عندما كتبت عن العلامة أمين الريحاني في العدد الماضي وذكرت أن هاشم الرفاعي -رحمه الله- كان يساعد الريحاني في كتابة سيرة الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- تلك الليالي التاريخية التي كانت في الرياض 1922م، وكان الرفاعي يسمعها ويدونها عضداً لصديقه الريحاني، وقد حضر مؤتمر العقير كما ذكر الريحاني في (تاريخ نجد)، وأورد اسمه في كتابه (ملوك العرب)، المقصود أن الرفاعي قد عمل عند الملك المؤسس منذ وقت مبكر، وكنت قد سمعت من المؤرخ يعقوب الرشيد الدغيثر -رحمه الله- ثناء وإطراء له، وأن مذكرات طبعت في بغداد، وأنها من أحسن المذكرات، وقد نشرت أخيراً وكانت الطبعة الأولى عام 1358ه، 1939م بعدما ترك ديوان الملك المؤسس. وُلد هاشم بن أحمد الرفاعي بدولة الكويت 1885م، وعاش حياته وشبابه في الكويت، وذكر د. عبدالرحمن الشبيلي في مقالة له عن الرفاعي أنه زامل الملك عبدالعزيز في إحدى «كتاتيب الكويت» عندما كان الملك مع والده الإمام عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله- وكان مستقراً فيها، ذكر هذا في كتابه (أعلام بلا إعلام)، وقد كتب الباحث المتمكن يعقوب الإبراهيم مقالة ثرية عن الرفاعي في حلقتين في صحيفة «القبس» الكويتية، حيث يقول: كان يزور ديوان الإمام عبدالرحمن الفيصل بالكويت، وكان والده من وجهاء الكويت، وكان شخصيتنا وحيد والده فلم يرزق بذرية سواه، لهذا كما يذكر الإبراهيم كان ديوان والده مرتاداً للزوار من أمراء وشيوخ وأعيان وعلماء، ووالده كان ملماً بالعلوم الإسلامية ومتدين، فكان هذا الديوان رافداً لشخصيتنا على التعرف على هؤلاء الجمع والنخبة الكويتية وغيرهم. سيد الدانة تعلم هاشم الرفاعي -رحمه الله- في الكويت، ثم أرسله والده إلى البصرة وتلقى التعليم هناك في المكتب الرشدي 1908م، ثم أكمل الإعدادية ببغداد، ولم تطل مدة الدراسة في بغداد، حيث أصيب بمرض ولم يشف منه، ونُصح والده بأن أجواء بغداد لا تلائم ابنه فرجع الكويتمسقط رأسه، وبعد ذلك توفى والده فجأة في بغداد، لهذا اعتمد شخصيتنا على نفسه، حيث عمل بالتجارة مع أخ له من أمه بالكويت، وسافر إلى اليمن والهند بغرض التجارة ثم انفصل الإخوان فيما بعد. وجرب الرفاعي الغوص لاستخراج اللؤلؤ واشترى سفينة ثم اقترض من أحد أصدقائه مبلغ ألف روبية تكاليف السفينة وبحارتها، وأبحر في مغاصات الخليج العربي وتحصل على حصيلة لا بأس بها من اللؤلؤ وباعه بمبلغ جيد في وقته، ثم كانت المفاجأة المفرحة عند مغاصات القطيف، حيث استخرج بحارته لؤلؤة ثمينة جداً باعها على التاجر الشهير هلال المطيري -رحمه الله- بخمسين ألف روبية، ومن ذلك الوقت لقب شخصيتنا «سيد الدانة»، وهذا يذكرنا بتاجر اللؤلؤ الكريم ابن مدعج العازمي -رحمه الله- الذي كاد أن يفلس من الغوص حتى رزقه الله بدانة باعها بثمانين ألف روبية، وضرب بها المثل، وقد روي قصته هذه في تلفزيون دولة الكويت في لقاء ومع رواة وشعراء 1964م، ونشرها الباحث الكويتي طلال الرميضي في كتابه (من أعلام قبيلة العوازم في الغوص)، وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى كسدت تجارة اللؤلؤ وتوقف الرفاعي عن هذه التجارة. موظف بالديوان وذكر د. عبدالرحمن الشبيلي -رحمه الله- في كتابه (أعلام بلا إعلام) في سيرة هاشم الرفاعي أن وكيل الملك المؤسس -رحمه الله- بالكويت عبدالله بن حمد النفيسي هو الذي دعاه إلى أن يكون أحد موظفي الملك المؤسس، فأصبح من موظفي الديوان ونال ثقة الملك المؤسس، وكلفه بعدة مهام وأمور كبيرة، فكان أفضل قيام، والرفاعي رجل ذكي سريع التعلم والفهم والاستيعاب يجيد المفاوضة بأسلوب دبلوماسي