فيلم «معركة تلو الأخرى» انطلق في الولاياتالمتحدة وسط ترقب كبير من النقاد والجمهور، فهو يجمع بين اسم ليوناردو دي كابريو وإخراج بول توماس أندرسون، وهو ما جعل الجمهور يتوقع عملًا استثنائيًا في مضمونه وأرقامه. لكن مع العرض الأول، بدت الصورة أكثر توازنًا بين النجاح النقدي والإقبال التجاري. ففي اليوم الأول من طرحه حقق الفيلم نحو 8.8 ملايين دولار، ومع عطلة نهاية الأسبوع الافتتاحية وصل المجموع إلى ما يقارب 21 مليون دولار. هذه الأرقام تعكس انطلاقة جيدة لكنها ليست ضخمة بالمعايير الأميركية، خاصة لفيلم تكلف إنتاجه أكثر من 130 مليون دولار، وربما يصل إلى 175 مليونًا مع تكاليف التسويق. الجمهور الأميركي تفاعل مع الفيلم من زاوية فكرية أكثر منها ترفيهية، فالقصة التي تمزج بين السخرية السياسية والدراما الإنسانية جذبت شريحة محددة من المتابعين، بينما تردد البعض الآخر أمام طابعه الفني المختلف عن أفلام الحركة المعتادة. لذلك جاءت الانطلاقة معتدلة، مع توقعات أن يعتمد الفيلم على الاستمرارية في شباك التذاكر وليس على الأرقام السريعة. في المقابل، كان المشهد مختلفًا في الشرق الأوسط. فهنا ساعدت شهرة دي كابريو على جذب أعداد كبيرة من المشاهدين منذ الأسبوع الأول. صالات السينما في السعودية والإمارات وقطر شهدت إقبالًا ملحوظًا، خصوصًا أن الجمهور في المنطقة ينجذب إلى الأفلام العالمية ذات الأسماء الكبيرة حتى لو كانت تحمل أبعادًا سياسية أو فكرية. ومن المتوقع أن يحقق الفيلم في الشرق الأوسط ما بين 20 و30 مليون دولار خلال فترة عرضه، وهي نسبة جيدة مقارنة بحجم السوق. هذا النجاح مدفوع أيضًا بحداثة التجربة السينمائية في المنطقة وتوسع البنية التحتية، حيث أصبح ارتياد السينما جزءًا من أنماط الترفيه الجديدة، وبالتالي يشكل أي فيلم لدي كابريو حدثًا يستقطب الجمهور. أما على الصعيد العالمي، فقد كانت أوروبا محطة أساسية في انطلاقته. في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، استقبل النقاد الفيلم بحفاوة، واعتبروه عملاً فنيًا جادًا أكثر من كونه مجرد تجربة تجارية. هذا الانطباع الإيجابي انعكس على الجمهور الذي يميل إلى متابعة الأفلام ذات البعد الفني والفكري، ما جعل الإقبال متوازنًا ومستقرًا. من المتوقع أن تصل إيرادات الفيلم في أوروبا إلى حدود 80 أو 90 مليون دولار إذا استمر عرضه بنجاح خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما يعزز مكانته كعمل فني له جمهوره الخاص. في بريطانيا، حيث للأفلام الأميركية حصة دائمة، تشير التقديرات إلى أن الفيلم قد يجمع ما يقارب 25 مليون دولار مع نهاية فترة عرضه، وهي نسبة جيدة لفيلم غير جماهيري تقليدي. الأسواق الآسيوية تبدو أيضًا واعدة. اليابان وكوريا الجنوبية تحديدًا معروفتان بحفاوتهما بالأعمال التي تحمل مزيجًا من العمق الفني والنجومية العالمية. ومن المتوقع أن يحصد الفيلم ما بين 50 و70 مليون دولار في هذه الأسواق، مدعومًا بشعبية دي كابريو القوية هناك. في الصين، تبدو التوقعات أكثر حذرًا، إذ أن الموضوع السياسي قد لا يلقى نفس الصدى، لكن مجرد طرح الفيلم هناك قد يضيف رقمًا يتراوح بين 30 و40 مليون دولار إذا حظي بفرصة عرض واسعة. من خلال هذه الصورة الشاملة، يمكن القول إن الانطلاقة الأميركية للفيلم كانت متواضعة لكنها مشجعة بالنظر إلى طبيعته الفنية، بينما كان الإقبال في الشرق الأوسط حماسيًا يفوق المتوقع، وفي أوروبا اتسم بالتوازن والاهتمام النقدي، وفي آسيا أظهر مؤشرات قوية على أن الفيلم سيحقق حضورًا معتبرًا. وإذا جمعنا هذه التقديرات، قد يصل الفيلم عالميًا إلى ما بين 250 و300 مليون دولار في نهاية دورة عرضه، وهو رقم قد لا يجعله من أضخم نجاحات شباك التذاكر لكنه يضعه في خانة الأعمال التي تحقق توازنًا بين القيمة الفنية والجدوى التجارية. إن قراءة انطلاقته والإقبال عليه تكشف أن «معركة تلو الأخرى» يخوض بالفعل معركة على جبهات مختلفة: في أميركا يثبت نفسه تدريجيًا عبر التقييمات الجيدة وكلمة الجمهور، في الشرق الأوسط يحصد شعبية جماهيرية بفضل اسم بطله، في أوروبا يستند إلى قيمته الفنية، وفي آسيا يترجم قوة نجم عالمي مثل دي كابريو إلى أرقام فعلية. هذه المعركة ليست سهلة، لكنها قد تضع الفيلم في نهاية المطاف في خانة النجاحات الخاصة التي تجمع بين السينما كفن والسينما كصناعة، وهو ما يجعله تجربة تستحق المتابعة على المدى الطويل.