في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، حيث تتشابك الأزمات وتتزاحم التحديات، يبرز مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية كجسر يربط بين الألم والأمل. شهد السوريون خلال هذا الأسبوع إطلاق حملة كبرى لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، تضمنت تدشين حزمة واسعة من البرامج الإغاثية والتطوعية في جميع المجالات، لتشكل علامة فارقة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ سوريا. ولعل الأثر الأعمق لهذه الخطوة أنه يعيد رسم ملامح المستقبل، عبر مبادرات ومشاريع تعيد للحياة دورتها الطبيعية، وللإنسان السوري كرامته واستقراره. مرة أخرى يؤكد مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أنه نافذة أمل للمحرومين، وبشارة خير، وذلك من واقع الأعمال الكبيرة التي ينفذها في أكثر من 108 دول، كان فيها بلسمًا يداوي الجراح، ويدًا حانية تمسح الألم، وتوفر معينات الحياة، وتطمئن القلوب بأن القادم من الأيام سيكون أفضل بإذن الله، ما دام في هذه الأمة أشخاص امتلأت قلوبهم بالخير واختصهم الله بقضاء حوائج عباده وسخرهم لزرع البسمة على وجوه أرهقتها الأزمات والكوارث. وقد حظيت بشرف مرافقة معالي المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور عبدالله الربيعة، يرافقه عدد كبير من المانحين السعوديين والإعلاميين والمتطوعين، وكنت حاضرًا مراسم تدشين وتوقيع عدد من البرامج والمشاريع الإغاثية والإنسانية والتطوعية، وتسيير جسر إغاثي بري يعكس حجم الالتزام السعودي تجاه الشعب السوري. وكما يقولون: «ليس من سمع كمن رأى»، فقد رأيت بعيني كيف أن المركز اكتسب مكانة غير مسبوقة، وصار مجرد ذكر اسمه مدعاة للتفاؤل، كما يحظى منسوبوه بمستوى عال من الثقة والموثوقية. وإن كانت الزيارة قصيرة بمقياس الزمن فإنها تظل تاريخية بكل المقاييس، لما تحقق فيها من إنجازات كبرى ستغير واقع السوريين إلى الأفضل. فقد تم التوافق على تنفيذ 61 مشروعًا ذا أولوية ملحة تشمل قطاعات الأمن الغذائي، الصحة، الدعم المجتمعي، المياه، والإصحاح البيئي، إضافة إلى إعادة تأهيل الطرق في دمشق وريفها، وترميم 34 مدرسة في محافظات حلب وإدلب وحمص، وتجهيز 17 مستشفى بالأجهزة الطبية المنقذة للحياة. كما شملت الاتفاقيات مشاريع لرعاية وتمكين الأيتام يستفيد منها ألف طفل و400 امرأة، وتأمين 454 جهاز غسيل كلوي متطورا بمستلزماتها لخدمة قرابة 52 ألف مريض، إضافة إلى إعادة تأهيل نحو 60 مخبزًا وخط إنتاج للخبز، وصيانة شبكات الصرف الصحي وآبار مياه الشرب في دمشق. حتى إزالة الأنقاض لم تكن غائبة عن المشهد، حيث تم الاتفاق على مشروع لإزالة أكثر من 75 ألف متر مربع من الأنقاض المنتشرة في الطرقات والمرافق العامة لتسهيل حركة السكان في العاصمة دمشق وريفها. كل هذه المشاريع تؤكد أن السعودية لا تقدم مجرد مساعدات، بل حلولًا متكاملة تعيد الحياة إلى طبيعتها. ولم يتوقف الدعم عند حدود الإغاثة العاجلة، بل امتد إلى الجانب السياسي والاقتصادي. فمنذ أن تخلصت سوريا من النظام البائد، بادرت المملكة إلى مد يد العون. وفي مايو الماضي استطاعت الدبلوماسية السعودية إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خلال زيارته إلى الرياض بإسقاط العقوبات المفروضة على سوريا، والتي استمرت 46 عامًا، وبعد أسبوع واحد اتخذ الاتحاد الأوروبي نفس الخطوة، مما أتاح للاقتصاد السوري فرصة لالتقاط الأنفاس. تلا ذلك تعزيز الاستثمارات المشتركة، حيث شهدت دمشق انعقاد «منتدى الاستثمار السعودي السوري» الذي أسفر عن توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بإجمالي استثمارات تجاوز 24 مليار ريال، وأبدى أكثر من 500 من قادة الأعمال السعوديين رغبتهم في الدخول بمشاريع مشتركة، وهو ما يشكل نقلة نوعية تعكس حرص المملكة على الانتقال من مرحلة الإغاثة إلى مرحلة التنمية المستدامة. وعندما تبادر السعودية بدعم السوريين فإنها تنطلق من العلاقات الوثيقة التي تجمع الشعبين الشقيقين، وهو ما عبر عنه الدكتور عبدالله الربيعة خلال الزيارة بكلمات صادقة قال فيها: إن سوريا لم تغب لحظة عن وجدان السعوديين. فقد شهدت العقود الماضية دعمًا مستمرًا في مختلف المجالات، سواء باستضافة السوريين في المملكة ومنحهم حقوق التعليم والرعاية الصحية المجانية، أو من خلال تسيير القوافل الإنسانية إلى الداخل السوري ومخيمات اللاجئين في دول الجوار. وقد لقيت هذه الخطوات ترحيبًا واسعًا من الجانب السوري، حيث أشاد وزير الطوارئ رائد الصالح بالدعم السعودي مؤكدًا أنه ساعد السوريين على الصمود خلال السنوات الماضية، وأن التعاون مع مركز الملك سلمان يسهم في بناء وطن آمن ومستقر يليق بتضحيات أبنائه. إن ما يقدمه مركز الملك سلمان هو امتداد لنهج المملكة المتجذر في مد يد العون لكل محتاج، وهو نهج عززه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - فأصبح جزءًا أصيلًا من هوية المملكة ورسالتها الحضارية. واليوم نرى أن العمل الإنساني لم يعد مجرد مبادرة ظرفية، بل إستراتيجية مؤسسية متكاملة تركز على تنمية الإنسان وتمكين الأجيال المقبلة وتغيير واقعها إلى الأفضل. وهكذا تؤكد المملكة مرة أخرى أنها لا تكتفي بالتعاطف، بل تبادر بالفعل، وتترجم مبادئها الإنسانية إلى مشاريع ملموسة تعيد الأمل وتفتح آفاق المستقبل.