من نافذة الطائرة التي توجهت بنا من مطار الملك خالد بالعاصمة الرياض إلى مطار دمشق الدولي مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية؛ نظرت إلى دمشق وقد صارت على مرمى البصر، فكانت الغيمات في سمائها كبالونات كرنفال صيفيّ. شعرت بالياسمين الدمشقي يطوّق ذاكرتي وحواسي، ونافورة الماء الدمشقية تتراقص قطراتها في مخيلتي كنفحات دافئة من أرض الديار التي عشنا حكاياتها وقصصها أطفالاً حتى كبرنا نحفظ دروبها شارعاً شارعاً وحاراتها القديمة وأسواقها العريقة. مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية هذه المرة كانت بوصلته سوريا الشقيقة لتدشين جملة من الأعمال الإنسانية والإغاثية وتوقيع مشاريع تدعم الشعب السوري برفقة مجموعة من رجال الأعمال السعوديين. لم تكن الجولة عبر موكب القادمين من الرياض في دمشق وريفها سهلة أبداً.. فبين ركام المنازل وغبار الإسمنت المطحون كان يدندن في رأسي ما كتبه المبدعون من قصائد ونثر فيها.. قام نزار قباني من مثواه لينشد قصائده.. كلمات غادة السمان كأجراس تقرع.. نثرها تحول نوتة موسيقية وحنينها لدمشق أصبح طوق ياسمين.. وأنا ما بين هذا وتلك يوجعني ما رأيت.. هذه المرة على مسرح الحقيقة وليس شريطاً أخبارياً على شاشات الأخبار.. كان سجن صيدنايا وصمة عار.. وشماً لن يزول سريعاً عن خاصرة المدينة الموجوعة وجبين من صنعه وشارك فيه. لكن من يغلب بالأمل ورغم فداحة ما حدث إلا أن السوريين مضوا في حياتهم.. الشوارع مزدحمة بهم سواء الذين يستخدمون مركباتهم القديمة أو دراجاتهم أو حتى أولئك الذين يتنقلون مشياً على الأقدام تظهر على وجوههم الشاحبة فرحة النصر وأمل إعادة البناء، صارت أمانيهم أجنحة ومأساتهم تحولت حماساً ودافعاً للبناء. الأحداث والفعاليات التي أشرف عليها مركز الملك سلمان وشهدناها في رحلة اليوم الواحد كمتطوعين وكتاب رأي وأدباء ورجال أعمال كانت تجربة استثنائية تنقي الروح وتطهر القلب وتضعنا على خارطة سوريا الجديدة، وقفة المملكة العربية السعودية واحتضانها للشقيقة المكلومة الخارجة من دوامة الحرب ودورها العظيم في رفع العقوبات الدولية عنها وفزعتها والكرام من رجال الأعمال للمساهمة في إعادة البناء، ثم فريق الأطباء الذي يقوم بإجراء عدد من العمليات الجراحية على أرض سوريا كل ذلك الجهد الكبير لاحتضان الشقيقة سوريا للخروج من نكبتها. عدنا للرياض نحمل تفاصيل زيارة سريعة قد تتحول إلى قصائد أو مدونات نثرية أو مقالات تصل لمن يتوق أن يسمع أخبار سوريا التي لها مكانة كبيرة لدى السعوديين بالذات، سمعت قصصاً قصتها قلوب الأحبة قبل ألسنتهم ورأيت ذكريات برقت في أعين الصحافيين والكتاب الذين كانت لهم ذكريات في سوريا قبل وأثناء الحرب والآن دخلوها آمنين مع قوافل المحبة من مملكة الخير التي بادرت بالمعونات الطبية والدوائية والغذائية وطواقم من الأطباء. وخاتمة اللقاء الصورة المعبرة من الموزاييك التي أهداها وزير الطوارئ السوري باسم الشعب السوري لمعالي مستشار خادم الحرمين الشريفين د. عبدالله الربيعة والتي تحمل الكثير من معاني الحب، كذلك هدية الرئيس أحمد الشرع للمتطوعين والزوار صاحبها كلمات جميلة ومعبرة ستبقى تذكاراً. كذلك ختمت جوازات سفرنا بختمين ختم مضاف لختم الجمهورية السورية الذي يحمل سمة الدولة ووقارها وآخر يعبر عن ترحيبها العميق بالزوار من المملكة. قلوبنا مع سوريا الحرة، وأمنياتنا لها أن تزهر بالأمن والعلم وأن تكون منبعاً صافياً للغة العربية التي لطالما عرفت بفصاحة أهلها.