تشكل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 نقطة تحول تاريخية في مسار التنمية الوطنية، حيث وضعت أهدافًا استراتيجية تسعى إلى تعزيز مكانة المملكة إقليميًا وعالميًا، ومن بين أبرز هذه الأهداف الطموحة، الانتقال من المرتبة الخامسة والعشرين إلى أحد المراكز العشرة الأولى في مؤشر التنافسية العالمي، وهو مؤشر يقيس قدرة الدول على توفير بيئة تمكّن الأعمال من الازدهار من خلال البنية التحتية، وكفاءة سوق العمل، والابتكار، والاستقرار الاقتصادي. إن تحقيق هذا الهدف لا يُعد مجرد إنجاز رقمي، بل انعكاسًا لنهج شامل يسعى إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام يواكب متغيرات العصر. لقد تبنت المملكة سياسات وإصلاحات واسعة لتحقيق هذا الهدف، أبرزها برنامج التحول الوطني، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، إضافة إلى دعم ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة. كما تم الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتحسين الأنظمة والتشريعات بما يواكب أفضل الممارسات العالمية، وهو ما ساهم في رفع مستوى جاذبية بيئة الأعمال، وجعل المملكة وجهة مفضلة للاستثمارات الأجنبية. من وجهة نظري، فإن هذا الهدف يعكس شجاعة غير مسبوقة في مواجهة التحديات العالمية. فالسعي إلى دخول قائمة العشر الأوائل بين الاقتصادات الأكثر تنافسية يتطلب جهودًا متكاملة على مستويات متعددة، بدءًا من إصلاح التعليم وإعادة تأهيل الكفاءات الوطنية، وصولًا إلى تعزيز الشفافية والحوكمة، كما أن وضوح الرؤية وإرادة القيادة السياسية هما عاملان رئيسان يجعلان من هذا الطموح أمرًا واقعيًا وقابلاً للتحقيق، وليس مجرد حلم بعيد المنال. وقد لعبت الوزارات دورًا محوريًا في تنفيذ هذه الإصلاحات. فوزارة الاستثمار عملت على جذب رؤوس الأموال الأجنبية عبر تقديم حوافز وتسهيلات، بينما ركزت وزارة الاقتصاد والتخطيط على تنويع مصادر الدخل وتطوير سياسات الاقتصاد الكلي، كما ساهمت وزارة الموارد البشرية في تطوير سوق العمل ورفع كفاءته من خلال برامج التوطين والتأهيل، أما وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات فقد قادت التحول الرقمي، الذي يُعد ركيزة أساسية لتعزيز التنافسية في بيئة عالمية تعتمد على التكنولوجيا كعامل حاسم للريادة. وأرى أن التقدم الذي تحقق حتى الآن يبرهن على أن المملكة تسير بخطوات واثقة. فقد ارتقت في العديد من المؤشرات الفرعية المتعلقة بسهولة ممارسة الأعمال، والتنافسية الرقمية، وكفاءة سوق العمل. هذا الصعود يعكس التزامًا جادًا بتنفيذ الخطط المرسومة، ويؤكد أن الرؤية ليست مجرد وثيقة استراتيجية، بل خطة عمل متكاملة تُنفّذ على أرض الواقع بجدية واحترافية. كما أنني أعتقد أن الشباب السعودي يمثل العنصر الأبرز في تحقيق هذا الهدف. فبإمكانهم عبر الابتكار وريادة الأعمال أن يعززوا مكانة المملكة عالميًا، خاصة مع الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة لهم من خلال مبادرات متنوعة، فالاستثمار في الإنسان لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية التحتية والأنظمة، بل هو الضمان الحقيقي لاستدامة الإنجازات. ختامًا، يمكن القول إن الانتقال من المرتبة الخامسة والعشرين إلى المراتب العشر الأولى في مؤشر التنافسية العالمي يعد من أكثر أهداف رؤية المملكة 2030 طموحًا وجرأة، كما أن الإنجازات التي تحققت حتى الآن، والدور الفعال للوزارات والهيئات، تؤكد أن الطريق نحو الريادة العالمية أصبح أقرب من أي وقت مضى. ومع استمرار الجهود والتكامل بين القطاعات، يتجلى الأمل في أن تصبح المملكة نموذجًا عالميًا في القدرة على التحول والابتكار، لتثبت أن الطموح حين يقترن بالإرادة والتخطيط يصبح واقعًا ملموسًا.