في احتفاليتها باليوم الوطني..ديوانية الراجحي: المملكة بقيادتها الرشيدة تنعم بالأمن والرخاء والمكانة المرموقة    15 رئيس دولة و600 متحدث.. مؤتمر مستقبل الاستثمار.. مصالح مشتركة وأمن التجارة العالمية    المملكة تتقدم في استخدامات الذكاء الاصطناعي    إيداع مليار ريال لمستفيدي «سكني» عن سبتمبر    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    تصعيد متبادل بالمسيرات والهجمات.. والكرملين: لا بديل عن استمرار الحرب في أوكرانيا    بزشكيان: طهران لن تسعى أبداً لصنع قنبلة.. إيران تتعهد بإعادة بناء منشآتها النووية المدمرة    رئيسة جمهورية سورينام تلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية    القادسية إلى دور ال16 في كأس الملك    في الجولة الرابعة من دوري روشن.. صراع القمة يجمع الاتحاد والنصر.. والهلال يواجه الأخدود    سجن لاعب مانشستر يونايتد السابق لعدم دفع نفقة أطفاله    « البلديات والتجارة»: أبلغوا عن مخالفات السكن الجماعي    العمران والغراش يحتفلان بزواج مهدي    «راشد» يضيء منزل اليامي    أشرف عبد الباقي بطل في «ولد وبنت وشايب»    لجهوده في تعزيز الحوار بين الثقافات.. تتويج (إثراء) بجائزة الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري    المركز السعودي للموسيقى بجدة يحتفل باليوم الوطني    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    المملكة وقطر تدعمان الاستقرار في سوريا ب89 مليون دولار    المملكة.. القضية الفلسطينية أولوية    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الإبداع النسائي.. حكاية وطن    الخطاب الملكي صوت الدولة ورؤية الحزم والعزم    الملك سلمان.. نبضُ وطنٍ وقلبُ أمة    كيف يستخدم الناس ChatGPT فعليا    فهد العجلان: ذكرى البيعة تجسد التحولات العظيمة وتمكين الإنسان في عهد الملك سلمان    عزّنا بطبعنا: التعليم ركيزة القيم الوطنية    تداول يكسر الهبوط ويرتفع 5.06%    241 عقدا سكنيا يوميا    «كلاسيكو» الاتحاد والنصر.. مقارنة القيمة السوقية بين الفريقين    إنزاغي: سأعالج مشكلة الكرات الثابتة    305 حرفيين في معرض الحرف والأعمال اليدوية    طرح تذاكر دورة ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض    لوحات تشكيليين تزين اليوم الوطني    تسعيني ينافس الشباب باحتفالات الوطن    وزير الخارجية: السعودية ستواصل جهودها بلا كلل من أجل دولة فلسطينية مستقلة    اتحاد الكرة يدشن أخضر الفتيات تحت 15 عامًا    أهالي الدوادمي يحتفون باليوم الوطني    إيران تعيد بناء مواقع الصواريخ وسط عقوبات مرتقبة    "اليوم الوطني" نافذة تسويقية للمنجزات    مستشفى سليمان الحبيب بالتخصصي يعيد زراعة أصبع مبتور بنسبة «100» بعملية دقيقة    أمير جازان ونائبه يشاركان منسوبي الإمارة الاحتفاء باليوم الوطني للمملكة ال95    أمير منطقة جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي والفائزين بجوائز محلية ودولية    وطن شامخ    اليوم الوطني المجيد 95    القبض على (6) إثيوبيين في عسير لتهريبهم (90) كجم "قات"    البعثة الروسية لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفي باليوم الوطني السعودي ال95    هيئة جائزة الملك سلمان العالمية لأبحاث الإعاقة تعقد اجتماعها الأول للدورة الرابعة    أبناء وبنات مجمع الأمير سلطان للتأهيل يزورون مرضى مجمع الدمام الطبي    إنطلاق فعاليات الاحتفاء باليوم الوطني ال95 بمدارس تعليم جازان    رحيل المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز آل الشي "إرث علمي وديني خالد "    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك في فعاليات اليوم الوطني 95    (الهفتاء ) يتلقى تكريمًا واسعًا من إعلاميي السعودية والعالم العربي    فقيد الأمة: رحيل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعطاء لا يُنسى    القيادة تتلقى تعازي قادة دول في مفتى عام المملكة    المشي يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    الدفاع المدني يشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب الملكي صوت الدولة ورؤية الحزم والعزم


الخطابات الملكية في الشورى مرآة للخطاب السياسي
التأكيد الواضح على القيمة السامية التي بُنيت عليها سياسة هذه البلاد
لقد حقق الخطاب السياسي حضورًا فاعلاً في ميدان التفاعل اللغوي، ليسجل على صعيد التعاطي الاجتماعي علاقة وطيدة بين الحاكم والمحكوم، وهذا هو جوهر الخطاب وكُنهه، فهو يقوم على خلق بيئة تفاعلية بين المخاطِب والمخاطَب.
ويكتسب الخطاب السياسي أهميته عبر السلطة التي يمتلكها، وهذا ما يمنحه قوةً إيحائية تجعله يختلف عن أنوع الخطاب الأخرى التي تفتقد هذه القوة التي تمثل سلاحًا ذا حدين، فيمكن أن تكون داعمة له، أو عبئًا عليه، وهنا تبرز قدرة منشئ الخطاب على المواءمة بين هذه الأقطاب حتى يصل خطابه إلى مرحلة القبول لدى المتلقين الذين يختلفون وتتعدد مشاربهم وفق الثقافة التي تحيط بهم وتحكم تقاليد التلقي لديهم.
لقد ارتبط الخطاب السياسي السعودي بتأسيس المملكة العربية السعودية عام 1139ه، مرورًا بأطوارها الثلاثة حتى نصل إلى هذا العهد الذي تباشرت فيه البلاد بتولي الملك سلمان زمام الحكم فيه، والذي اصطبغ خطابه بخصائص وأبعاد ميزته عن غيره، ويبرز خطاب الملك سلمان في عدد من المحافل، وفي كل مناسبة يظهر هذا الخطاب بخصائص تجعلنا نقف على تفاصيله.
الخطاب السياسي السعودي المفهوم والنشأة:
يعود عمر الخطاب السياسي السعودي إلى تأسيس الدولة السعودية عام 1139ه، عندما أعلن الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-، من أرض الدرعية انطلاق مسيرة التوحيد والبناء؛ فبعد تكوين الدولة نشأت معها فروعها: السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والتنموية، وغيرها، والخطاب السياسي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدستور الحكم الذي يؤثر في جموع الناس الذين يسوسهم ولي الأمر من جهة، وفي الدول والقادة الذين يحيطون بالدولة السعودية من حلفاء وأعداء من جهةٍ أخرى، وقد مر الخطاب السياسي بمراحل متعددة، وأطوار متباينة، ارتبطت بالدولة السعودية في مراحلها الثلاث: الأولى، ثم الثانية، فالثالثة التي نتفيأ ظلالها تحت حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.