مبهر ومتقن للإنجليزية. وبرز شخصيتنا في ديوان الملك بدليل أن المؤسس أصطحبه إلى مؤتمر العقير، وكانت هي أول المهام؛ لأنه لما استدعى ليكون موظفاً في ديوان الملك كان اللقاء مع الملك في الأحساء وكان ذلك متزامناً مع حضور مؤتمر العقير فكانت فرصة ذهبية وثرية، وهذا المؤتمر عقد من أجل تحديد الحدود بين سلطنة نجد وملحقاتها وبين الكويتوالعراق، والمراجع والمصادر كلها كتبت عن هذا المؤتمر، ولعل أولهم من الشخصيات العربية العلامة أمين الريحاني الذي كان حاضراً هذا المؤتمر وقد أورد هذا في كتابه (تاريخ نجد الحديث). امتياز النفط ومن المهام التي تولاها هاشم الرفاعي -رحمه الله- مهمة التفاوض بتمثيل الحكومة في موضوع امتياز النفط، وكانت الجهة الأخرى التي تفاوض الميجر هولمز، وكان هذا الأخير حريصاً على امتياز النفط أي التنقيب عنه، واستمرت المفاوضات سنة تقريباً، وكان لديه تأني وكان يدرس الاتفاق دراسة عميقة لما فيه صالح حكومته، وكان يتردد بين البصرةوالرياض، حتى يعرض على الملك المؤسس ما استجد، ثم بعد أن يأخذ توجيهاته، وكان يساعده في هذه المفاوضات عبداللطيف المنديل وكيل الملك عبدالعزيز في البصرة، وكانا يدرسان الاتفاقيات ويتناقشان فيها وكلاهما ذو عقل مستنير ومخلص وأمين وصادق لحكومة الملك عبدالعزيز، وتعرف شخصيتنا بالعلامة أمين الريحاني وصارت بينهما صداقة إبان وجوده في الرياض وقد شهدا مؤتمر العقير. رفيق السفر يقول الريحاني عن الرفاعي في كتابه (ملوك العرب): زارني في اليوم التالي أديب من الأدباء شاءت الأقدار أن يكون رفيقي في السفر وعشيري في الرياض، فعرفت فيه العربي الحر ابن القفار والبحار، ثم قال: إنه جاء البصرة في مهمة رسمية، فزارني يوم كنت والحق في حاجة شديدة إلى زيارة مثله، حيث حدثني السيد هاشم، فأزال ما يخامرني من خوف في السفر إلى نجد «انتهى كلامه». رحل إلى نجد والتقى بالملك المؤسس، وقد كان لشخصيتنا مساهمة في مؤتمر الكويت عام 1923م، وكان من ضمن الوفد السعودي مع المستشار والدبلوماسي حمزة غوث، والدبلوماسي المستشار والمؤرخ حافظ وهبة، ود.عبدالله الدملوجي، وكذلك عبدالعزيز القصيبي كأعضاء في حكومة الملك المؤسس -رحمه الله-، وشارك في المؤتمر وفود من العراق ومن إمارة شرق الأردن. أمانة ودقة وكُلّف هاشم الرفاعي -رحمه الله- بتنظيم جمارك الأحساء وعمل معه خالد الفرج الذي أصبح فيما بعد مديراً لبلدية القطيف وكلاهما من دولة الكويت، كان مثالاً للأمانة والدقة والقوة الإدارية الحازمة، ففي هذه المسؤولية تتطلب شخصية إدارية ومالية وبالذات المالية، فالجمارك مصدرها المال، لذلك كان شخصيتنا دقيقاً في هذا الجانب الحساس، وقد أثبت كفاءته في الجمارك وقدرته على تنظيم العمل المالي المحاسبي، طبعاً هو مسؤول عن المنطقة الشرقية أي جماركها قبل تأسيس ميناء الدمام، وكان الميناء الرئيسي العقير، وفي عام 1925م استقال من عمله هذا ورجع إلى دولة الكويت. أخطر وأقسى ويقال إن هاشم الرفاعي -رحمه الله- راودته فكرة إصدار صحيفة بالعاصمة الرياض إبان عمله في ديوان الملك عبدالعزيز، ولو فعل لكان أول شخصية تصدر في العاصمة، وبهذا يستحق الريادة الصحفية، وذكر الباحث يعقوب الإبراهيم أن شخصيتنا أول صحفي كويتي. ونقرع للصحافة العراقية حيث أسس جريدة البصرة اليومية عام 1934م وتوقفت عن الصدور في عام 1937م، كتب الكثير من المقالات النقدية التي تسلط الضوء على كل ما شأنه يعالج أمراضاً اجتماعية وعيوباً ظاهرة لا بد من نقدها وطرح الدواء لها، فضلاً عن النقد السياسي، وقد جلبت هذه الآراء المشاكل والمتاعب، ويصور شخصيتنا هذا قائلاً: إن صفقتي الخاسرة