المؤشرات الاقتصادية الليبية على قلتها لا توحي بتأثيرات سلبية كبيرة للحصار الدولي المفروض على ليبيا، والاصح ان ليبيا استطاعت تحقيق نمو لافت، قدرته "المؤسسة العربية المصرفية" ب3 في المئة بالاسعار الجارية العام الماضي، فيما من المقدر ان يرتفع في نهاية العام المالي الحالي الى 3.5 - 4 في المئة، وهو رقم يتجاوز مستويات النمو في الكثير من دول الشرق الاوسط التي لا تعاني من ظروف خاصة، على غرار ما تعاني منه ليبيا منذ سنوات. ومن المؤشرات الى استمرار دوران عجلة النمو الاقتصادية، مواصلة الحكومة الليبية تنفيذ خطط تطوير البنية التحتية خصوصاً في مجالات الكهرباء والمياه والاتصالات. وتقول معلومات متطابقة ان حجم مشاريع توسعة شبكة الهاتف التي تم تنفيذها العام الماضي وصل الى 107 آلاف خط الكتروني حديث، تركز معظمها في المدن الرئيسية. الى جانب اطلاق مشروع شبكة الهاتف النقال بطاقة 26 ألف خط للمرحلة الاولى، قابلة للزيادة وفق نمو الطلب في السنوات المقبلة. اما في مجال الكهرباء، فقد اطلقت الحكومة الليبية مجموعة مشاريع جديدة لتوليد الطاقة وتحسين كفاءة شبكة النقل، بما يغطي جميع المناطق الريفية، الى جانب المباشرة بتنفيذ مشاريع الربط الكهربائي في اطار الشبكة العربية المغاربية، عن طريق مصر. وفي السياق نفسه باشرت الحكومة الليبية توزيع شهادات الانتفاع من مياه "النهر الصناعي العظيم" وشملت المرحلة الاولى منها افادة الف اسرة مقيمة في المنطقة الممتدة من بنغازي حتى النوفلية لتوفير احتياجاتها من مياه الشرب والري. وتقول معلومات غير رسمية ان طرابلس باشرت اجراءات سريعة لحل المشاكل التي يعاني منها المزارعون خصوصاً لجهة توفير احتياجاتهم من اليد العاملة ومياه الري والاسمدة، الى توفير القروض الميسرة لاقامة المصانع الغذائية التي تضمن تصريف كامل الانتاج الزراعي. كما شملت الاجراءات التي بدأت تطبيقها مساعدة مربي الاغنام والابقار والدواجن، عن طريق دعم اسعار الاعلاف والادوية، الى جانب التركيز على تحسين كفاءة مناطق الرعي، واعادة تشغيل مراكز الصحة البيطرية. الى ذلك أبدى المسؤولون الليبيون اهتماماً بمعالجة نقص العمالة في المصانع والمزارع، وتشجيع المواطنين على الاستقرار في مناطقهم للحد من التدفق السكاني الى المدن. ويقول بعض التقديرات ان 7 مصانع جديدة رأت النور في الاشهر الماضية. اما في القطاع النفطي الذي يمثل حجر الاساس للاقتصاد الليبي والمصدر الرئيسي للايرادات الحكومية، بواقع 8.993 مليارات دولار، اي ما يمثل 96.7 في المئة من اجمالي الايرادات العامة، فقد شهدت ليبيا في الفترة الماضية اطلاق مشاريع جديدة، ابرزها انتاج خط انابيب الغاز الذي يربط حقول "ابي الطفل" بخط النقل الرئيسي على الساحل والذي يوفر احتياجات المصانع الممتدة من مدينة البريقه حتى منطقة الخمس. كما شهدت ليبيا المباشرة بتشغيل الحقول الجديدة في خليج سرت بالتعاون مع شركة "جيب" الايطالية، الى جانب الاكتشافات التي حققتها شركة أوروبية وكندية اخرى في البلاد. وتشير الارقام التي اعدتها جهات ليبية رسمية، الى ان ليبيا استقبلت استثمارات اجنبية جديدة العام الماضي، بما يصل الى حوالي 135 مليون دولار، وهو رقم قريب من الارقام التي تحققت في السنوات السابقة، في مؤشر يعكس محدودية تأثر الشركات الاجنبية بالحصار الدولي المفروض على البلاد. وفي سياق المؤشرات الايجابية ايضاً، زادت الودائع في المصارف الى 5.423 مليار دينار، بما نسبته 11.9 في المئة عما كانت عليه في العام 1994، فيما ارتفعت نسبة القروض والتسهيلات التي منحتها المصارف الى 63.5 من اجمالي الودائع لديها، وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع ما هي عليه في الدول الاخرى. اما بالنسبة الى المؤشرات الخاصة بميزان المدفوعات، فقد اظهرت الارقام ارتفاع فائض الميزان التجاري الى ملياري دولار، بزيادة نسبتها 35 في المئة في خلال سنة، بسبب ارتفاع اسعار النفط وتراجع وتيرة الاستيراد، فيما تحول العجز الذي تحقق على صعيد ميزان المدفوعات وبلغ 325 مليون دولار في العام 1994، الى فائض وصل العام الماضي الى 450 مليوناً. ومع ذلك فإن تحقيق بعض المؤشرات الايجابية على صعيد مالية الدولة وميزان المدفوعات والميزان التجاري، والتوسع في تحقيق اكتشافات نفطية جديدة، الى جانب مشاريع تطوير الخدمات الاساسية، لم يمنع استمرار المأزق الاجتماعي وتدهور اسعار الدينار، وازدهار السوق السوداء والنقص الحاصل على صعيد بعض السلع والخدمات. وتشير المعلومات المتوافرة الى ان التضخم حقق العام الماضي مستويات قياسية متجاوزاً سقف 20 في المئة. ويفسر الخبراء نمو التضخم باستمرار اعتماد الحكومة على الاموال التي تقترضها من المصارف بفوائد مرتفعة، ثم عجز الانتاج المحلي عن توفير الحد الادنى من الطلب على السلع الاستهلاكية والسلع المعمرة، والتعقيدات التي تسيطر على اداء مؤسسات التجارة الداخلية وتوجه الغالبية الكبرى من المستهلكين الى السوق السوداء لتأمين احتياجاتها. وفشلت الاجراءات التي يطبقها البنك المركزي للحد من تراجع سعر صرف الدينار تجاه العملات الاخرى، في تحقيق الحد الادنى من اهدافها، اذ استمر هذا التراجع في السوق الموازية على رغم الاعلانات المتكررة عن عزم الحكومة على ملاحقة تجار السوق السوداء، اضافة الى تفاقم مشكلة هروب العمالة الاجنبية من البلاد نتيجة عجزها عن تحويل مدخراتها الى الخارج بالتحويل عبر القنوات الرسمية. والاعتقاد السائد هو ان ارتفاع حجم اكلاف الدين، وارتفاع فاتورة استيراد السلع والخدمات من العوامل الرئيسية لتدني مقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، سواء تجاه الافراد، ام تجاه الشركات التي تقوم بتنفيذ عقود حكومية لمصلحة بعض المؤسسات. ويطبق البنك المركزي برنامجاً للأولويات في مجال استخدام ايرادات النقد الاجنبي يشتمل على تغطية الواردات من السلع والخدمات وقطع الغيار، ثم تمويل المشاريع الاساسية، وسداد الالتزامات المتأخرة.