لا تبتعد لفظة السياسة عن أفهام المتلقين، الذين يدركون دلالات هذا المصطلح العميق، وأبعاده وأنساقه المباشرة وغير المباشرة، ف"السياسة علم الدولة، والسياسة لغة القيام بشؤون الرعية، واستخدم العرب لفظ السياسة بمعنى الإرشاد والهداية".
لقد ساعد الارتباط الوثيق بين لفظة السياسة والبشر الذين يتعاطون معها بصورة مباشرة وغير مباشر، إلى تكوُّن دلالة ثابتة هي أقرب ما تكون إلى الدلالة الشعبية المرتبطة بالملك والرياسة، ولعل دلالة هذه الكلمة ثابتة في المفهوم العام، إلا أن طريقة تعاطي الناس معها تختلف باختلاف المرجعية الذهنية التي يمتلكها الأشخاص عن هذا المصطلح الجدلي؛ فالسياسة بحرٌ متلاطم "كثرت فيها التعريفات والاجتهادات"، وهذا الارتباط الذي يحيط بالسياسة ناتجٌ عن طبيعة هذا المصطلح ومتعلّقاته التي تختلف باختلاف المرجعية السياسية التي تدير شؤونه، وهذا مختلف تمامًا في السياسة السعودية التي أكسبت هذا المصطلح دلالة ثابتة وقوية ترتبط بمستوى عالٍ من الشفافية والعدالة والثبات على مبادئ الحق، فهو جانب آخر منها يُظهر "النشاط الاجتماعي المدعوم بالقوة المستندة إلى مفهوم ما للحق أو للعدالة لضمان الأمن الخارجي، والسلم الاجتماعي الداخلي للوحدة السياسية".
الثبات في القيم والتميز عن الخطابات الأخرى
لقد خطت السياسة السعودية منذ تأسيسها طريقًا منفردًا في سبيل تكوين صورة سياسية ارتبطت بالمفاهيم العامة التي بُنيت عليها هذه السياسة الثابتة في قيمها ومفاهيمها التي تبرز المبادئ السامية التي قامت عليها السياسة السعودية الراسخة غير المتغيرة في مبادئها، ولا يمكن فهم السياسة المخصوصة بأي بلد من البلدان إلا بالنظر في تفاصيل هذه السياسة واستيعاب مفاهيمها، ولعل من أبرز أسباب رسوخ السياسة السعودية ابتعادها عن (البراغماتية) التي تعتمد عليها سياسة بعض البلدان في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية، لتُعرف بنمط سياسي متحول! فلا تمتلك سياسة محددة، لأنها تؤمن بالمفاهيم والقيم التي تعكسها دساتير هذه الدول، وقد يتغير ذلك باختلاف نمط السياسة التي تقوم عليها هذه البلدان.
لقد حققت السياسة السعودية رقمًا صعبًا وهو في صعود؛ ليُظهِر قيمها الثابتة غير المتحولة، في ميدان السياسة، وهو ما جعلها خليقة بالدارسة والعرض والتحليل ومن أجل بيان مواطن القوى فيها، والكشف عمّا تتضمنه من تفاصيل تُبرز هذه القيم التي تؤمن بها،وإذا كان الخطاب في معناه ودلالته على درجة من البيان والوضوح، إلا أن اقترانه بالسياسة يجعله يصول ويجول داخل دهاليز الغموض، فقد يتجه في بعض مواضعه إلى الأسلوب غير المباشر في تبيان الغاية التي أنشئ من أجلها الخطاب، فهو وإن شطَّ عن الإبانة والإفصاح، إلا أنه من أبرز الوسائل التي يتخذها الخطاب السياسي في التواصل مع المتلقين وسلاحها في ذلك التأثير والمباغتة، بل إن بعض النقاد يَعد الغموض "شرطًا في الخطاب السياسي"؛ وهذا النوع من الخطاب يحتاج إلى التبصر، وإمعان النظر فيه، ولهذا نجد أن حضور الصورة الفنية فيه ظاهرٌ، وهذا ما يجعله في "وئام متدرج مستديم مع الصورة الفنية، التي هي في مجال النثر السياسي قائمة مقام الصورة الشعرية".
ولعل السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن الخطاب السياسي هو الفرق بينه وبين الخطابات الأخرى، ولذا "فتتفاوت أنماط الخطاب، ونظم الخطاب ما بين ثقافة وثقافة"، على الأقل في المفهوم والدلالة التي تقتضي الإبانة عمّا يتضمنه هذا الخطاب من معانٍ عميقة تكشف مغزاه ورؤيته، ولعل السمة الأبرز التي تجعله على مفترق طرق مع غيره من أنماط الخطاب الأخرى هو ما يتمتع به من سلطة تجعله مقبولاً لدى المتلقين، ولهذا عُدّ الخطاب السياسي مكانًا تمارس فيه "علاقات السلطة وتتجسد في الواقع الفعلي".
لقد اختط الخطاب السياسي السعودي خطًّا جعله يختلف عن غيره من الخطابات السياسية الأخرى، وقد تأثر هذا الخطاب بالظروف السياسية التي أحاطت بالدولة السعودية في أطوارها الثلاثة؛ فقد تميز بعلو قيمته وعمق تأثيره في المتلقين، وهذه سمة قد لا نجدها إلا في الخطاب السياسي السعودي، فهو يقوم على التفاعل الذي يترك أثره في المتلقين، وإلا فإنه سيكون بلا جدوى! والتفاعل مرهونٌ بقدرة المخاطِب على إقناع المتلقين وتوجيه تفكيرهم، ورهن عواطفهم، دون مصادرة حقهم فيكون تعاطفهم مبنيًا على حسابات عقلية دقيقة تكشف أثر تعاطيهم مع المخاطِب (الحاكم).
الملك سلمان جعل للخطاب السياسي قيمة عالية منفردة!
لقد حفل الخطاب السياسي السعودي بأسماء بارزة أسست لهذا الخطاب وأرست قواعده وأركانه، فعرفت بهم، وعرفوا بها، ومن أبرز خطباء الدولة السعودية: الأئمة: محمد بن سعود بن مقرن، وعبدالعزيز بن محمد بن سعود، وسعود بن عبدالعزيز بن محمد، وتركي بن عبدالله بن محمد، وفيصل بن تركي بن عبدالله، وعبدالرحمن بن فيصل بن تركي، والملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل، وأبناؤه الملوك البررة: سعود، وفيصل، وخالد، فهد، وعبدالله -رحمهم الله جميعًا- وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الخطيب المفوه، الذي انتهت إليه مفاتيح الكلم، ولذا فقد استمدّ الخطاب السياسي السعودي في عهده الزاهر، صفاتٍ أكسبته منجزاتٍ لغوية فريدة، ولا يخفى على القارئ ما تمثله قيمة المخاطِب وأسرته في نفوس المتلقين، ولذا فإن الملك سلمان -حفظه الله- جعل للخطاب السياسي السعودي قيمة عالية منفردة، اكتسبتها من قيمة المخاطِب.
