لقد ظلت معضلة تحسين المناخ قضية حساسة تستحوذ على اهتمام وحرص الحكومة نظرًا لأنها تشكل حجر الزاوية في رؤية المملكة 2030 التي رسمت معالم الحراك الإيجابي نحو هذه القضايا البيئية الشائكة التي ليست قضية محلية فحسب بل مسئولية تشارك بها المملكة دول العالم قاطبة، لذلك وعيًإ لدورها وإدراكًا لمسؤوليتها في مكافحة التغير المناخي، تعهدت المملكة بالتزامات مهمة للتحول سريعًا إلى الاقتصاد الدائري للكربون ومساعدة البلدان الأخرى على تعزيز جهودها في العمل المناخي، حيث تلعب المملكة دورًا محوريًا في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ وتحقيق الحياد الصفري للكربون. لذا خطت المملكة خطوات واسعة وحثيثة في صناعة انتاج الميثان للحد من انبعاثاته المسببة للتغير المناخي والمعبر عن التزامها بالمساهمة في خفض انبعاثات الميثان العالمية بنسبة 30 % بحلول عام 2030 كجزء من طموحاتها لبناء مستقبل أكثر نظافة واستدامة للطاقة. وتفخر المملكة بكونها جزءًا من التعهد العالمي بشأن الميثان والذي يمثل خطوة مهمة لخفض الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري. كما أن المملكة تسعى جاهدة في إنتاج وصناعة الهيدروجين الأخضر للنظر إليه على أنه مطلب عالمي متزايد باعتباره جزءًا أساسيًّا من معادلة تحول الطاقة لفك الكربون عن القطاعات الأكثر صعوبة كجزء من عمل الاطار التعاوني الدولي لتحولات الطاقة حيث يشكل أساسًا متينًا لبناء مستقبل صناعة الطاقة الصديقة للبيئة، إذ يبدو واضحًا أن الهيدروجين يقود ثورة الطاقة المتجددة في ضوء الدور المحوري الذي يلعبه لتحقيق الحياد المناخي مما يستلزم سرعة توسيعه ومساهمته الطويلة الأجل في جهود إزالة الكربون من الكوكب الأرضي. وستنشيء صناعة الهيدروجين وتدفقات الاستثمار أنماطًا وتحولات جديدة من الترابط في العلاقات الثنائية مع بعض البلدان التي لديها وفرة من الطاقة المتجددة المنخفضة التكلفة لأن تصبح منتجة للهيدروجين الأخضر، كما يمكن للهيدروجين أن يكون وسيلة جذابة لمصدّري الوقود الأحفوري للمساعدة في تنويع اقتصاداتها ويعتبر دعمًا لتطوير صناعة الطاقة المتجددة وصناعة الهيدروجين الأخضر في البلدان السريعة النمو كالمملكة كحل حاسم لتحرير وفك الكربون عن نظام الطاقة الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تحسين المناخ وجودة الحياة، وسيكون التعاون الدولي ضروريًا لإيجاد سوق لصناعة الهيدروجين تتسم بالشفافية مع معايير وقواعد متماسكة تسهم في جهود تغير المناخ بصورة مجدية،. وما دمنا بصدد الحديث عن الصناعة وما حققته ووصلت إليه في السنوات الأخيرة فإن المعادن هي أحد الثروات التي حباها المولى جل وعلا لهذه المملكة السعيدة الخيِّرة الآمنة المطمئنَّة بجانب الثروات النفطية والغازية والسمكية والحيوانية والزراعية، وهذه الثروات المعدنية الثمينة مخزونة في باطن أراضهيا وصخور جبالها وأغوار بحارها والتي جعلتها تتبوأ مكانة علية وتنال شهرة واسعة مما جعل قطاع التعدين إلى جانب القطاعات الأخرى بالمملكة يسهم إسهامًا حيويًا بارزًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتطوُّر الصناعي بالمملكة. ويوجد الكثير من تلك الثروات الثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين والزنك والبوكسيت والنحاس والكوبالت الفوسفات والرصاص والقصدير والألومنيوم والحديد والنيكل والكروم والبوتاس وغيرها من المعادن والحجر الجيري، هذا إلى جانب الرواسب الأرضية النادرة في الدرع العربي غرب المملكة التي تحتوي على المزيد من العناصر الأرضية النادرة والمعادن الانتقالية الثمينة، ومن هنا نلاحظ أن أراضي المملكة تزخر بفضل الله بالكثير من الثروات المعدنية النفيسة التي تدخل في صناعة الكثير من المعدات الصناعية التي لا يمكن حصرها أو تحديدها. وتأتي أهمية التعدين استشعارًا من المملكة بأهمية قطاع التعدين وتأثيره في الانتعاش الاقتصادي، وأثره الكبير في مستقبل العديد من الصناعات التي تمثّل أولوية كبيرة وذلك بالعمل على إبراز الإمكانات الكبيرة والمجالات الواعدة في صناعات التعدين والمعادن التي تنعم بها المملكة وتتمتع منها بموقع إستراتيجي متفرد بين مناطق الشرق الأوسط، وغرب ووسط آسيا، وقارة أفريقيا. إن ما عمل من أنظمة وتشريعات حول قطاع التعدين بالمملكة سيسهم بلا شك في