إرث متجدد يرسخ الهوية الوطنية ويصوغ الحاضر والمستقبل في تاريخ الأمم والشعوب يبرز قادة عظماء ارتبطوا بوجدان شعوبهم بما قدموه من أعمال وطنية وقرارات تاريخية أسهمت في نهضة بلدانهم وتقدمها، والملك سلمان حفظه الله واحد من هؤلاء القادة العظماء الذين دخلوا التاريخ بأعمالهم وإنجازاتهم ليس فقط منذ وصوله ملكاً على سدة الحكم ولكن منذ نشأته الملكية ثم التحاقه بالعمل الرسمي في الحكومة السعودية، فهذا القائد التاريخي الفذ ليس فقط صانع تاريخ وشخصية تاريخية بقيادته وأعماله، بل هو أيضاً يحمل صفة المؤرخ ليكون مسجل ومدون للتاريخ، وقد توج ذلك بحصوله على درجة الدكتوراه الفخرية في التاريخ من قسم التاريخ في جامعة الملك سعود ليرفع أسهم هذا القسم العريق عاليا. وقد تجلى اهتمام الملك سلمان حفظه الله بالتاريخ في شغفه الكبير به، ووعيه العلمي والفكري بقيمته، وإدراكه الصلة الوثيقة بين التاريخ والسياسة في رؤيته، وهو ما انعكس على جوانب عدة من عنايته بالتاريخ والمؤرخين. ولعل من أبرز الجوانب المؤثرة في تكوين الملك سلمان التاريخي مداومته منذ صغره على حضور مجالس والده الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تلك المجالس التي مثّلت مدرسة حقيقية اكتسب منها مختلف صنوف العلم والمعرفة، بما كان يتداول فيها من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية. وقد عُرف عن سلمان الصغير أنه كثير الالتصاق بالعلماء والمفكرين والأدباء الذين كانوا يثرون تلك المجالس، كما التحق بمدرسة الأمراء، وهي المدرسة التي كانت تُعنى بمتابعة تعليم أبناء الملك المؤسس، حيث عُرف فيها بالجد والاجتهاد والذكاء، إضافة إلى قدرته على محاورة الآخرين رغم صغر سنه. وفي هذه المرحلة تبلورت أولى علاقته بالتاريخ، إذ درس الأدب والتاريخ، وأتم حفظ القرآن الكريم كاملاً. ومن يعرف الملك سلمان -حفظه الله- ويخالطه عن قرب، يدرك بسهولة عمق تكوينه المعرفي؛ فكثيرًا ما يستشهد في أحاديثه بالآيات القرآنية، وأبيات الشعر، والمقولات التاريخية، الأمر الذي يكشف عن شغفه المبكر بالمعرفة والتاريخ منذ نعومة أظفاره. التاريخ في وجدان الملك سلمان يحتل التاريخ مكانة رفيعة في وجدان الملك سلمان -حفظه الله- فقد أفرد له ركنًا خاصًا في قراءاته ومعارفه، الأمر الذي يكشف عن عمق شغفه وحرصه الدائم على توظيف التاريخ في الفكر والعمل. وقد وردت روايات عديدة عن حجم ما ينجزه -حفظه الله- من قراءات تاريخية. والحقيقة أنني كنت شاهدة على إحدى هذه الروايات وسمعتها منه شخصيًا في لقاء جمعني به أثناء مرافقته للأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- في أيامه الأخيرة بنيويورك. فقد دعاني الملك سلمان -حينها- للقائه بعد أن فرغ من قراءة كتابي الموسوم "حملة إبراهيم باشا على الدرعية"، وكان هذا في نهاية شهر سبتمبر 2011م، حيث ذكر لي أنه مقيم في الولاياتالمتحدة منذ نهاية شهر يونيو، وخلال تلك الفترة (ما يقارب ثلاثة أشهر) أنهى قراءة اثنين وأربعين كتابًا، وهو ما يعكس حجم شغفه الكبير بالقراءة والتاريخ. ومن دلائل شغف الملك سلمان -حفظه الله- بالتاريخ، ما أُطلق عليه من ألقاب عديدة ارتبطت بهذا الجانب من شخصيته. وقد حاولت حصر عدد منها من خلال ما ورد في سيرته وأخباره، أو ما نُشر حوله في