أبعاد خطاب الملك سلمان السياسي
يرتكز كل خطاب على قواعد ضمنية تؤسسه، ويعتمد عليها في بنائه وتكوينه، فهذا البناء الذي يعتمد عليه الخطاب هو طريقهُ للتأثير في المتلقين، وهذا ما تحمله الأبعاد التي تُكوّن تدريجيًا في أذهان المخاطبين طريقًا إلى أفهامهم، حتى تصل هذه الأبعاد إلى مرحلة الاكتمال وهذه المرتبة لا يصلها إلا النزر اليسير من أشكال الخطاب، وفي مطلعها الخطاب السياسي الذي تُمثل الأبعاد فيه أُطرًا مؤثرة إذا أحسن منشئ الخطاب صياغتها وتوجيهها بالشكل المطلوب فلا يكون تأثيرها عابرًا في نفوس المخاطبين، وهذا هو جوهر الأبعاد وكُنهُها، ولهذا فالمخاطِب مسؤولٌ عن تكوين "أشكال المعرفة الصادرة عن ذات قادرة على تأويل ما هو قائم من أحوال الذوات الفاعلة في علاقتها بمواضيع الفعل".
يستوقف المتلقين خطاب الملك سلمان السياسي بما يحمله من أبعاد عميقة، تدفع من يتلقى هذا الخطاب إلى التأمل فيه، والسير خلف أبعاده، وسبر أغوار مجاميعها، ولعل ذلك مما يُعنى به الخطاب السياسي، الذي تبرز فيه هذه الأبعاد لتُكوّن محاور ثانوية يستقي منها المخاطبون ما يعزز مبتغاهم في الخطاب الذي يؤسس لمرحلة جديدة سيقبلون عليها.
يُمثل البعد السياسي نطاقًا رحبًا تتصاعد فيه بقية الأبعاد التي تتكوَّن في الخطاب، والتي تنطلق من أركانه التي يقوم عليها، ولهذا فهو مظلة تجتمع تحتها بقية الأبعاد التي يَسير كُلُّ بُعدٍ منها في طريق معين، فتقع في أنفس المخاطبين، ليعمل كُلُّ واحدٍ منها عمله في عقولهم، فتمضي للتأثير فيهم، من أجل تحقيق أهداف الخطاب.
إن النماذج التي تعكس أبعاد الخطاب السياسي متنوعة في خطاب الملك سلمان السياسي، ومنها ما ورد في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة للمجلس عام 1436ه، ومما جاء في خطابه:" إن سياسة المملكة الخارجية ملتزمة على الدوام بتعاليم ديننا الحنيف الداعية للمحبة والسلام، وفقًا لجملة من المبادئ، أهمها استمرار المملكة في الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، بما في ذلك احترام مبدأ السيادة، ورفض أي محاولة للتدخل في شؤوننا الداخلية، والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل، وفي مقدمة ذلك تحقيق ما سعت وتسعى إليه المملكة دائمًا من أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف".
البعد السياسي الذي يتجلى منه اهتمام الملك سلمان بسياسة المملكة الخارجية
يبرز في هذا الخطاب بوضوح البعد السياسي الذي يتجلى منه اهتمام الملك سلمان بسياسة المملكة الخارجية، وعلاقتها بدول العالم، إلى جانب تقيد المملكة بتعاليم الدين الإسلامي، والتزامها بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، ويصحبها إعلان وإشهار واضح برفض التدخل في شؤون المملكة الداخلية بأي شكل، ولهذا لا نجد للمجاز مكانًا في الخطاب؛ فتنشط اللغة في هذا الموضع لبيان "الأنساق المعرفية التي يشتغل الذهن البشري في حدودها".
الثبات على النهج الشرعي منذ التأسيس
يبرز في هذا الخطاب البعد الديني بوضوح عندما يعود المخاطِب إلى تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ليؤكد تمسك البلاد بهذا النهج القويم، وأنها سائرة على هذا الطريق، ليكشف لنا مدى أهمية هذا البعد وعمق تأثيره على المستوى السياسي، وهذا ما نجده أيضًا في الخطاب الملكي الثاني خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة للمجلس عام 1441ه، ومما جاء فيه: " إن نهج المملكة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- قائم على تطبيق شرع الله والالتزام بالعقيدة الإسلامية، وعلى أسس الوحدة والتضامن والشورى، وإقامة العدل واستقلال القرار، والحفاظ على الأمن والاستقرار الذي أنعم الله به على بلادنا، ومواصلة مسيرة التنمية الشاملة، وتعزيز أواصر الصداقة والتعاون مع الدول انطلاقًا من المبادئ والغايات التي جاء بها ميثاق الأمم المتحدة".
ويتجلى من هذا الخطاب الحضور المتكرر للبعد الديني فيه، إلى جانب أبعاده الحجاجية المتمثلة في التكرار، ليُكسب الخطاب قوةً تكشف عزم المخاطِب على المضي قدمًا نحو تعزيز القيم الشرعية التي قامت عليها البلاد، ولذا فنجد هذا البعد حاضرًا أيضًا في الخطاب الملكي الثالث بمجلس الشورى، خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة للمجلس عام 1444ه، ويظهر ذلك بوضوح في قوله: "هذه الدولة منذ تأسيسها عام 1727م، وتوحيدها على يدي جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- منذ ما يزيد على تسعين عامًا، أرست ركائز السلم والاستقرار وتحقيق العدل، ولا يسعنا إلا أن نحمد الله عز وجل على ما أسبغ على بلادنا من نعم كثيرة، وما بلغته بين الأمم من مكانة عليا ورفيعة نفتخر بها جميعا قيادةً وشعبًا.
سجّل لنا التاريخ الحديث أعظم وأنجح وحدة جمعت الشتات، وأرست الأمن والاستقرار، ووجهت المقاصد إلى بناء دولة عصرية دستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أساسها المواطن، وعمادها التنمية، وهدفها الازدهار، وصناعة مستقبلٍ أفضل للوطن وأبنائه وبناته".
من القوة الدينية إلى الرابطة الاجتماعية
لا يخفى في هذا الخطاب مدى عمق البعد الديني في تعزيز قوة الخطاب السياسي، وإمعان أثره في نفوس المتلقين، وهذا ما أدركه الملك سلمان، وهذا البعد هو أحد مواضع القوة والنفاذ في الخطاب، ولهذه القيمة العالية مكانٌ كبيرٌ في نفوس المتلقين "لأن الاحتجاج بها أو الرغبة في الإقناع بها يفترض أنْ يكون المتخاطبون مقتنعين بأنها حجج من الوقائع أو من الحقائق"، فالقيمة التي تبرز في البعد الديني هي قيمة عالية، تحقق أسمى درجات الحجاج، وأبعد معانيه، وهذا البعد الديني في الخطاب هو قاعدة ثابتة يستمد منها الحكم السعودي قوته وثباته.
