النرجسية علامة صحية وطبيعية في الطفولة، ولكنها مشكلة إذا بقيت لما بعد البلوغ، والنرجسيون يسقطون صفاتهم السلبية على غيرهم، أو يتهمونهم بها، لأنها تعزز من إحساسهم بالتفوق والانتصار الوهمي على جروح الماضي المكبوتة، والأعجب أن اقتناعهم أنهم الأفضل قد يقودهم إلى النجاح والتفوق.. استراتيجية الإغاظة والإسقاط النفسي، يستخدمها باستمرار الأشخاص النرجسيون، ويكون ذلك بتشويه سمعة الشخص المستهدف، أو القيام بأفعال تعمل على استفزازه، وإخراج أسوأ ما فيه، وبطريقة تؤكد صحة إحكام النرجسي عليه، وقد يحفز الأخير غيره على استفزاز من لا يعجبه، أو تعكير مزاجه، باستغلال أمور يعرفها عنه، وبما يضمن دخوله في حالة انفعال وتهور، وفي أميركا نشرت عام 2018، تجربة تم إجراؤها على مجموعة من الأشخاص العاديين والنرجسيين، وطلب فيها من المشاركين أن يقوموا بالكلام مع بعضهم لمرة واحدة في الأسبوع، ولمدة سبعة أسابيع، وبمعدل عشرين دقيقة في كل مرة، وتم أخذ تقييماتهم عن أول وآخر أسبوع، وكانت النتيجة أنه في الأسبوع الأول كان الطبيعيون ينظرون إلى النرجسيين، بوصفهم أشخاصا يثقون بأنفسهم، ولديهم روح دعابة عالية، وذكاء متقد وواضح، إلا أن التقييم في آخر أسبوع تغير تماما، فقد أصبحوا متغطرسين وعدوانيين ومنتقدين لكل شيء، والسابق يكشف أن الانطباع الذي تركه النرجسي في المرة الأولى، جعل الآخرين يكونون تصوراً خاطئاً عنه، إلا أنه لا يستمر طويلا، وبحسب المختصين، فإن عمر العلاقة الشخصية مع النرجسي، لا يزيد في المتوسط عن أربعة أشهر. مايكل ماكوبي، عالم الإنثربولوجيا في جامعة هارفارد الأميركية، يرى أن الشخص الذي يشغل منصبا قياديا، يحتاج إلى درجة من النرجسية، حتى يصبح قائداً ناجحاً، ضمن ما أسماه بالنرجسية المنتجة، وقال إن غالبية عمالقة التقنية في العالم، أمثال، إيلون ماسك وبيل غيتس ومارك زوكوربيرغ، هم من النرجسيين المنتجين، على مستوى السلوك، وهناك فارق بين النرجسية السلوكية، واضطراب الشخصية النرجسية، فالنرجسي السلوكي متعالٍ وأناني في الغالب، ولديه تضخم هائل في الأنا، ولكنه لا ينفصل تماما عن مشاعر الآخرين، والشاهد الأعمال الخيرية لبيل غيتس، بينما من يحمل اضطرابا نرجسيا، لا يتعاطف مع غيره إطلاقاً، ويشعر بسعادة بالغة، عندما يكون سببا في معاناة غيره، ومنصات السوشال ميديا، تمثل ملعبا مثاليا لهؤلاء، لأنها تعطيهم ما يبحثون عنه، من اهتمام وإعجاب وانتشار، وتشبع رغباتهم في افتراس المنافسين لهم والإجهاز عليهم. بالتأكيد النرجسية عندما صنفت كاضطراب نفسي، في عام 1889، كان حضورها محدودا، ويمكن القول إن فترتها الذهبية بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، وبمجرد سقوط ألمانيا النازية، التي قسمت ما بين أربع دول، فقد أخذت بريطانيا وفرنسا وأميركا ثلثي أراضيها، وأسمتها ألمانيا الغربية، وتركت الثلث المتبقي للاتحاد السوفيتي السابق، وتمت تسميته بألمانياالشرقية، واللافت أنه ورغم وحدة النسيج الثقافي للألمان، إلا أن قيم الرأسمالية والشيوعية أثرت في معدلات النرجسية لديهم، فقد لوحظ أن من يعيشون في ألمانيا الغربية، كانت نسبة النرجسية مرتفعة بينهم، مقارنة بشركائهم في ذات العرق المتواجدين في ألمانياالشرقية، ووجدت دراسات مشابهة أن النرجسية في أميركا أعلى في نسبتها من منطقة الشرق الأوسط، لأن المجتمعات الفردانية كأميركا تكرسها في حياتها اليومية، فيما لا تهتم بها مجتمعات التفكير الجمعي والتكافل الاجتماعي، كما هو الحال في المجتمعات العربية، ولعل الأوضاع تغيرت، حالياً، مع سيطرة العقلية الرأسمالية على العالم، ومعها أمراضها كالنرجسية. النرجسية علامة صحية وطبيعية في الطفولة، ولكنها مشكلة إذا بقيت لما بعد البلوغ، والنرجسيون يسقطون صفاتهم السلبية على غيرهم، أو يتهمونهم بها، لأنها تعزز من إحساسهم بالتفوق والانتصار الوهمي على جروح الماضي المكبوتة، والأعجب أن اقتناعهم أنهم الأفضل قد يقودهم إلى النجاح والتفوق، فقد أجريت دراسة في إيطاليا على ثلاث مئة طالب نرجسي، ووجد أنهم قياساً لمستوى ذكائهم، كانوا يحصلون على درجات أعلى من المساوين لهم في الذكاء، وممن يتفوقون عليهم. عالم النفس هاينز كوهوت، يرجح أنه عندما تصبح أقل إهانة، قادرة على استدعاء كم كبير من الغضب داخل الإنسان، فهذا يعطي دلالة واضحة على وجود جروح نرجسية لديه، وأنها أخرجت مشاعر الظل والذات المنبوذة المخبأة بداخله، وكل مشاعر الظلم والإهانة، التي عايشها في فترة سابقة من حياته، وغضب النرجسي لا يوجد فيه تعاطف مع الشخص الذي تسبب في إحداثه، وهو متعطش للثأر والانتقام، ونتائجه تشرعن أدواته الميكيافيلية، وأشار الطبيب النفسي ماريو جاكوبي إلى أن النرجسيين يبررون تصرفاتهم بالمثاليات والسرديات الكبرى والرغبة في إصلاح العالم، ويتساوى في ذلك رؤساء الدول في الديموقراطيات الغربية، والإرهابيون والظلاميون والمتطرفون في الشرق والغرب، فكلهم مولعون بالسلطة والمكانة والحضور، لأنها تشبع رغبات كثيرة لديهم. رونالد ديلوغا، أستاذ علم النفس في جامعة براينت الأميركية، وجد أن رؤساء أميركا الأكثر نرجسية، كانوا فاعلين بدرجة أكبر من غيرهم، وأضيف إليهم شخصيات يفترض أنها نرجسية بالنظر لأفعالها، من بينها، الإسكندر الأكبر ونابليون بونابرت وغاندي وفيدل كاسترو وهتلر، ومعهم موسوليني وستالين والقذافي، ومن عالم الجريمة والإرهاب، الكابون والبغدادي وآخرون.