المقالات الصحفية والدراسات البحثية، فضلًا عمّا يتناقله المؤرخون والمثقفون في محاضراتهم وندواتهم. ومن أبرز هذه الألقاب: عاشق التاريخ، ذاكرة الأسرة الحاكمة، أبو المؤرخين، شيخ المؤرخين، أمير المؤرخين، صديق المؤرخين، وأبو التاريخ السعودي، والملك المؤرخ. وهذه الألقاب مجتمعة لا تعكس مجرد أوصاف إعلامية، بل تعبّر عن إدراك النخب العلمية والثقافية لقيمة إسهاماته التاريخية وعمق شغفه بالتاريخ. التاريخ في رؤية الملك سلمان السياسية لقد تبلور وعي الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بأهمية التاريخ منذ وقت مبكر، وذلك لما اتسمت به شخصيته من عمق معرفي في مجالي الفكر والثقافة، ولما نشأ عليه من هوية واضحة ونهج أصيل يجمع بين التغيير والإبداع دون مبالغة. وقد ورث هذا النهج من والده الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأسرته الحاكمة العريقة. فالملك سلمان مولع بعقد المقارنات التاريخية ليستخلص منها الدروس والعبر التي تعينه على إدارة شؤون البلاد والمضي بها قدمًا، وهو لا يغفل أبدًا عن ما مضى من أحداث وتجارب، سواء ما يتصل بتاريخ أسرته وبلاده، أو ما شهده التاريخ الإسلامي والعالمي قديمًا وحديثًا. ففي خطاباته ومواقفه، كثيرًا ما يستحضر المراحل التاريخية لتطور الدولة السعودية، والأحداث المهمة في التاريخ الإسلامي والعالمي، إدراكًا منه لقيمة استلهام الماضي في توجيه الحاضر وصناعة المستقبل. وقد أكد مرارًا أن المعرفة التاريخية ضرورة لرجل السياسة، فهي التي تضمن له النجاح في أعماله واتخاذ قراراته. ومن هذا المنطلق حرص -أيده الله- على تثقيف نفسه وأبنائه ورجاله المقربين، إيمانًا بأن دراسة الماضي لا تنفصل عن حاضر الإنسان وما يتطلع إليه من مستقبل. ولعل من أبرز أقواله في هذا الصدد: "التاريخ جزء أساسي من حياتنا، ومن ليس له ماضٍ ليس له حاضر". كما أن الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- يربط دائمًا الجانب السياسي في حكمه بسياسة والده الملك عبدالعزيز -رحمه الله- فكثيرًا ما يستأنس بكلماته ويعي توجيهاته ونصائحه التي كان يوجهها إلى المواطنين، ويستشهد بأقواله وخطاباته، إذ تربى في كنفه وعاصر ستة ملوك عظام أسهم معهم في حكم البلاد، من خلال إدارته للعاصمة التي تعد المقر الرئيس للحكومة. وقد أكسبه هذا البعد التاريخي والتفاعل مع الحاضر تميزًا في قيادته وإدارته للبلاد. وتجلى ذلك في قراراته بعد توليه الحكم وتنظيمه لأركان الدولة بما يتناسب مع متطلبات المرحلة. وقد انعكست نظرته الواعية وقراءته المتأنية للتاريخ والواقع واستشرافه للمستقبل في ضرورة ضخ الدماء الشابة والطموحة في مؤسسة الحكم، وهو القرار الذي يعد بحق قراءة واعية للتاريخ فاستقرار الحكم ضمانة لاستقرار الوطن بما يحقق التوازن بين التجربة التاريخية والحاجة المستقبلية. وهذه المقاربة تشكل أحد أهم الأسس التي يقوم عليها علم التاريخ الذي استفاد من منهجه العلمي في سياسته الحكيمة. ولا عجب أن يسير الملك سلمان على نهج والده ويسير ابنه محمد على نهجه، من حيث التركيز على الأبعاد التاريخية لنشأة المملكة، والسعي لبناء الدولة بخطوات واضحة تحدد هويتها وثقافتها وتحافظ على تاريخها. فهذا يُعد أحد أهم المرتكزات في سياسته الوطنية لحكم البلاد، ويُعد