لعل من أشهر التعاريف الخاصة بالثقافة هي الأخذ بأساسيات العلوم والمعارف، وقد قيل إن أبسط تعريف لها هي أخذ شيء عن كل شيء، وهي تعتبر من أهم مميزات الشعوب الراقية؛ لكونها أداة تعبر عن المستوى الحضاري والنضج الفكري، وكذلك تساعد على بناء رؤية جيدة ونافذة متفتحة على عادات جديدة ونافعة تصب في صالح المجتمع، ويُجدر أن يُقال إن قراءة الكتب هي المفتاح الأهم لبناء هذه الثقافة المنشودة، نظرا لما تحتويهِ خزائنها من معارف وفنون شتى، تسهم في تطوير البشرية، من خلال محاكاة التجارب الأفضل، والاستفادة من آثار الأمم السالفة. وفي الحقيقة، إن القراءة هي المسؤولة الكبرى عن تقدم المجتمع معرفيا وسلوكيا، فعندما نرى مثلا أحد الأشخاص يقوم برمي النفايات عبر نافذة السيارة، نسمي هذا التصرف غير حضاري، ونعزوه إلى ضعف الجانب التربوي، وكذلك قلة الوعي الثقافي الحاصل غالبا بسبب العزوف عن القراءة المثمرة، التي تقوم بتحسين سلوك الأفراد وتقويمه، إضافة إلى ما تقوم به من تنمية الفكر وانفتاحه على الآخر، بل تجعل المرء قادرا على قيادة المجتمع قيادة آمنة في بحر متلاطم من المشكلات والقلاقل، ولعل ما يدلل على ذلك مقولة المفكر والفيلسوف الفرنسي فولتير، عندما سأله أحدهم عمن يستطيع قيادة الجنس البشري، فأجاب الذين يعرفون كيف يقرأون، ومن أجَل الشواهد على أهمية القراءة في حياة الإنسان هي أنه لا يمكن لأي فرد من أفراد المجتمع الاستغناء عنها، فابتداء من سن الطفولة؛ حيث يبدأ الطالب بتلقين الأحرف، ثم الكتابة، حتى يتدرج في السلم الدراسي، إلى أن يصبح قادرا على التعبير والإنشاء، وعندما يصل الطالب إلى المرحلة الجامعية، يبدأ باستخدام أهم أنواع القراءة، ألا وهي القراءة المحورية أو البحثية، وذلك من خلال قراءة البحوث والأوراق العلمية والموسوعات المتنوعة؛ من أجل استخدامها كمراجع للأبحاث والمشروعات، ويجدر بنا أن نقول إن القراءة هي أفضل ما يمكن أن تُقضى به الأوقات، وتُقطَع به الأعمار. إن المتعلم الحقيقي من مدرسة الحياة لا ينفك عن متابعة تصفحه وقراءاته حتى بعد مغادرته مقاعد الدراسة؛ لأن القراءة ليست فقط مجرد محاولة لفك الرموز والأفكار، ولكنها مع ذلك تجول في فضاءِ الكون كما في علم الفلك، وترحالٌ عبر المكان والزمان أيضاً كما في علوم التاريخ والجغرافيا، وقدرة على التعبير عن المشاعر والأحاسيس، التي تختلج في النفس، وبثتها عن طريق نظم القوافي والتعبير النثري كما في علم الأدب، وغيرها كثير من منافع القراءة التي لا تحصى. Your browser does not support the video tag.