الصواريخ المضادة.. تكلفتها مئات الآلاف الرصاصة الضوئية خيار رئيس لمواجهة المسيّرات في العقد الأخير، تحولت الطائرات المسيّرة من مجرد أدوات استطلاع إلى أسلحة هجومية متقدمة تقلب موازين القوى في ساحات القتال. ومع اتساع رقعة استخدامها من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، باتت هذه الطائرات الصغيرة منخفضة التكلفة تمثل كابوساً للدول، التي تملك أكثر الجيوش تطوراً في العالم. ولم يعد الصراع يدور حول الطائرات النفاثة أو الصواريخ الباليستية فقط، بل حول أسراب من المسيّرات الانتحارية التي تستطيع تعطيل بنى تحتية حيوية أو استنزاف أنظمة دفاعية باهظة الثمن. أمام هذا الواقع، تسابق الولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا والصين الزمن لتطوير أنظمة مضادة، يأتي في مقدمتها أسلحة الطاقة الموجهة والليزر التي ينظر إليها باعتبارها مستقبل الدفاع الجوي. ويمكن القول إن العالم يقف اليوم أمام مرحلة جديدة من سباق التسلح، الطائرات المسيّرة أثبتت أنها غيرت قواعد اللعبة، فيما الليزر يطلّ كحل واعد لكنه لم يبلغ بعد مرحلة الحسم الكامل. في أوكرانيا، تواصل المسيّرات تحدي الدفاعات الجوية، وفي الشرق الأوسط، تبرهن التجارب على أن التكنولوجيا في طريقها للنضوج، أما الولاياتالمتحدة وأوروبا والصين وروسيا، فتتسابق جميعها لتأمين الريادة في ميدان ستكون له انعكاسات استراتيجية ضخمة خلال العقد المقبل. المسيّرات متاحة للجميع الطائرات المسيّرة، التي كانت في السابق حكراً على الجيوش المتقدمة، باتت اليوم متاحة حتى للجماعات المسلحة غير النظامية، تكلفة تصنيع نموذج هجومي صغير لا تتعدى بضع آلاف من الدولارات، بينما يتطلب اعتراضه في الغالب استخدام صاروخ اعتراضي تتجاوز تكلفته مئات الآلاف، هذه المفارقة الاقتصادية جعلت المسيّرات أداة مثالية لحروب الاستنزاف. في أوكرانيا، لعبت المسيّرات دوراً حاسماً في تعطيل خطوط الإمداد واستهداف المواقع الحساسة، وفي الشرق الأوسط، استخدمتها جماعات مسلحة لاستهداف منشآت عسكرية، ووفقاً لتقارير غربية، فإن انتشار هذه الطائرات أصبح «سلاح الفقراء» الذي يعوض الفجوة التكنولوجية بين الجيوش النظامية والجهات غير النظامية. سباق مع الزمن تدرك الولاياتالمتحدة أن الردع التقليدي لم يعد كافياً، فالصواريخ الاعتراضية التي طورتها منظومات مثل «باتريوت» أو «القبة الحديدية» الإسرائيلية، وإن كانت فعالة، إلا أن تكلفتها تجعلها غير عملية أمام أسراب المسيّرات الرخيصة. ولهذا، ركّز البنتاغون على «الطاقة الموجهة والليزر «كحل واعد. وزارة الدفاع الأميركية خصصت استثمارات ضخمة عبر «مكتب القدرات السريعة والتقنيات الحرجة (RCCTO)» لتطوير منظومات ليزرية متنقلة. وبحسب تقارير أميركية، جرى العمل على أكثر من 17 نموذجاً أولياً، نُشر 11 منها في الميدان للتجربة، هذه المنظومات تتراوح قوتها بين 10 كيلووات قادرة على إسقاط مسيّرات صغيرة، وحتى 300 كيلووات موجهة لاعتراض أهداف أكثر خطورة مثل الصواريخ قصيرة المدى. الليزر.. الرصاصة الضوئية ما يميز الليزر أنه يجمع بين الكلفة المنخفضة والسرعة الفائقة، تكلفة إطلاق «طلقة ليزر» تكاد لا تتجاوز بضعة سنتات، مقارنة بصاروخ اعتراضي يكلّف مئات الآلاف، كما أن الليزر لا يحتاج إلى مخزون ذخيرة تقليدي، بل يعتمد على مصدر طاقة، مما يجعله أكثر استدامة في