حلّ الأول من أكتوبر هذا العام، وحمل معه الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، مناسبة تحتفي بها الصين بإنجازاتها المتراكمة وبخطواتها الثابتة نحو موقع متقدّم في المشهد الدولي، اليوم الوطني الصيني ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو محطة تأمل في رحلة طويلة بدأت عام 1949، وانتقلت بالصين من دولة نامية تواجه تحديات بناء الداخل إلى قوة اقتصادية وصناعية عالمية. في كل عام، تحرص بكين على إظهار ما حققته من نجاحات في التنمية والتكنولوجيا والبنية التحتية، ليبقى هذا اليوم رمزاً للفخر الوطني ورسالة تؤكد للعالم مكانة الصين المتنامية. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، تمثل هذه الذكرى فرصة لاستحضار عمق العلاقات التي ربطت بلدينا خلال العقود الماضية، فمنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الرياضوبكين عام 1990، أخذ التعاون بين الطرفين في الاتساع ليصبح أحد أهم محاور السياسة الخارجية والاقتصادية في المنطقة، وما يميز هذا التعاون أنه لم يتوقف عند حدود الطاقة أو التبادل التجاري، بل تجاوزها إلى شراكات استراتيجية في مجالات شتى، من التكنولوجيا الحديثة إلى الثقافة والتعليم والاستثمار. في السنوات الأخيرة، برزت العلاقة السعودية - الصينية كواحدة من أكثر الشراكات حيوية على الساحة الدولية، السعودية التي تخطو بثبات نحو تحقيق رؤيتها الطموحة 2030 تحت قيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجدت في الصين شريكاً موثوقاً وقادراً على الإسهام في مشاريع التحول الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل. ومن جانبها، ترى بكين في المملكة شريكاً استراتيجياً ليس كمصدر للطاقة فقط، بل كدولة ذات ثقل إقليمي وموقع جغرافي محوري يتقاطع مع مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين لتوسيع شبكة التعاون العالمي. ولعل أبرز ما يعكس هذا التقارب هو ما نشهده من تنامٍ ملحوظ في حجم التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة، خصوصاً في القطاعات غير النفطية، الصين اليوم حاضرة في مشاريع البنية التحتية الكبرى في المملكة، ومهتمة بالمشاركة في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء والذكاء الاصطناعي، بما يتناغم مع التوجه السعودي نحو الاستدامة. وعلى الجانب الآخر، تتدفق المنتجات الصينية إلى الأسواق السعودية، بينما يجد المستثمرون السعوديون في الصين فرصاً رحبة في قطاعات الصناعة والتقنية والابتكار. لكن العلاقة بين البلدين لا تقتصر على الاقتصاد فحسب، فالتقارب الثقافي يزداد وضوحاً، تعليم اللغة الصينية في الجامعات والمدارس السعودية، والبرامج التبادلية بين الطلبة، والزيارات السياحية الثنائية، والفعاليات المشتركة في الفنون والآداب، جميعها تجسد إدراك الطرفين لأهمية بناء جسور التواصل بين الشعوب، مثل هذه المبادرات تعزز الفهم المتبادل وتدعم العلاقات الرسمية بأبعاد إنسانية وثقافية أعمق. ومما يجدر بالذكر أن العلاقات السعودية - الصينية تكتسب زخماً متزايداً أيضاً على صعيد التعاون الدولي، حيث يتبادل البلدان الرؤى حول قضايا التنمية والاستقرار العالمي، ويحرصان على التنسيق في المحافل الدولية بما يخدم مصالحهما المشتركة، هذا التناغم يعكس وعياً بأن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من التعددية في العلاقات، وأن التفاهم بين القوى الصاعدة والفاعلة إقليمياً سيكون له أثر كبير في رسم مستقبل الاقتصاد والسياسة الدوليين. إن الاحتفال باليوم الوطني الصيني ال76، بالنسبة لنا في المملكة، ليس مجرد تهنئة نوجّهها إلى بلد صديق، بل هو أيضاً مناسبة للتفكير في المسار الطويل الذي قطعته العلاقات الثنائية، وما يمكن أن تحمله السنوات المقبلة من إنجازات. فالصداقة بين الرياضوبكين لم تعد خياراً ظرفياً، بل باتت جزءاً من رؤية استراتيجية تُدرك أن التكامل والتعاون هما السبيل الأمثل لمواجهة تحديات العصر وصناعة المستقبل. *كاتب وباحث في الشؤون الصينية