من أبرز العوامل المؤثرة في تشكيل شخصية المملكة العربية السعودية كدولة إسلامية وعربية. التاريخ والتراث في سياسة قيادتنا الحكيمة: هوية وقوة ناعمة قال الملك سلمان بن عبد العزيز: "نُجدد ونتطور.. نعم.. ولكن لا ننسى تاريخنا وتراثنا الغني الذي نعتز به"، ومن هذه العبارة انطلقت مبادرة ثقافية مهمة، تمثلت في العناية الفائقة بتراثنا وتاريخنا بكافة جوانبه، لتشكيل هوية سعودية متميزة، تُستخدم أيضًا في السياسة كقوة ناعمة مؤثرة داخل المملكة وخارجها. ولا شك أن هذا النهج يتجلّى بشكل واضح ورائع في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين، حيث يحرص على تطويره عامًا بعد عام. فالملك سلمان يرى ضرورة استخدام التاريخ في تعميق وترسيخ الوحدة الوطنية، مؤمنًا بأن دراسة التاريخ وتدريسه بشكل جيد يشكل أداة مهمة لتعزيز الوعي الوطني وترسيخ الانتماء، فهو يعتبر التاريخ أداة دفاعية لمواجهة الأخطار الجسيمة والمؤامرات التي تحاك ضد الوطن، والتي يسعى أعداؤه من خلالها للإضرار بوحدته واستقراره. وبناءً على ذلك، فإن أي مواجهة لهذه الأخطار يجب أن تستند إلى معرفة تاريخية شاملة. كما أن التاريخ يلعب دورًا محوريًا في تكوين القيم والحوافز لدى الأجيال الناشئة ليعتزوا بتراثهم ووطنهم ويدركوا فضل وطنهم ومكانته. ولذلك تؤكد قيادتنا الحكيمة دائما على أهمية العمق التاريخي للحكم السعودي، وهذا ما جعل نهج الكتابة التاريخية السعودية سواء في التعليم العام أو في الأبحاث والدراسات التاريخية في السنوات الأخيرة يتجه نحو أهمية تأكيد هذا الجانب. ولا شك أننا كمؤرخين وباحثين في هذا المجال من أكثر الناس وعيًا بهذا الاتجاه التاريخي في سياسة الدولة في الفترة الأخيرة. وقد اتضح ذلك في استشهادات الملك سلمان وسمو ولي العهد بالواقع التاريخي للحكم السعودي في خطاباتهما ومقولاتهما التي تعكس هذا البعد التاريخي وتعكس المقاربات التاريخية التي من شأنها إعلاء قدر الدولة وزيادة اللحمة مع الشعب. وعلى الصعيد الخارجي، حرص الملك سلمان على أن تكون سياسة المملكة في مجال التاريخ دقيقة وموضوعية، مؤكدًا على أهمية مراجعة الكتابات التاريخية، والتقصي الجيد للحقائق باستخدام الأسلوب العلمي المحايد، بما يحفظ العلاقات مع الدول الأخرى، ويمنع التجريح أو الإساءة التي قد تضر بهذه العلاقات. وفي المقابل كان يحرص على عدم الإساءة لتاريخ المملكة سواء عن قصد أو عن غير قصد، فكان يشدد على مراجعة الإصدارات التاريخية لتفادي أي مغالطات قد يستغلها أعداء الدولة ضدها. ويعكس هذا الاهتمام وعيه وإدراكه الكبير لأهمية التاريخ في السياسة، ومدى تأثيره في علاقات الدول بعضها ببعض، مما يجعل التاريخ أداة استراتيجية لا تقل أهمية عن أي أداة سياسية أخرى. والحقيقة أن الملك سلمان كان وما زال واحدًا من أهم القامات التي تراجع الكتابات التاريخية وتقيمها وتصححها بنفسها. ونحن كمؤرخين نعلم ذلك جيدًا، فهناك العديد من القصص التي تروى عن محادثات مباشرة بينه وبين المؤرخين في هذا الجانب. الرياض في رؤية الملك سلمان التاريخية ومن الجوانب المهمة في مقاربات رؤية خادم الحرمين الشريفين التاريخية اهتمامه الخاص بتاريخ الرياض التي يعدها جزءًا مهمًا من حياته. فقد أوضح ذلك في إحدى مقولاته: "تاريخ الرياض جزء من