في سوق القلم لو اقتصرت على عدم الربح المادي وحسب لهان الأمر، بيد أن بلاء يهون عنده كل بلاء في هذه المهنة ملازمة الظل، فهو رفيقي، حيث اتجهت وأخي أينما كنت، وأنه بلاء أعظم وأخطر وأقسى من بلاء، الصراحة كما ابتليت بداء الكتابة تضاعفت نكبتي «انتهى كلامه». جمعية للعمال وكانت الصراحة هي ديدن هاشم الرفاعي -رحمه الله-، بل هي طبع من طباعه، وخلق ثابت من أخلاقه، فهو ذو مبادئ وقيم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتزحزح عنها أو يحيد عنها مهما كلف الأمر، وقد كلفه ذلك الكثير، ولعشقه للصراحة وقول الحقيقة أطلق على صحيفته «الصراحة»، وطلب امتيازها من إدارة المطبوعات بالبصرة، لكن طلبه قوبل بالرفض، ويذكر الباحث يعقوب الإبراهيم أن سبب الرفض هو أن شخصيتنا قد دخل إلى مدير المطبوعات، وكان قد أشعل سيجارة، فغضب المدير وطلب منه الخروج من مكتبه، مع أن الأمر لا يستحق ذلك الغضب وبإمكانه أن يأمره بإطفاء السيجارة، وأبت نفس شخصيتنا الرجوع مرة أخرى لهذا المدير المتشنج، وشخصيتنا فيه عزة نفس، لهذا كبر عليه أن يعتذر، لعلمه أنه لم يخطئ خطأ يستحق الاعتذار. كانت الصحافة هي القلم والصديق الصدوق والرفيق الوفي لشخصيتنا، وقد تخلى عن وظيفته مع الملك المؤسس مع أنها وظيفة مرموقة وكبيرة راتبها جيد ومغري، ولو استمر لنال المراتب العليا والمغريات المادية وقد كتب آلاف المقالات كما يروي ذلك في ذكرياته. وأسس الرفاعي دار نشر مع جاسم حمد الصقر لإصدار جريدة الناس عام 1947م، وأسس جمعية للعمال تدافع عن حقوقهم في مدينة البصرة، وقد كانت هذه الجمعية أول جمعية في البصرة يؤسسها شخصيتنا، واستفاد منها العمال من حيث المطالبة بحقوقهم أمام الشركات والمؤسسات، وهو بهذا نال الريادة في تأسيس هذه الجمعية العمالية البصرية. مروءة وشهامة وكان هاشم الرفاعي -رحمه الله- لديه حماس خلقي، فهو ذو مروءة وشهامة لا يتوانى في إعانة أي محتاج أو ملهوف ومكروب وبائس، بل إنه لا ينتظر من أصدقائه سؤال الحاجة والاضطرار، بل يبادر بتفقد أحوالهم، خاصةً أهل الأدب والكلمة، فهو يرعاهم وينفق عليهم برحابة صدر وأريحية وطيبة نفس، كان يؤثر أصدقائه وذوي الحاجة الماسة على نفسه، والدليل على ذلك أنه حينما رحل عن دنيانا لم يكن يملك من المال شيئاً مذكوراً، فلقد بدد ماله في مكارم الأخلاق وكأني أسمع شخصيتنا يتمثل بأبيات حاتم الطائي حينما عاتبته زوجته نوار عندما ذبح فرسه لقومه بعدما أصابهم مجاعة، يقول حاتم: مهلاً نوار، أقلي اللوم والعذلا ولا تقولي لشيء فات ما فعلا؟ ولا تقولي لمال كنت مهلكه مهلاً وإن كنت أعطي الجن والخبلا يرى البخيل سيل المال واحدة إن الجواد يرى في ماله سيلا إن البخيلَ إذا ما مات يتبعه سُوءُ الثّناءِ ويحوي الوارِثُ الإبِلا فاصدقْ حديثك إن المرء يتبعه ما كان يَبني إذا ما نَعْشُهُ حُمِلا لَيتَ البخيلَ يراهُ النّاسُ كُلُّهُمُ كما يراهم فلا يقرى إذا نزلا لا تعذليني على مال وصلت بهِ رحماً وخير سبيل المال ما وصلا وما موقفه من أهالي الزبير حينما شحت مياه الآبار وأصبحوا يشربون من مياه ملوثة وانتشرت الأمراض إلاّ أن لبى استغاثتهم، وقابل فيصل بن الحسين -ملك العراق- وكلمه في شأن أهالي الزبير فاستجاب لطلبه ومدت المياه لأهالي الزبير، وهذه فكرة جليلة ومنقبة عظيمة لشخصيتنا -رحمه الله وغفر له-، وقد توفى الرفاعي في عام 1950م. جرّب الرفاعي الغوص لاستخراج اللؤلؤ وتحصل على حصيلة لا بأس بها المؤرخ والباحث يعقوب الإبراهيم د. عبدالرحمن الشبيلي عبدالله النفيسي وكيل الملك المؤسس بالكويت عبداللطيف المنديل وكيل الملك المؤسس بالبصرة إعداد- صلاح الزامل