عند الحديث عن الأبعاد في خطاب الملك سلمان السياسي، لا يمكن أن نُغفل البعد الاجتماعي فيه، فهو يخلق الرابط القوي بين المخاِطب والمخاطبين، وهو الذي يكشف مقدار الثقة بينهم، وهذا ما يفسر قبول الخطاب بعيدًا عن السلطة التي يملكها المخاطِب والتي لا يخفى تأثيرها في المتلقين، ويُظهِر ذلك في خطابه اهتمامه بالمواطنين، ومن ذلك الخطاب الملكي خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة للمجلس عام 1436ه، الذي يقول فيه: " إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي"، ولعل هذا البعد الاجتماعي ملازم الحضور في خطاب الملك سلمان، ولهذا نجده يحضر أيضًا في الخطاب الملكي خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى عام 1444ه، وقد تجلى ذلك في قوله: "وفرت دولتكم الممكنات التي تعزز الكرامة للمواطن وتعمل على تحقيق أقصى المنافع له، وتصون حياته وتحفظ له سبل العيش الكريم، وتهيئة الحماية والرعاية الاجتماعية، ودعم أنظمة التطوير والاستقرار الاجتماعي له"، وهذا الخطاب يكشف عمق العلاقة بين المخاطِب والمخاطبين، ومدى حرص الملك سلمان على أبناء رعيته ورعايته لشؤونهم في مختلف المقامات، وهذا ما يعزز حضور البعد الاجتماعي في خطاب الملك سلمان السياسي، هذا بالخصوص، أما في العموم فهو "أحد أبرز أنشطة الفكر وأدوات الاندماج الاجتماعي".
حضور الأفعال الكلامية في خطاب الملك سلمان السياسي:
يتكون الخطاب من بنيات متعددة تُمثل كل واحدة منها لبنة في بناء الخطاب؛ الذي يظهر بصورة مكتملة بهية إلى المتلقين، إلا أن خلف هذا الكمال مراحل يبني عبرها الخطاب نفسه، حتى يصل إلى هذه الدرجة التي يقع فيها على أسماع المتلقين ويلامس عقولهم، وتبرز في الخطاب السياسي هذه التفاصيل لأنها تكشف قدرة الخطاب في ميدان الإنجازية.
حفلت خُطب الملك سلمان بن عبدالعزيز في مجلس الشورى بالكثير من التوجيهيات، ومن نماذج ذلك الخطاب الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين، خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة للمجلس عام 1436ه، حيث قال: "لقد أكدت على جميع المسؤولين وبخاصة مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بمضاعفة الجهود للتيسير على المواطنين، والعمل على توفير سبل الحياة الكريمة لهم، وهو أقل الواجب المنتظر منهم، ولن نقبل أي تهاون في ذلك، وفي هذا الصدد أخاطب الوزراء والمسؤولين في مواقعهم كافة أننا جميعًا في خدمة المواطن الذي هو محور اهتمامنا، وقد وجهنا بمراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية بما يكفل تعزيز اختصاصاتها والارتقاء بأدائها لمهامها ومسؤولياتها، ويسهم في القضاء على الفساد ويحفظ المال العام ويضمن محاسبة المقصرين".
خطاب الملك سلمان حقق في مضمونه الأهداف العميقة
كوّن الخطاب الخطاب السياسي الحلقة الأقوى في سلسلة الخطاب التداولي الذي يعتمد في مضمونه على قوة التأثير التي تملكها أفعاله التوجيهية؛ فالدلالة التي يعتمد عليها الخطاب في النص السابق دلالة متأججة تشحذ الخطاب وتزيد من قوة تأثيره في المتلقين، وهذا هو جوهره الذي يعتمد على توجيه المتلقين إلى نطاق محدد يتم عبره إيصال رسائل معينة إليهم، ولهذا فمن أبرز أهداف الخطاب السياسي "التأثير في سياقات التواصل السياسي"، فيكون المتلقون على أتمّ الاستعداد لاستقبال هذا الخطاب وفهم معانيه ومقاصده بالشكل الصحيح.
لقد حقق خطاب الملك سلمان في مضمونه الأهداف العميقة التي يسعى الخطاب السياسي إلى تحقيقها، وهي الأصل في بنيته التي يعتمد عليها ولعل الخطاب الملكي خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة للمجلس عام 1436ه، والذي أوردت منه المثال السابق، الذي تضمن أفعالاً توجيهية تحوي أمرًا مباشرًا من ولي الأمر وتوجيهًا للمسؤولين في الدولة بمختلف مستوياتهم ومراتبهم بخدمة المواطنين، ليخص بالذكر المسؤولين في المجالس المختصة: السياسية والأمنية والاقتصادية، أن يحرصوا على تطبيق الأنظمة، وأن تُذلل كل الصعوبات التي قد تواجه المواطنين في أي مجال، فيقول: "لقد أكدت على جميع المسؤولين "، ويظهر من الفعل الكلامي هنا القوة التأثيرية الكبيرة التي تترك أثرها في المتلقي، وهذا الفعل يقطع الشك باليقين وإن كان في ظاهره يحمل توجيهًا صريحًا للمسؤولين، إلا أنه يتضمن أيضًا رسالة إلى عموم الموظفين الذين يعملون في كل قطاعات الدولة أن يكون الالتزام بالتعليمات والتقيد بها ديدنهم في عملهم، وأنه لن يكون هناك أي تهاون أو تراجع في تطبيق النظام أو محاسبة المسؤولين عن الأخطاء إن وجدت، ويتضح أن الفعل الكلامي هنا "أكدت"، ملازم لفاعله وهو ولي الأمر الذي أعطى هذا الفعل التوجيهي الحازم، وهذا ما يبعد أي تأويلٍ قد يفهم منه أيٌّ شيء يبعد النص عن سياقه العام، وعن الأهداف الرئيسة التي أنشأ المخاطِب خطابه من أجلها، وهذا يتضمن وضوحًا يجعل المتلقين على درجة من الاستعداد لتلقي الأفعال التوجيهية في نطاق سياقي مقنن، وقد استوقفني في الفعل التوجيهي السابق محوران مهمّان، الأول: توجيه المسؤولين والموظفين بصورة مباشرة للتقيد بالأنظمة والتعليمات المنصوص عليها نظامًا، والثاني: الالتزام بتسهيل شؤون المواطنين وخدمتهم والتأكيد بالتيسير عليهم، وهذا يجعلنا نستشعر دقة المخاطِب في توجيه كلامه للمتلقين، وإدراكه لأبعاد الخطاب السياسي الذي يوازن بين الأمر وتنفيذه؛ ليُظهِر ذلك جوهر السياسة السعودية التي يقوم عليها الوطن، وهذا التوازن في الطرح هو الذي يكسبها القبول لدى المتلقين.
التحديات التي تواجه الخطاب السياسي
إن من أبرز التحديات التي تواجه الخطاب السياسي هي الوعود التي تجعل المخاطِب على درجة من الاستعداد والتأهب لإنجازها، وتحقيق ما يرد فيها، ولعل ذلك من أكثر الاختبارات التي تواجه الخطاب السياسي، ولهذا لا يتجاوزها إلا القلة من أرباب هذا الخطاب، وهذا ما يدفع كثيرًا من متلقيه إلى عدم الثقة به، فلا يركنون لما يرد فيه؛ خصوصًا هذا الجانب الذي يمثل المحك للمخاطِب، ولهذا ظهر التباين الكبير الذي جعلنا نُمعِن في هذه الحلقة من الخطاب السياسي التي تكشف مدى قدرة هذه الجزئية فيه على كشف كذب بعض الخطابات السياسية في الدول الغربية خصوصًا الوقت الذي تعقد فيه الانتخابات في هذه الدول، وهذا المحك المهم هو ما يكشف مدى صدق هذا الخطاب من عدمه.