حياتي... عايشتها بلدة صغيرة يسكنها بضعة آلاف من السكان الذين يمتهنون الزراعة والتجارة المحلية، وعاصرتها حاضرة عالمية كبرى تسجل حضورها في كل المحافل الدولية بمداد من العزة والفخر، إذ هي عاصمة المملكة العربية السعودية، وتمثل مركز قرار في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي". ومن هذا الواقع التاريخي المهم للرياض جاء اهتمام الملك سلمان بتاريخ الرياض؛ حيث تبنى عدة مشروعات بحثية تاريخية لتوثيق تاريخها، وحظيت هذه الكتابات بعنايته الشخصية والمتابعة المباشرة من لدنه. الملك سلمان.. صانع المؤسسات التاريخية وحارس الذاكرة الوطنية تعددت جوانب اهتمام وعناية الملك سلمان بالتاريخ والمؤرخين منذ فترة مبكرة، منذ أن كان أميرًا لمنطقة الرياض، وصولًا إلى يومنا الحاضر. ولعل أبرز جوانب اهتمامه بالتاريخ تتمثل في العناية وتطوير دارة الملك عبد العزيز، المصنع التاريخي للمملكة العربية السعودية، حيث شهدت الدارة بعد تولي الملك سلمان رئاسة مجلس إدارتها نقلة نوعية لتصبح الرائدة في توثيق التاريخ السعودي وحفظه وتطويره. كما أن الملك سلمان شغل منصب الرئيس الفخري للجمعية التاريخية السعودية تأكيداً لشغفه الكبير بهذا المجال، وقد تجاوز اهتمامه ودعمه ذلك إلى الجمعيات التاريخية خارج المملكة، مثل جمعية التاريخ والآثار الخليجية. كما تبنى الملك سلمان عددًا كبيرًا من الكراسي والمراكز البحثية التاريخية، من أبرزها مركز الملك سلمان لأبحاث ودراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها في جامعة الملك سعود، والذي يعد من أكبر وأهم المراكز في هذا المجال. كما كان من عنايته أن تبنى تأسيس الجوائز والمنح العلمية في مجال التاريخ والآثار، مثل: جائزة ومنحة الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها في دارة الملك عبدالعزيز وجائزة الملك سلمان العالمية في مجال تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها لرسائل الدراسات العليا في مركز الملك سلمان في جامعة الملك سعود. ومن جوانب اهتمامه -حفظه الله- بالتاريخ اثناء توليه إمارة الرياض، إنشاء واحدًا من أهم المعالم الحضارية والثقافية التاريخية في العاصمة، وهو مركز الملك عبد العزيز التاريخي، الذي يضم دارة الملك عبد العزيز، وقصر المربع، والمتحف الوطني. وكذلك عنايته بالدرعية التاريخية، وترميم قصورها وآثارها في الطريف وغيرها، حيث يشكل مشروع بوابة الدرعية-جوهرة السعودية أحد أكبر الإنجازات التاريخية التي تُحسب له في هذا المجال. المحافظة على التاريخ والتراث.. نهج مستدام من الأب إلى الابن إن ما يقوم به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو امتداد لمسيرة والده في هذا المجال، إذ كان المكون الثقافي للوطن بكافة جوانبه من أهم اهتماماته، فقد أولى اهتمامًا خاصًا بتاريخ المملكة وتراثها، وعمل على المحافظة عليه والاحتفاء به. ومن هذا المنطلق تبنى سموه عديداً من المبادرات والأفكار الجادة التي تعزز الاعتزاز بالماضي والفخر بالحاضر، دافعاً أبناء هذا الوطن لصياغة مستقبل يليق به وبتاريخه ومكانته. وقد برزت علاقة سموه بالتاريخ من خلال الوعي الثقافي العميق الذي تميز به، حيث اتسمت أحاديثه ومقابلاته الإعلامية برؤية ثقافية رفيعة في مجال التاريخ، وباطلاع