تشكل كلمة "اقرأ" مفتاحاً لمعانٍ عميقة تمتد إلى جذور حياتنا اليومية والعملية والدينية، فهي ليست مجرد لفظ، بل رسالة سامية بدأت مع أول آية نزلت من الوحي الإلهي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). لقد جاءت هذه الكلمة لتؤسس علاقة الإنسان بالمعرفة، باعتبارها دعوة إلى التأمل والتفكر والبحث، وتأكيداً على أن الحياة في جوهرها رحلة علم وتفكر وفهم للعالم. ومن هنا ارتبطت القراءة بالمعرفة التي تحمل البعد الديني والقيمة الثقافية، فأصبحت رمزاً خالداً للوعي والنهضة. منذ أن تعلم الإنسان كيف يعيش ويدون أفكاره وينقل معارفه، شكّلت القراءة الجسر الذي ربط الأجيال والثقافات، وفتحت أبواب التقدم العلمي والحضاري. فهي الأداة التي منحت البشرية القدرة على التواصل، وبها تشكّلت هويات الأمم، وتأسست الحضارات على أسس العلم والمعرفة. حين يُرفع شعار "اقرأ" في الفعاليات الثقافية، فإنه لا يقتصر على جانب معرفي محدد، بل يعكس نظرة شمولية تجعل من القراءة أسلوب حياة. فهي وسيلة لفهم الذات والآخر، وطريق للإبداع والابتكار، وأداة لإثراء العقول وبناء مجتمع معرفي متكامل. إنها ليست هواية عابرة، بل ممارسة يومية تمنح الإنسان القدرة على المشاركة الفاعلة في نهضة مجتمعه. الكلمة المكتوبة هي حجر الأساس في تشكيل الوعي الإنساني والروحي. ومن هنا، تأتي أهمية المبادرات الثقافية التي تؤكد أن القراءة مفتاح لكل تقدم، وأنها الرافعة الحقيقية لأي نهضة فكرية أو حضارية. انطلقت فعاليات وزارة الثقافة بشعار "اقرأ" لتجمع القراء والكتاب ودور النشر، ولتؤكد على أن الثقافة فضاء تفاعلي يربط الأفراد بمجتمعهم، ويعزز حضور القراءة كركيزة أساسية في رؤية المملكة 2030. فقد تحولت هذه الفعاليات إلى منصات لبناء مجتمع معرفي ثقافي، يضع الكتاب في متناول الجميع، ويجسد الثقافة كركيزة للتنمية المستدامة. من خلال هذه المبادرات، برز الكتاب بوصفه صديقاً دائماً يرافق الإنسان في حياته، يفتح له آفاقاً جديدة، ويوسّع مداركه، ويجعله أكثر وعياً بواقعه وانفتاحاً على العالم. إنه نافذة لا غنى عنها لبناء الشخصية وتكوين الوعي، وعامل مؤثر في مسيرة النهضة الثقافية. بهذا المعنى، تجسد المملكة نموذجاً رائداً في جعل القراءة أسلوب حياة، وفي تحويل الثقافة إلى رافد من روافد التنمية. فشعار "اقرأ" لم يكن مجرد عنوان للفعاليات، بل رسالة مستمرة لنشر المعرفة، وإثراء الحراك الثقافي والإبداعي، وتحويل القراءة من ممارسة فردية إلى ثقافة مجتمعية. وفي أرض الوطن، ستظل القراءة نافذة مشرعة على المستقبل، وأداةً لصياغة غدٍ مشرق لأجيال قادمة، لأن الحياة في جوهرها قراءة.