نمو هذا القطاع وجذب الاستثمارات النوعية له، بدءًا بنظام الاستثمار التعديني الجديد الذي يتميز بالشفافية العالية ويسهم في تعزيز وتنمية المجتمعات، وتقليل الآثار على البيئة وحمايتها، وتحفيز الصناعات المرتبطة بالمعادن، ووصولًا إلى تحقيق بيئة محفزة تراعي احتياجات الاستثمارات التعدينية التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة، ورؤية استثمارية طويلة، وحاجة لثبات الأنظمة والتشريعات، ووضوح السياسات المالية بما يضمن تقليل المخاطر لهذا النوع من الاستثمارات، ويكون قادرًا على إحداث التأثيرات المطلوبة منه. ومن المعروف أن وزارة الصناعة والثروة المعدنية - في سبيل تحقيق مستهدفاتها بقطاع التعدين - قد حققت العديد من المكتسبات لعل من أبرزها بدء العمل بنظام الاستثمار التعديني الجديد، وتدشين منصة «تعدين» الإلكترونية، لتوفير البيانات الجيولوجية وتيسير إجراءات إصدار الرخص التعدينية وإطلاق قاعدة البيانات الوطنية لعلوم الأرض والبدء في تنفيذ مشروع المسح الجيولوجي العامّ الذي يغطي 600 ألف كيلومتر مربع وإطلاق مبادرة الاستكشاف المسرّع لإجراء المسوح وتقييم مواقع المعادن الإستراتيجية واستكشاف وتطوير مناطق المعادن الواعدة وتأسيس شركة لخدمات التعدين بهدف الارتقاء بالخدمات المقدّمة للقطاع وتعزيز قدراته التنافسية وتحقيق متطلبات الامتثال والاستدامة. وفي هذا السياق ورغبة من المملكة أن تكون السباقة والمنافسة في سباق العالم نحو صناعة الطاقات المتجددة والنظيفة وتحسين المناخ فقد أطلقت وزارة الطاقة حديثا مشروع المسح الجغرافي لمشروعات الطاقة المتجددة في المملكة والذي يُعَدُّ الأول من نوعه عالميًا، وذلك حينما أعلن صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة إطلاق مشروع المسح الجغرافي لمشروعات الطاقة المتجددة في المملكة، حيث أُسندت عقود تنفيذ المشروع إلى شركات وطنية لتركيب 1200 محطة لرصد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في جميع مناطق المملكة، وهذه المحطات ستعمل على مسح المساحات المحددة في جميع مناطق المملكة في المرحلة الأولى من أجل تحديد المواقع المناسبة لإقامة مشروعات الطاقة المتجددة. وبعد ذلك، سيتم نقل المحطات إلى هذه المواقع التي يتأكد جدوى استخدامها لتثبيتها فيها لتواصل توفير جمع البيانات المطلوبة لتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة بشكل مستمر وبدقة عالية. ولعلنا نختم هذا المقال بذكر صناعة مهمة توليها حكومة خادم الحرمين الشريفين جل الحرص وبالغ الاهتمام ألا وهي صناعة السيارات الكهربائية لما لهذه الصناعة من دور فاعل في تطوير سلاسل القيمة المضافة لها ولصناعات أخرى تتكامل معها مثل صناعة قطع الغيار والبطاريات والشواحن وبما يتماشى مع الاستراتيجية الهادفة إلى تنويع القاعدة الاقتصادية، وبالأخص تنمية وتنويع القطاع الصناعي كجزء من رؤية المملكة 2030، وبرنامج تطوير الصناعة والخدمات اللوجستية، وذلك لتمكين هذه الصناعة الجديدة من التوسّع في المملكة لكونها تتميز أيضاً أنها من صناعات المستقبل الأكثر تعقيدًا واعتمادًا على العديد من التقنيات الحديثة المستجدة، وأملاً فيما سيتمخض عنه هذا النوع من السيارات من آثار إيجابية في الحفاظ على سلامة البيئة من جهة والتوفير في تكلفة الوقود من جهة أخرى. وفي الختام إننا لنفخر ونعتز لما بلغته مملكتنا من مكانة مرموقة في مجالات التقنية وما حققته من إنجازات باهرة في ميادينها المختلفة بدءًا مما شهدته وعايشته في بداياتها عند تأسيس مملكتنا العزيزة على يد المغفور له الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه وصولا إلى العهد الزاهر الميمون لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين - يحفظهما الله - وما تحقق فيه من إنجازات تنموية وحضارية خلال مسيرة دائبة وجهود حثيثة تقودنا نحو استثمار مكامن قوّتنا التي حبانا الله بها، من موقع استراتيجي متميز وقوة استثمارية رائدة وعمق عربيّ وإسلاميّ، حيث تولي القيادة الحكيمة لذلك كل الاهتمام، وتسخّر له كل الإمكانات التي يأمل فيها ويتطلع اليها شعبها الوفي الأمين. نسأل الله جلت قدرته أن يديم على مملكتنا الغالية نعمة الأمن والأمان وأن يحفظ مليكها وقائدها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الملهم الأمين.