شامل على التحولات التاريخية للبلاد، وفهم دقيق لطبيعة المكان الذي تحتله المملكة على الصعيد العربي والإسلامي والدولي، والدور المؤثر الذي تقوم به في المنطقة. كما أبرزت أحاديثه رؤية متكاملة للتاريخ بوصفه عنصرًا فاعلًا في الحاضر والمستقبل الذي يطمح إليه للبلاد تجلى اهتمام رؤية المملكة بالتاريخ والتراث من خلال تضمين هذا المجال ضمن أحد المحاور الثلاثة لرؤية 2030، وهو محور "مجتمع حيوي"، الذي يركز على الاهتمام بالتاريخ والتراث والمواقع الأثرية في المملكة، وإدراج بعضها ضمن مواقع اليونسكو العالمية. كما يعنى برنامج "تعزيز الشخصية السعودية"، أحد برامج الرؤية الرائدة، بتعزيز الهوية الوطنية وتصحيح الصورة الذهنية عن المملكة على الصعيد الخارجي، وكان التاريخ والتراث الحضاري للمملكة من أهم روافد هذا البرنامج لتحقيق أهدافه وطموحاته، التي رسمها له ولي العهد. كما تبنى سموه مبادرة برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة والذي يتضمن إنشاء 18 متحفاً في جميع مناطق المملكة، وتهيئة 80 موقعاً أثرياً، وإعادة ترميم وتأهيل 18 قرية تراثية، وافتتاح 17 مركزاُ للحرفيين. وفي هذا المجال، تدعم مسك "مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية"، بتوجيه من سموه، جهود تعزيز الهوية الوطنية للنشء، من خلال برامج وأنشطة ثقافية وتعليمية تركز على الجانب التاريخي، بالاستعانة بالخبراء وأساتذة التاريخ لإلقاء المحاضرات وتنظيم اللقاءات والفعاليات الثقافية للطلاب في المدارس والجامعات، بهدف تعميق معرفتهم بالتاريخ والحضارة. كما حرص سموه في هذا الإطار على دعم الجوائز الثقافية الوطنية، ومن أبرزها جائزة التراث الوطني، التي تهدف إلى تكريم الأفراد والمنشآت التي تسهم في الحفاظ على الإرث التاريخي للمملكة والتعريف به. ويتضح هذا الاهتمام أيضًا من خلال المشاريع والفعاليات التراثية التي تتبناها هيئة التراث في وزارة الثقافة، والتي تسعى لتحقيق أهداف الرؤية عبر وضع استراتيجية شاملة لتطوير وتنمية قطاع التراث بكافة فعالياته وأنشطته، كما شجع سموه الاستثمار في قطاع التراث وعمل على تسهيل السبل للمستثمرين فيه لتحقيق الأهداف المرجوة. وتتضح علاقة سموه بالتاريخ أيضًا من خلال نشاطه مع دارة الملك عبد العزيز، حيث شغل منصب رئيس مجلس إدارتها لفترة من الزمن، ما عزز جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في العناية بالتاريخ الوطني ونشر المحتوى التاريخي الموثوق. ومن أبرز معالم هذا الاهتمام، مبادرة تطوير الدراسات التاريخية التي تهدف إلى تطوير المدرسة التاريخية السعودية، والتي أطلقتها الدارة تحت رعاية سموه، وحملت اسم الأمير محمد بن سلمان لدعم تخصصات التاريخ وأقسامه في الجامعات السعودية، وتعزيز الجمعية السعودية التاريخية، والارتقاء بالدراسات التاريخية في جميع جوانبها. كما دعم سموه "مركز الملك سلمان للترميم والمحافظة على المواد التاريخية" في إطار عنايته بالإرث التاريخي للمملكة العربية السعودية. مشروعات كبرى لاستثمار التاريخ والتراث وفي إطار الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السعودية بالإرث الحضاري والتاريخي للمملكة، تتصدر عدة مشاريع كبرى هذا التوجه، من خلال استدامة الموروث التاريخي والثقافي