يُدرك من يقرأ خطاب الملك سلمان مدى صدق وعوده
لقد برز في خطاب الملك سلمان السياسي الوضوح والشفافية الكبيرة التي يُظهِرها خطابه السياسي، الذي ألقاه في أثناء افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة للمجلس عام 1441ه، الذي يقول فيه: "وأن من جملة ما أنجزته حكومة المملكة العربية السعودية في خدمة ورعاية الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن توسعة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة في مشاريع تعتبر الأضخم في التاريخ، ومن أجل التيسير على ضيوف الرحمن وتقديم المزيد من الخدمات والتسهيلات لملايين الحجاج والمعتمرين فقد تمت إعادة هيكلة تأشيرات الزيارة والحج وإلغاء رسوم تكرار العمرة.
ستظل مكانة المملكة الرائدة في العالمين العربي والإسلامي وموقفها الراسخ من دعم مسيرة العمل العربي والإسلامي المشترك مرتكزا أساسيًا في سياستها الخارجية".
يُدرك من يقرأ خطاب الملك سلمان بن عبدالعزيز مدى صدق وعوده، فخطابه السياسي ينفرد بكونه يسير في طريق محدد ليقصد عبره الوصول إلى أهداف معينة، فقيد النزاهة في هذا الخطاب يتصل اتصالاً مباشرًا بالقصد، وفي هذا الفعل الكلامي تكون حرية المخاِطب كبيرة في اختيار الوعد المناسب؛ ولهذا سلك الطريق الأكثر وضوحًا لأنه يوصل أهدافه بصورة مباشرة إلى أذهان المخاطبين، فإلى جانب الحقائق التي يرصدها خطابه والتي تكشف مقدار الصدق فيه، هو أيضًا يراعي أن يكون هذا الخطاب دقيقًا من ناحية الإيفاء بالعهود، وتحقيق أعلى درجات الصدق في ذلك، ولهذا ترك المخاطِب مجالاً للمتلقين يمكّنهم من استيعاب هذا الخطاب وفهم محتواه وتمييزه، ولهذا يجب أن نفرق بين الوعد الذي يقصده المخاطِب والوعد الذي لا يقصده خصوصًا في الخطاب السياسي الذي تتنوع مقاصده وتتغير باختلاف الأحوال المحيطة به، ولعل الخطاب السياسي الغربي من أبرز النماذج التي تدل على ذلك، كذلك فإنَّ الملك سلمان حرص على رصد ردة فعل المخاطبين عند إلقاء خطابه، ولذا اختار أن يكون خطابه أسفل قبة الشورى بحضور نخبة المجتمع السعودي وهم أعضاء مجلس الشورى من الذكور والإناث الذين يمثلون أطياف المجتمع وأفراده؛ ولذا فرصد الانفعالات مهم جدًا لقياس مدى عمق التأثير في المخاطبين، و"في الحياة الإنسانية توجد كثير من المواقف يصبح فيها الشعور ببعض الانفعالات (إن جاز التعبير)، أو الرغبة أو اتخاذ موقف معين، مبنيًّا على مراعاة الاتفاق والتواضع عند كل استجابة ملائمة، أو رد فعل مناسب في جميع الظروف والأوضاع، ويدخل في هذه الاستجابة إنجاز الفاعل لفعل ما".
مستوى الخدمات في الحرمين الشريفين
يؤكد هذا الخطاب الذي وجهه الملك سلمان في مجلس الشورى، للحضور من أعضاء المجلس، وللمواطنين، ولعموم المسلمين في مختلف أصقاع العالم، صدق وعوده، فقد بين فيه مستوى الخدمات في الحرمين الشريفين، والمراحل التي سيقبلان عليها مستقبلاً، وهي ما شهدناها في السنوات التي تلت هذا الخطاب، ومن ذلك إعادة هيكلة تأشيرات الزيارة والحج وإلغاء رسوم تكرار العمرة، إلى جانب زيادة أعداد الحجاج والمعتمرين، وتحسين جودة الخدمات لهم، ليقرن -حفظه الله- ذلك بريادة المملكة العربية السعودية في ميدان خدمة الإسلام والمسلمين في مختلف القضايا، واختار أن يكون موضوع خدمة الحرمين الشريفين، والحجاج والمعتمرين هما القاعدة التي ينطلق منها إلى هذا الموضوع الأعم والأشمل وهو ريادة خدمة المملكة للإسلام والمسلمين، وأنها ستكون على هذا النهج وستزيد فيه إن شاء الله.
لقد برزت في خطاب الملك سلمان لغة لينة تجعل المخاطبين في حالة من الراحة عند تعاطيهم معه، ولذا كانت الألفاظ المستخدمة في ذلك تدعم هذا التوجه وتعزز الهدف الذي أنشأ من أجله المخاطِب خطابه، وقد ظهر ذلك واضحًا في الكلمات: "رعاية، دعم، تطوير، توسعة".
الشعب هو المعيار الحقيقي لقياس مدى تحقق ما جاء في الخطاب السياسي
تمارس الإيقاعيات مُهمّة مؤثرة في الخطاب السياسي، وتكتسب أهميتها في الخطاب عبر مطابقة محتواها القضوي للواقع، "لأنها تتميز بأنها تحدث عن صدق محتواها القضوي"، وهو ما يبنى عليه تغيير في بيئة الخطاب الخارجية، وهذا يمثل جوهر الخطاب السياسي؛ الذي يسعى إلى تغيير الواقع الذي يعيش فيه، ولهذا فالمخاطبون ينتظرون ما سيبنى على هذا الخطاب من تغيير يلبي تطلعاتهم التي يريدون الحصول عليها؛ لهذا فالشعب هو المعيار الحقيقي لقياس مدى تحقق ما جاء في الخطاب السياسي؛ ومن ذلك الخطاب الملكي أثناء افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى عام 1444ه، وجاء فيه: "وتماشيًا مع خطط رفع الطاقة الاستيعابية لاستضافة 30 مليون معتمر بحلول عام 2030، تم إطلاق أعمال البنية التحتية والمخطط العام لمشروع "رؤى المدينة"، في المنطقة الواقعة شرق المسجد النبوي، والعمل جارٍ على استكمال التوسعة السعودية الثالثة في المسجد الحرام، إضافة إلى عديد من المشروعات التي تهدف إلى الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وسنبذل كل ما في وسعنا لمواصلة الجهود -بإذن الله- من أجل استمرار توفير سبل الراحة والتيسير لقاصدي الحرمين الشريفين وفق أعلى المعايير العالمية".