بيئات القتال الطويلة. ومع ذلك، ثمة تحديات جدية تواجه التقنية، فالعوامل الجوية مثل: الغبار الكثيف أو الأمطار يمكن أن تقلل من دقة الليزر، كما أن توفير مصادر طاقة كافية لتشغيل أنظمة عالية القدرة يمثل عائقاً لوجستياً، خصوصاً في مناطق القتال النائية، لكن رغم هذه التحديات، يراهن خبراء البنتاغون على أن التطوير المستمر سيجعل الليزر خياراً رئيساً في العقود المقبلة. ميدان التجربة.. أوكرانيا والشرق الأوسط الحرب في أوكرانيا مثلت مختبراً حقيقياً لقياس فعالية المسيّرات والتقنيات المضادة. كلا الجيشين –الروسي والأوكراني– اعتمدا على استخدام واسع النطاق للمسيّرات في الاستطلاع والهجوم، تقارير أوروبية أشارت إلى أن موسكو اختبرت بالفعل بعض أنظمة الليزر التجريبية لحماية مواقعها، وإن كان استخدامها محدوداً. في الشرق الأوسط، نشرت الولاياتالمتحدة أنظمة ليزرية ميدانية للتصدي للمسيّرات الإيرانية التي استهدفت قواعدها. هذه التجارب الميدانية وفرت بيانات قيمة للبنتاغون حول أداء المنظومات في ظروف مناخية مختلفة، وأكدت أن التقنية، رغم عدم اكتمال نضجها، قادرة على تقديم حلول واعدة. الحرب الإلكترونية.. خط دفاع موازٍ لا يقتصر سباق التسلح على الليزر وحده، الحرب الإلكترونية باتت سلاحاً موازياً لا يقل أهمية، عبر التشويش على إشارات الاتصال بين المسيّرة ومشغلها، يمكن تعطيل الطائرة أو حتى الاستيلاء عليها وإجبارها على الهبوط. غير أن هذه التقنيات تواجه تحديات جديدة مع تزايد استقلالية المسيّرات، إذ يُدمج فيها الذكاء الاصطناعي لتصبح أقل اعتماداً على التحكم البشري، هذا التطور يعني أن الحرب الإلكترونية ستحتاج بدورها إلى تحديثات جذرية لمواكبة الجيل القادم من التهديدات. سباق عالمي على السيطرة لم يعد السباق في مجال أنظمة الليزر الدفاعية حكراً على الولاياتالمتحدة، بل دخلت قوى دولية وإقليمية كبرى على خط التطوير والمنافسة، فالصين تعمل على تجهيز أنظمة ليزر متنقلة يمكن نشرها سريعاً في بؤر النزاع، فيما كشفت روسيا عن برنامجها المعروف باسم «بيريسفيت» المخصص لحماية مواقع استراتيجية حساسة. أما إسرائيل، فقد مضت بخطوات متقدمة عبر دمج تقنيات الليزر ضمن منظومتها الدفاعية «القبة الحديدية»، وأجرت تجارب ناجحة لاعتراض قذائف ومسيّرات، بينما تسعى بريطانيا من جانبها إلى استكمال مشروعها «دراغون فاير» (DragonFire) لتزويد الجيش بمنظومة ليزرية متطورة مع نهاية العقد الحالي. ويعكس هذا الحراك الدولي المتسارع قناعة راسخة بأن السيطرة على الأجواء لم تعد مضمونة بالوسائل التقليدية وحدها، بل باتت تتطلب حلولاً أكثر ابتكاراً وأقل كلفة. أبعاد استراتيجية واقتصادية التحول نحو أنظمة الطاقة الموجهة يحمل أبعاداً اقتصادية واستراتيجية واسعة، فالاعتماد على الليزر قد يقلل من تكاليف الدفاع بشكل جذري، ويعيد رسم معادلات الردع، لكنه في الوقت ذاته يثير مخاوف من اتساع الفجوة بين القوى الكبرى والدول النامية، ما قد يكرّس اختلال التوازن العالمي. من جانب آخر، فإن انتشار هذه التقنيات يثير تساؤلات حول مستقبل معاهدات ضبط التسلح، فهل ستدخل أسلحة الليزر ضمن أطر المراقبة الدولية كما حدث مع الأسلحة النووية والكيميائية، أم ستظل في فضاء مفتوح بلا قيود، بما يسمح بتسابق غير محسوب. سيارة عسكرية مجهزة بطاقة كهربائية تجهيز طائرة مسيرة تقرير - مفضي الخمساني