العمراني، والتأكيد على أهميته باعتباره من عوامل الجذب السياحي العالمية ومصدرًا مهمًا للاقتصاد الوطني. وقد تبنت رؤية الأمير محمد بن سلمان عدة مشاريع في هذا الإطار، أبرزها مشاريع تطوير المدن التاريخية لتكون وجهات سياحية فريدة. ومن أهم هذه المشاريع مشروع جدة التاريخية، الذي يهدف إلى تحويلها إلى واجهة عالمية للثقافة والتراث. وقد أطلق ولي العهد مشروعًا خاصًا لإنقاذ بيوت جدة التاريخية، حيث تم حصر أكثر من 600 منزل بحاجة إلى الترميم والتأهيل للحفاظ على تاريخ المدينة العريق. حيث أطلق سموه مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية، بهدف تطوير المنطقة لتكون موقعًا حيويًا مبتكرًا تمتزج فيه عناصر الثقافة والتراث مع مقومات الحياة العصرية، ويكون مقصدًا لرواد الأعمال والمستثمرين للمساهمة في التنمية الحضارية والاقتصادية للمملكة. كما أطلق ولي العهد مشروعًا رائدًا آخر يُبرز اهتمامه بالتاريخ والموروث الحضاري، وهو مشروع تطوير المساجد التاريخية، حيث توجه سموه بتنفيذ مشاريع تطوير وتأهيل 130 مسجدًا تاريخيًا على مراحل متعددة في مختلف مناطق المملكة، مع الحفاظ على الهوية العمرانية الأصيلة لكل مسجد، وذلك ضمن برنامج إعمار المساجد التاريخية الذي تشرف عليه هيئة التراث بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الثقافة والجمعية السعودية للمحافظة على التراث. وبدعم وتوجيه من ولي العهد، أمر سموه بترميم المباني التراثية ذات القيمة المعمارية والتاريخية في وسط الرياض، والتي تشمل عشر قصور تراثية في حي الفوطة، إضافة إلى خمس قصور ملكية قديمة تتجاوز أعمارها السبعين عامًا. ويهدف هذا المشروع إلى المحافظة على المباني التراثية، وإبراز الهوية المحلية، وتحويلها إلى مورد اقتصادي واجتماعي وثقافي وسياحي، وربطها بذاكرة وتاريخ الرياض. وفي إطار استغلال كنوز المملكة التاريخية والأثرية لتحقيق رؤية 2030، تأتي العلا في مقدمة هذه الكنوز، حيث تم إعادة المنطقة إلى واجهة التراث العالمي، واستغلال آثارها العظيمة في مشروع خاص، بعد أن تولى سموه وضع رؤية تطوير العلا في بدايات عام 2019، وأسس الهيئة الملكية لمحافظة العلا للتعبير عن أهميتها والحفاظ عليها. كما يُعد مشروع بوابة الدرعية، الذي يترأس ولي العهد مجلس إدارتها منذ تأسيسها في يوليو 2017، من أكبر المشاريع التراثية والثقافية في العالم. ويهدف المشروع إلى تطوير الدرعية التاريخية لتستقبل أكثر من 25 مليون زائر سنويًا، ليصبح أحد أبرز مخرجات رؤية المملكة وأهم التطلعات الطموحة لولي العهد، لتصبح الدرعية جوهرة المملكة واجهة سياحية وثقافية وتعليمية وترفيهية عالمية. إن ما يقوم به ولي العهد في المجال التاريخي هو امتداد لمسيرة خادم الحرمين الشريفين، ونقله من الفكرة الى التطبيق والمشاريع سالفة الذكر تعكس هذا التوجه وتؤكد اهتمام رؤية المملكة بالتاريخ والتراث كعنصر مهم من عناصر هوية الوطن وتقدمه. وقد عبّر سموه عن هذا الارتباط بالتاريخ في إحدى لقاءاته الإعلامية قائلًا: "تعلمت من والدي الكثير من الاشياء، ودائمًا كان يقول لي: إذا قرأتم تاريخ ألف عام سيكون لديكم خبرة ألف عام". وتلك المقولة تلخص العلاقة العميقة للأمير الشاب بالتاريخ، التي أكسبته خبرة واسعة وشكلت شخصيته القيادية