يعكس هذا الخطاب عمق الصلة بين المخاطِب والمخاطبين، فهو العارف بحاجات الوطن، والمواطنين والمقيمين، عبر عمله الذي امتد أكثر من خمسين عامًا أميرًا لمنطقة الرياض، الأمر الذي عكسه هذا الخطاب الذي بيّن متابعته الدقيقة للمشاريع، وتطورها يأتي في مقدمتها رفع الطاقة الاستيعابية للمعتمرين إلى ثلاثين مليون معتمر بحلول عام 2030م، إلى جانب إطلاق مشروع رؤى المدينة المنورة، والعمل على استكمال التوسعة السعودية الثالثة بالحرم المكي الشريف، وهذه المشروعات بعضها على وشك الاكتمال، وهذا يكشف قوة الدلالة المرتبطة بالأفعال الواردة في الخطاب منها: "إطلاق، الارتقاء، سنبذل، مواصلة، توفير، التيسير"، التي تكشف عمق الروابط بين المخاطِب والمخاطبين، الذين يثقون بمضمون هذا الخطاب الذي عكسه الواقع المعاش، كما أن الحاجة إلى إعلان هذه المواقف كبير خصوصًا في هذا التوقيت السياسي.
مرحلة سياسية مهمّة
لقد حضرت الإيقاعيات في مرحلة سياسية مهمّة جدًا وهي بداية تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، والتي حرص فيها على بناء خطاب سياسي متوازن وثابت؛ يكشف عمّا ستتضمنه المرحلة المقبلة في البلاد التي يحكمها، والتي تتعلق بها مشاعر المسلمين جميعًا في كل أنحاء العالم، وبلا شك أن الحرمين الشريفين لهما رمزية كبيرة جدًا في نفوس المسلمين والاهتمام بها هو ديدن حكام هذه البلاد منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –طيب الله ثراه-، وحتى هذا العهد الزاهر الزاخر، والرمزية الكبيرة التي تعكسها تملك دلالات مؤثرة وعميقة، فالحرمان الشريفان يعكسان الاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين، فقضايا المسلمين تمثل أولوية لدى المخاطِب، فالعالم الخارجي يمر بتحولات كبيرة، واضطرابات متجددة، فكان لزامًا على المخاطِب أن يُحدث تغييرًا في العالم الخارجي للخطاب، مما يعزز من حضور المملكة على الصعيد السياسي، ويؤكد على القضايا الكبرى التي تبنتها المملكة منذ تأسيسها وحتى اليوم.
برزت التعبيريات كإحدى المكونات المؤثرة في خطاب الملك سلمان بن عبدالعزيز، عند توليه الملك، فهو قريب من الناس، وله مكانة كبيرة في نفوسهم منذ أن كان أميرًا لمنطقة الرياض قرابة نصف قرن، إلا أن المرحلة التي أقبل عليها تختلف عن المرحلة السابقة، ولهذا نرى الاختلاف في خطابه من جانبي الطرح والمعالجة، فهذه مرحلة الملك وهي تختلف عن مرحلة الإمارة، وهذا ما يحقق غاية التعبيريات التي تتطلب اتساقًا بين المخاطِب والمخاطبين، وهذا ما يكشفه خطابه الأول في مجلس الشورى، خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة للمجلس عام 1436ه، ومما جاء فيه: "إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن، ولقد وجهت سمو وزير الداخلية بالتأكيد على أمراء المناطق باستقبال المواطنين والاستماع لهم ورفع ما قد يبدونه من أفكار ومقترحات تخدم الوطن والمواطن، وتوفر أسباب الراحة لهم.
ونؤكد حرصنا على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات".
يعكس هذا الخطاب قرب الملك سلمان من المخاطبين، صحيح أن الخطاب موجه لأعضاء مجلس الشورى الذين اجتمعوا من أجل الاستماع لمضمونه، إلا أن المعني به هم عموم الناس في مختلف أرجاء المملكة، ويبرز ذلك افتتاحه بأداة التوكيد "إن" التي تكشف قيمة كل مواطن لدى المخاطِب، ومنزلة ومقام المواطنين عنده، وعمق الصلة والروابط بين الحاكم والمحكوم، وليس هذا فحسب بل يزيد في ذلك بذكر الأماكن التي يعيشون فيها، ويعزز ذلك بالأفعال التي تُبين المحبة بين المخاطِب والمخاطبين، ويتجلى ذلك في قوله: "إن كل مواطن.. محل اهتمامي ورعايتي"، إن المحبة والتقدير والثقة بين المخاطِب والمخاطبين، هي غاية ما يبلغه الخطاب السياسي ووسيلته في ذلك هي التعبيريات، التي تظهر بوضوح في هذا الخطاب فالثقة الكبيرة بين الملك وشعبه جعلت المتلقين يشعرون بحالة من الرضا النفسي لمضمونه ومِن ثَمَّ تصديقه بسبب مشاعر المحبة للمخاطِب، فهم ينفذون أوامره لا لسلطته بل بسبب الروابط الكبيرة التي تربطهم به وهذا هو الهدف الرئيس من الخطاب وهو التأثير في المخاطبين، وأن يكون هذا التأثير إيجابيًا ومنبعه الارتياح للمخاطِب وخطابه، والذي يعزز هدفه ومبتغاه السلوك الذي يقوم به المخاطِب، ولهذا ف"الخطاب لا يحصل تمام قيمته الفلسفية إلا من خلال الممارسة السلوكية التي تصاحبه".
مقاصد خطاب الملك سلمان السياسي:
يُبنى كل خطابٍ على مقاصد محددة تُوجهه، وتَكشف مبتغاه، وأداته في ذلك اللغة التي تُبرز هذه المقاصد وتتبنّاها، وإن غايات الخطاب تتنوع وتتعدد باختلاف أهداف منشئ النص الذي صاغ من أجلها الخطاب ووضع قواعده وأسسه، كما أن مقاصد الخطاب تكبر إذا كان المخاطِب عظيم الشأن؛ فتزيد مُهمات الغايات التي تُسهم في تشكيل الخطاب وتوجيهه، كما أنها من أبرز العوامل التي تؤثر في تأويل اللغة واستعمالها وتفسيرها، وهي التي تدفع المخاطِب إلى تحديد استراتيجية الخطاب، وتقنين مبانيه التي يقوم عليها، وقواعده التي ينطلق منها، فالصلة بين المعاني والمقاصد وثيقة، حيث "يرتكز دور المقاصد بوجه عام، على بلورة المعنى كما هو عند المرسل، إذ يستلزم منه كيفية التعبير عن قصده، وانتخاب الإستراتيجية التي تتكفل بنقله مع مراعاة العناصر السياقية الأخرى".
مراحل الخطاب الملكي تجدد المقاصد
يعكس خطاب خادم الحرمين الشريفين، إدراكًا سياسيًا عميقًا بأهمية المرحلة التي تمر بها البلاد، ونستطيع أن نلمس في كل مرحلة من مراحل الخطاب الملكي تجدد المقاصد، لتبرز غايات جديدة، فأولى المقاصد التي تطالعنا في الخطاب الملكي بمجلس الشورى، خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة للمجلس عام 1436ه: تعزيز العدل والمساواة، وهي إحدى المبادئ المهمّة التي قامت عليها هذه البلاد منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود، واستمر على هذا النهج حكّام هذه البلاد في أطوارها الثلاثة، وقد حرص الملك سلمان على تعزيز ذلك، بل وزيادة حضوره بعدد من الإجراءات التي أعلن عنها في خطابه، حيث يقول: "لقد وضعت نصب عيني مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة منذ توحيدها تمسّكًا بالشريعة الإسلامية الغراء، وحفاظًا على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها، وعملاً على مواصلة البناء وإكمال ما أسسه من سبقونا من ملوك هذه البلاد -رحمهم الله- وذلك بالسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة، والعدالة لجميع المواطنين، وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة في إطار نظم الدولة وإجراءاتها".
