الثابت في رأي المختصين أن ذكاء الآلة غير واعٍ، بمعنى أنه لا يستطيع تفسير تصرفاته، أو تكوين تجارب وخبرات واقعية ومستقلة، وأنه تماما كالإسفنجة يفرغ ما يمتصه لا أكثر، وأحيانا يصرف من كيسه.. في يوليو من العام الجاري، أعلن المركز الوطني للمناهج في المملكة، بالتعاون مع وزارتي التعليم والاتصالات وسدايا، عن إدخال منهج الذكاء الاصطناعي في كل مراحل التعليم العام، اعتبارا من العام الدراسي الحالي، وهو بالتأكيد يعتبر بمثابة نقلة نوعية في مسيرة التعليم السعودي، ويمثل استثمارا استراتيجياً، يعمل على تجهيز جيل سعودي يستطيع التعامل مع مهارات المستقبل، وسيهتم المقرر بتطوير قدرات التفكير التحليلي، وأدوات حل المشكلات، وتعلم البرمجة، وتعزيز المفاهيم النظرية بتجارب عملية، والكادر التعليمي في المدارس السعودية، جاهز لتدريس الذكاء الاصطناعي، لان التدريب على مهارات التقنية الرقمية، تم بالفعل في كل المدارس منذ ثلاثة أعوام، إضافة إلى توظيف أساليب تقييم متقدمة، لقياس الأثر التعليمي وجودة المخرجات التعليمية، وبما يفيد في تجويدها سنوياً. بخلاف أن العام الدراسي السابق، كان شاهدا على إدراج مقرر اسمه: المدخل للذكاء الاصطناعي، وقد تم قصره بمعرفة سدايا وبالشراكة مع وزارة التعليم، على طلبة الصف الثالث ثانوي، في كافة المدارس القائمة على نظام المسارات في التدريس، ووضع ضمن المواد الاختيارية في المسار العام، وهو لا يمثل كتابا تعليميا بالمعنى المتعارف عليه، وإنما منصة يتعلم فيها الطالب ست مهارات في الذكاء الاصطناعي، ويعمل على تطبيقها مباشرة، والمادة مبنية على المشروعات والتعلم الذاتي، ولا تعمل بطريقة الاختبارات التقليدية، وإذا اجتازها الطالب، فإنه يحصل على شهادة من سدايا، زيادة على شهادة الثانوية العامة، والأولى تفيده في الالتحاق بسوق العمل قبل الجامعة، إن رغب. المملكة بإقرارها تدريس الذكاء الاصطناعي، في التعليم العام بالكامل، تفوقت على دول مهمة في مقدمتها الولاياتالمتحدة،، التي تعمل على تطوير هذه المهارات في التعليم العالي، وفي أعداد محدودة من مدارس التعليم العام، وفي المقابل وضعت الصين خطة لتعزيز الذكاء الاصطناعي في التعليم، بداية من عام 2017، إلا أن تركيزها الأكبر وجه إلى المرحلتين الثانوية والجامعية، وفي بريطانيا لا يزال التطبيق محدودا بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وتعمل سنغافورة على دمج الذكاء الاصطناعي بشكل منظم، ضمن بيئة تعليمية تفاعلية، تركز على الكفاءة وتحسين جودة التعليم، والأخير هو النموذج الأقرب نسبيا لما ينفذ في المملكة. حكاية الذكاء الاصطناعي بدأت باختراع الآلة الحاسبة الميكانيكية، بمعرفة الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال عام 1642، وفي 1950 ناقش عالم الرياضيات الإنجليزي آلان تورنغ، إمكانية تفكير الآلة بشكل يشبه التفكير البشري، لأن البرمجة، في رأيه، ليست كافية لوحدها، والأنسب صناعة آلات لديها قدرة التعلم كما الأطفال، الذين يتعلمون من تجاربهم الذاتية، ومن محاكاة الوالدين والآخرين وتقليدهم، والفكرة في تلك الأيام كانت جديدة وذكية جداً، إلا أن الثورة الفعلية بدأها أستاذ علوم الكمبيوتر جيفري هينتون، فهو أول من عمل على تقنية تعلم الآلة، في ثمانينات القرن العشرين، من خلال نموذح الشبكات العصبية الافتراضية، التي تعتمد مبدأ التجربة والخطأ، وهذا النموذج الرياضي يشبه عمل مخ الإنسان، فالوصلات الافتراضية الموجودة فيه، لا تبتعد كثيراً عن الوصلات العصبية في المخ البشري، وتشبه طريقتها في استقبال المعارف وترتيبها والتصرف على أساسها، والسابق غير في مشهد الذكاء الاصطناعي، حتى وصل العالم إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يعمل بكفاءة معقولة، ولكنه لم يصل لمرحلة الذكاء الإنساني العام، والثابت في رأي المختصين أن ذكاء الآلة غير واعٍ، بمعنى أنه لا يستطيع تفسير تصرفاته، أو تكوين تجارب وخبرات واقعية ومستقلة، وأنه تماما كالإسفنجة يفرغ ما يمتصه لا أكثر، وأحيانا يصرف من كيسه. يعتقد نعوم تشومسكي، بوجود سمات تميز الإنسان عن الآلات، أهمها الغريزة اللغوية، فهو يتعلم اللغة بطريقة تختلف عن تعلم الآلة، التي تعمل على فك وتركيب الجمل المقدمة إليه، بدون إضافات منطقية، ويبدو أن الأمر أخطر مما نتصور، لأن جيفري هينتون، صاحب تقنية تعلم الآلة، استقال من عمله في غوغل، وتفرغ للتحذير من مخاطر تطور الذكاء الاصطناعي، لأنه وتحديدا في السوشال ميديا، أصبح يتحكم في حياة الناس، بصورة لا يمكن تصورها، ويسهم في تشكيل وعيهم ونظرتهم للعالم، وفي توجيه مواقفهم وتفضيلاتهم المختلفة. الحدود الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، يتم تحديدها من خلال أكواد يضعها صانعوه، وهم من يقررون أولوياتها، وما يؤخذ أو يترك أو يمنع، وربما وظفوها لخدمة مصالحهم السياسية والاقتصادية، والكلام عن الذكاء الاصطناعي لا يتوقف عند التقنية وحدها، ويدخل فيه مستقبل السياسة والعلاقات الدولية والهيمنة، والدليل حرب أشباه الموصلات بين أميركا والصين، ووصفها بأنها من أكبر الأزمات السياسية في الوقت الحالي، وأتصور بأنه سيمثل النووي الجديد في قادم الأيام، وكل هذا يعني أن السعوديين تحركوا في الوقت المناسب، لأخذ مكانهم المستحق في عالم الرقمنة الذكية، وبطريقة تنتصر لسيادة وسيطرة العقل البشري عليها، وتؤهل المملكة كدولة مؤثرة وثقيلة ووازنة، في قيادة تحرك دولي مقنن ومدروس، يحول دون استغلال الذكاء الاصطناعي لأغراض إجرامية أو مخلة.