثقة بالعملة الوطنية. وكشف العام 2025 عن معادلة دقيقة يعيشها الاقتصاد الليبي: فرص واعدة لنمو قوي مدعوم بقطاع النفط، وبوادر إصلاح مصرفي وزراعي ولوجستي، تقابلها تحديات عميقة مرتبطة بعدم الاستقرار السياسي وضعف البنية المؤسسية. وتشكل كل من: (المنطقة الحرة في سرت، والزراعة المحورية في وادي الشاطئ، وتحديث مصفاة الزاوية، والمشروعات الرقمية في مصرف ليبيا المركزي)، مؤشرات لتحولات قادمة، لكن تحويل هذه المبادرات إلى تنمية مستدامة سيبقى رهينًا بتكامل الإصلاحات، وإرساء بيئة سياسية مستقرة، وتوحيد الرؤية الاقتصادية على المستوى الوطني. وفي سياق يعزّز مكانة ليبيا بصفتها أحد أهم المنتجين في شمال أفريقيا، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط عن اكتشاف تجاري في حوض غدامس حققته شركة سوناطراك الجزائرية. ويُتوقع أن يصل إنتاج الاكتشاف الجديد إلى (4200) برميل يوميًا، في وقت تؤكّد فيه المؤسسة الوطنية أن إنتاج البلاد الإجمالي تجاوز حاجز (1.3) مليون برميل يوميًا. وفي سياق آخر، أطلق مصرف ليبيا المركزي مشروعًا طموحًا بعنوان "راتبك لحظي"، بعد استلامه بيانات (2.2) مليون مواطن من وزارة المالية، بينهم (1.2) مليون أُحيلت بياناتهم المصرفية بشكل رسمي. وتخدم المنظومة الجديدة نحو (950) ألف موظف، حيث تتيح لهم استلام مرتباتهم بشكل مباشر وسريع دون وسيط، مع إمكانية التحقق الفوري عبر تطبيق إلكتروني خاص. ومن مميزات المنظومة الجديدة، التحويل المباشر للرواتب دون وسطاء، وتعزيز الشفافية المالية وإمكانية المتابعة اللحظية، والتخلص من الإجراءات الورقية التقليدية، والمراجعة الفورية لكل عملية تحويل، وتقليل فرص التأخير في الصرف، ويمثل هذا النظام نقلة نوعية في التحول الرقمي للمصرف المركزي، ويُعد خطوة نحو تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية، وفق المصرف المركزي. مشروعات متنوعة