رغم تعدد وسائل التواصل واتساع شبكات العلاقات المهنية، يكشف الواقع عن مفارقة لافتة؛ إذ يشعر قطاع واسع من الموظفين بالعزلة في أماكن عملهم. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن المؤسسات تواجه خيارين: إما الاستمرار في تجاهل هذه الأزمة الصامتة، أو المبادرة إلى بناء بيئات عمل أكثر إنسانية ودعماً للموظف. وأوضح المستشار في مهارات الاتصال أنس محمد الجعوان في حديثه إلى "الرياض" أن نحو 20 في المائة من الموظفين حول العالم يقرّون بأنهم يعيشون شعور الوحدة "بكثرة" داخل بيئات عملهم، وفق ما أورده تقرير Gallup الأخير. وأضاف أن هذه النسبة تعني أن واحدًا من كل خمسة موظفين يؤدي مهامه اليومية وهو مثقل بإحساس العزلة، ما ينعكس سلبًا على أدائه وصحته النفسية. كلفة اقتصادية ومهنية وبيّن الجعوان أن الوحدة في بيئة العمل لا تقتصر على كونها شعورًا نفسيًا عابرًا، بل تمثل أزمة ذات كلفة مهنية واضحة. فالموظف المنعزل غالبًا ما يكون أقل التزامًا وأضعف إنتاجية، وأكثر عرضة للإنهاك الوظيفي. واستشهد بدراسات سابقة أوضحت أن انخفاض مستويات الاندماج في العمل قد يصل إلى 70 في المائة من القوى العاملة، وهو رقم يعكس بيئة يطغى عليها الفتور واللامبالاة. عوامل تفاقم الظاهرة وعن أسباب انتشار الظاهرة، أشار إلى أن التحول نحو العمل عن بُعد بعد جائحة كورونا قلّص فرص التواصل الإنساني المباشر، فيما أسهم تركيز المؤسسات على الأرقام والمؤشرات في تراجع البعد الإنساني للعلاقات الوظيفية. كما أن ضعف مهارات التواصل لدى بعض القيادات جعل الموظف يشعر أنه مجرد "رقم" في تقارير الأداء. انعكاسات تتجاوز الفرد وحذر الجعوان من أن المؤسسات التي تتجاهل هذه الأزمة قد تخسر ولاء موظفيها، وربما يتركونها بحثًا عن بيئات أكثر دعمًا وإنسانية. في المقابل، تظهر الدراسات أن الجهات التي تستثمر في تعزيز ثقافة المشاركة والتواصل تحقق مؤشرات أفضل على صعيد الاستقرار والابتكار والإنتاجية. خطوات مطلوبة واختتم بالقول: إن معالجة الأزمة تبدأ من الاعتراف بوجودها. فالتواصل الإنساني ليس رفاهية، بل عنصر أساسي لاستدامة العمل. ومن بين الحلول الممكنة: برامج الدعم النفسي، تنظيم الأنشطة الجماعية، وإشراك الموظفين في عملية صنع القرار، بما يعزز انتماءهم ويحد من شعورهم بالعزلة. وأضاف: "إذا كان واحد من كل خمسة موظفين يشعر بالوحدة، فهذا مؤشر كافٍ ليدق ناقوس الخطر. المؤسسات اليوم أمام خيار حاسم: إما الإهمال، أو بناء بيئات عمل أكثر دفئًا وإنسانية".