حرص الملك على إشهار مواقف المملكة من بعض القضايا
إن المتأمل في خطاب الملك سلمان السياسي يدرك شرف المقاصد والغايات التي يتجه إليها الخطاب الملكي، خصوصًا في مجلس الشورى، ويبرز في هذا المقام مقصدٌ مهم على صعيد الخطاب السياسي وهو: إشهار المواقف، حيث حرص الملك على إشهار مواقف المملكة من بعض القضايا، لا سيما أن أنظار العالم أجمع تتجه إلى المملكة بعد تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم، وهنا تبرز الحاجة إلى إشهار المواقف على الصعيدين: السياسي والمحلي، وهذا ما يطالعنا به خطاب الملك السياسي بمجلس الشورى، ويأتي في مطلع هذه المواقف التأكيد على خدمة القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها قضية فلسطين، خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة للمجلس عام 1441ه، ومما جاء في الخطاب قوله: "ولقد شهد العام المنصرم استضافة المملكة للدورة (التاسعة والثلاثين) للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في مدينة الرياض في شهر ربيع الآخر1440ه، والدورة (الرابعة عشرة) لمؤتمر القمة الإسلامي والدورتين الاستثنائيتين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون ولمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في مكة المكرمة في شهر رمضان 1440ه، والتي سعينا من خلالها إلى مواصلة جهودنا لمواجهة ما يحدق بأمتينا العربية والإسلامية من مخاطر وتهديدات، وإعادة التأكيد على موقفنا الراسخ في القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية".
ويظهر في النص السابق إشهارٌ لموقف المملكة الثابت لا المتغير من القضية الفلسطينية، الهم السياسي الأول لحكام هذه البلاد، فهذه القضية في سنام اهتمامات الملك سلمان، منذ أن كان أميرًا لمنطقة الرياض وعلى مدى خمسين عامًا، فهذا الموقف القوي الذي اتخذه المخاطِب يكشف عن ثباتٍ واستمرار على ذلك؛ فالإشهار بهذه القوة هو غاية الخطاب، فمضمونه ليس بغريب على المتلقين لا سيما إذا عرف سياقه المعرفي "المتصل بالخلفية المعرفية، أي ما يعرفه النص ومتلقيه عن بعضهما، وعن العالم من حولهم وهو مؤثر في إنتاج النص أو تلقيه، وقد تكون معرفة ثقافية بين الناس"، ولذا فالمخاطبون يعرفون هذا الموقف، وهم على علمٍ بتفاصيله، إلا أن إعلانه في هذا التوقيت من جديد كان له بُعدٌ آخر تجلى في هذا الخطاب.
غايات عامة تتجه إلى تحقيق أهدافٍ عميقة تظهر في تفاصيل الخطاب السياسي
تبرز في الخطاب السياسي غايات عامة تتجه إلى تحقيق أهدافٍ عميقة تظهر في تفاصيل الخطاب السياسي، وهذا ما يدفعنا للتأمل فيه وإعادة النظر في غاياته، والبحث في مبتغاه، خصوصًا أن خطاب الملك سلمان السياسي، يختلف عن غيره في الطرح والمعالجة، فهو يصحب عمقًا في الدلالة، وإمعانًا في الهدف، والمجتمع الدولي ينظر إلى الخطاب الملكي بعين التمعن والاهتمام، وقد أدرك الملك سلمان هذا الأمر فكانت خطاباته في مجلس الشورى، تحقيقًا لغاية مهمّة وهي: ترسيخ مبادئ الأمن والاستقرار، وهو مقصد عميق يكتسب أهميته من الوعي السياسي الذي يحمله المخاطِب، ولهذا نجده يتكرر في الخطابات الملكية، وهذا ما يعكسه خطاب الملك سلمان خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة للمجلس عام 1441ه، يقول فيه: "إن سياسة المملكة الخارجية ملتزمة على الدوام بتعاليم ديننا الحنيف الداعية للمحبة والسلام، وفقًا لجملة من المبادئ، أهمها استمرار المملكة في الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، بما في ذلك احترام مبدأ السيادة، ورفض أي محاولة للتدخل في شؤوننا الداخلية، والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل، وفي مقدمة ذلك تحقيق ما سعت وتسعى إليه المملكة دائماً من أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
كما أننا سائرون إلى تحقيق التضامن العربي والإسلامي بتنقية الأجواء وتوحيد الصفوف لمواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بهما".
ولعل ما ورد في هذا الخطاب يؤكد ما أشرت إليه من الأهمية الكبيرة لهذا المقصد الذي تتجه إليه أنظار المتلقين داخل البلاد وخارجها، فهو يكشف جانبًا من المبادئ التي تقوم عليها المملكة، التي تعكس واجهة السياسة الخارجية للبلاد في هذه الحقبة الجديدة؛ يؤكد ذلك ويعزز أهميته ما نجده أيضًا في الخطاب الملكي الذي تلا هذا الخطاب أثناء افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة للمجلس عام 1441ه، وجاء فيه: "لا يخفى عليكم ما تمر به المنطقة من أزمات وخلافات، وما تواصل المملكة بذله من جهود لحلها، انطلاقًا من إيمانها العميق بأن أمن واستقرار هذه المنطقة، ليس حلمًا بعيد المنال بل هو هدف ممكن وواجب التحقيق، فلم تكتف تلك الأزمات والخلافات بحرمان العديد من شعوب المنطقة من فرصة العيش في أمن واستقرار، بل أدت كذلك -بكل أسف- إلى حرمان أجيالها الحاضرة من بارقة الأمل في مستقبل يليق بما حباها الله به من مقومات ومكتسبات بشرية كبيرة".
يظهر من هذا الخطاب تكرار المقصد الذي أثبت حضوره بقوة أيضًا في الخطاب السابق الذي ألقاه الملك سلمان بالمجلس في الدورة التي سبقتها بأربع سنوات، لتبرز فيه الغاية الكبرى التي سعى إليها الخطاب وهي: ترسيخ مبادئ الأمن والسلام، التي تنضح من هذا الخطاب السياسي الذي يكشف الرغبة الجادة في ترسيخ هذه المبادئ، وتحقيق أهدافها على أرض الواقع؛ فهي رسالة جادة إلى العالم الخارجي، ويتجدد هذا المقصد أيضًا في الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك سلمان بمجلس الشورى، خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى عام 1444ه، الذي قال فيه: "تستشعر المملكة دورها بين دول وشعوب العالم، وتعمل من خلال علاقاتها الثنائية ومن خلال المنظمات والمجموعات الدولية على تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات في عالمنا، ودعم العمل الدولي متعدد الأطراف في إطار مبادئ الأمم المتحدة وصولًا إلى عالم أكثر سلمية وعدالة، وتحقيق مستقبل واعد للشعوب والأجيال القادمة، وفي ظل ما يشهده العالم من حروب وصراعات تؤكد المملكة ضرورة العودة لصوت العقل والحكمة، وتفعيل قنوات الحوار والتفاوض والحلول السلمية، بما يوقف القتال ويحمي المدنيين ويوفر فرص السلام والأمن والنماء للجميع، كما تؤكد موقفها الداعم لكافة الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حل سياسي يؤدي إلى إنهاء الأزمة الروسية - الأوكرانية، ووقف العمليات العسكرية بما يحقق حماية الأرواح والممتلكات، ويحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي".
