الحقيقة يا أصدقائي ليست هدية، بل لعنة على من ينطق بها، وأنا جرّبت هذه اللعنة بنفسي، كلما قلت الحقيقة كما هي، بلا تجميل ولا مجاملة، انهالت عليّ السهام. لماذا؟ لأن الحقيقة تُفزع الناس، تكشف ضعفهم، وتهدم أوهامهم التي يعيشون عليها سنين. أحيانًا أسأل نفسي: لماذا يكرهني البعض بهذه الشراسة؟ الجواب واضح: لأنني لا أشاركهم حفلة الوهم. لأنني أرفض أن أضحك على الظلال وأقول إنها شمس. كثيرون يختارون العيش في الكهف، في راحة الظلال، وأنا اخترت الخروج. مشكلتي أنني لا أستطيع أن أعود وأتظاهر أنني لم أرَ النور. الناس تحب من يجاملها، من يقول لها ما تريد أن تسمع، أما أنا فأقول ما يجب أن يُقال، حتى لو كرهوني. لهذا يصفونني بالمتغطرس أحيانًا، أو المجنون، أو الباحث عن المشكلات. لكنني في الحقيقة لا أفعل سوى أن أرفض أن أبيع ضميري مقابل رضاهم. المجتمع لا يسامح من يوقظه من نومه. من يقول: هذه ليست حرية بل فوضى، أو هذه ليست شجاعة بل إساءة. من يكشف الأقنعة لا يجد تصفيقًا، بل يجد كراهية. وهذا ما أعيشه. البعض يظن أنني أستمتع بذلك، لكن الحقيقة أنني أدفع ثمنًا غاليًا: عزلة، استهداف، وتشويه سمعة. لكن... ما البديل؟ أن أسكت؟ أن أجامل؟ أن أتنازل عن قول ما أؤمن به؟ هذا ليس أنا. أنا لا أستطيع أن أكون إلا كما أنا: صريحًا حتى الألم، واضحًا حتى العزلة. قد يكرهني الناس، لكن على الأقل ضميري مرتاح، ورايتي بيضاء من النزاهة. أنا أعلم أن طريقي أصعب. من يسير وراء الظلال يصفق له الجميع. ومن يخرج إلى الشمس يُرمى بالحجارة. ومع ذلك اخترت الشمس. اخترت أن أعيش مكروهًا ولكن صادقًا مع الناس ومع نفسي، بدل أن أعيش محبوبًا بالكذب. ولهذا أكتب لكم الآن، لا لأطلب التعاطف، بل لأقول إنني أعرف السبب. الناس لا تكرهني لشخصي، بل للحقيقة التي أنطق بها. وأنا اخترت أن أتحمل هذه اللعنة... لأن الخيانة الحقيقية ليست أن يكرهك الناس، بل أن تخون ضميرك لترضيهم. ونعم، قد يكرهني الناس اليوم، لكن يومًا ما سيدركون أنني لم أكرههم، بل أحببتهم بما يكفي لأقول لهم ما لم يرغبوا بسماعه. وفي ذلك يكمن جوهر الصدق: أن تجرح اليوم لتبقي الوطن نقيًا.