يجمع هذه النماذج الثلاثة التي أوردتها من خطاب الملك سلمان بمجلس الشورى في دوراته الثلاث، مقصد واحد وهو: ترسيخ مبادئ الأمن والاستقرار، حيث يعزز المخاطِب في خطابه هذه الغاية؛ التي يتجلى منها هدفٌ كبير وهو إبراز رسالة المملكة، وسعيها الدائم والحثيث لترسيخ مبادئ السلام والأمن، ولا يخفى على ذي بصر جهود المملكة وحكامها، منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -طيب الله ثراه- وحتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، الذي سجل على مدى خمسين عامًا جهودًا مباركة على الصعيد الدولي حيث سعى منذ أن كان أميرًا لمنطقة الرياض -الشواهد على ذلك كثيرة- لدعم قضية فلسطين، إلى جانب رئاسته للجنة الشعبية لإغاثتهم، ورئاسته للهيئة العليا لجمع التبرعات للبوسنة والهرسك، وأعماله السياسية والإغاثية إبان حرب الخليج، وغيرها مما يطول حصره والإلمام به، فالخطاب موجه للطبقة السياسية في الخارج، وكل فئة من المخاطبين تتلقى الخطاب بمختلف إيقاعاته بطريقة واحدة، يعززها التكرار، وهذا من طبيعة الخطاب السياسي، و"كل نص سياسي فهو ينص اختلاف وتميز الخطاب السياسي الخاص بمجتمع سياسي بعينه، في مرحلة تاريخية بعينها، بما هو بنية ذهنية مجردة سائدة في وعي الطبقة السياسية الفاعلة في تلك المرحلة".
يتجلى من الخطاب الملكي بمجلس الشورى، تكرارٌ لمقصد مهم وهو: ترسيخ مبادئ الأمن والسلام، الذي عرضت له في هذا المبحث، بنماذج ثلاثة من الخطابات الملكية في مجلس الشورى، الأول: خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة للمجلس عام 1436ه، والثاني: أثناء افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة للمجلس عام 1441ه، والثالث: خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى عام 1444ه، وقد تكررت فيها غاية واضحة وهي: ترسيخ مبادئ الأمن والاستقرار، وقد وظف الملك سلمان في خطابه تقانة الحجاج، فكان التكرار حاضرًا في الخطاب، فوظّف المخاطِب هذه التقانة لتعزيز حضور مقصد الخطاب وغايته، و"من طرائق عرض الخطاب عرضًا حجاجيًا اعتماد التكرار لإبراز شدة حضور الفكرة المراد إيصالها والتأثير بها"، والتكرار الذي وُظّف في هذا الموضع يجعلنا نتمعن في سمو هذا المقصد، وأهميته في تحقيق هدف الخطاب ومداه البعيد، ولكن بطريقة غير مباشرة تجعلنا نتمعن أثر هذه التقانة في تعزيز مقصد الخطاب وتكثيف حضوره بما يحقق أهدافه.
يظهر في خطاب الملك سلمان السياسي مقصد عام، ولكنه ليس من أبرز الغايات التي يكشفها الخطاب الذي تتجلى منه مقاصد عدة، وهذا لا يقلل من شأن هذا المقصد الذي سأتطرق له وهو الإخبار، ورغم عمومية هذا المقصد في الخطاب السياسي إلا أنه من المقاصد التي لا يمكن إغفالها خصوصًا في هذا النمط من الخطاب الذي تبرز فيه هذه الغاية؛ لتكشف عمق خطاب الملك سلمان السياسي، وبُعد مداه، ومن ذلك ما جاء في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة للمجلس عام 1441ه، حيث يقول: "يحق لنا أن نفخر اليوم بنجاح بلادنا في القضاء على مظاهر التطرف بعد أن تم مواجهة وحصار الفكر المتطرف بكل الوسائل والأدوات ليعود الاعتدال والوسطية سمة تميز المجتمع السعودي، كما تتواصل جهودنا ضمن تضامن دولي لمحاربة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين أفضى إلى إلقاء القبض على قائد تنظيم "داعش" في اليمن، مع استمرار جهودنا الحثيثة لمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد جاء تصويت مجموعة العمل المالي (فاتف) بالإجماع لصالح انضمام المملكة بعضوية كاملة للمجموعة كأول دولة عربية تحظى بهذا التأييد تجسيدًا لجهود المملكة الكبيرة في هذا الجانب التي ستستمر بكل حزم.
نؤكد دعمنا لمبادرة خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية التي تدين جميع الاعتداءات على أماكن العبادة واستباحة حرمتها، ونعيد التأكيد على أن الإرهاب آفة خطيرة لا يمكن ربطها بأي دين أو وطن أو ثقافة، وأنها تستلزم جهودًا دولية مشتركة لمحاربتها على كل الأصعدة، ونشيد في هذا الصدد بما يثمر عنه التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف بين المملكة والدول الأخرى من جهود في إفشال المخططات الإرهابية وقطع مصادر تمويلها ومواجهة الفكر المرفوض الذي تستند عليه".
مقصد الإخبار
يحضر مقصد الإخبار في خطاب الملك سلمان السياسي، ليعزز موضعًا فعَّالاً في الخطاب، ليجعل المتلقين يواجهون ما يرد فيه من صاحب الشأن، فلا يكون للتأويل أو الشك مكانٌ في نفوسهم، ولذا أَخبر المخاطِب المخاطبين بنجاح المملكة في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، على الصعيدين المحلي والدولي، و"ذلك أن الوعي بأهمية المخاطَب لا يقتصر على طرح القضايا التي تشغله، أو على تنزله في أجزاء الخطاب بوصفه مكونًا له، بل يتجاوز هذا إلى بنية الخطاب وأجزائه الدقيقة، حيث تنهض البنية اللغوية بوظائف اللغة، نحو الإخبار والإفهام"، ولذلك فالإخبار يسد المنافذ التي قد يلج منها التأويل والشك إلى نفوس المخاطبين، كما أنها تطرد الكذب الذي قد يتبناه بعض المغرضين الذين يبثّون الشُّبه ويروجون لها، ولذا فإن هذه الغاية على عمومها تحقق هدفًا عميقًا في الخطاب السياسي.
كتبه: د. محمد بن عبدالعزيز الفيصل - أستاذ الأدب والنقد بقسم الأدب في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.