فرضت عربات الطعام أو ما يُعرف ب"الفود ترك" حضورها اللافت في شوارع المدن السعودية، لتتحول من مجرد وسيلة بسيطة لبيع القهوة والوجبات السريعة إلى مشروع اقتصادي يستقطب الشباب الباحثين عن فرصة دخول سوق الأعمال بأقل التكاليف، هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل ساعدت فيه مرونة العربات في التنقل بين الفعاليات والمهرجانات والأسواق العامة، ما جعلها منصة مثالية لتجريب أفكار جديدة وتقديم منتجات مبتكرة بعيدًا عن تكاليف الاستثمار التقليدي، وتشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى أن حجم سوق عربات الطعام في السعودية تجاوز ملياري ريال خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعكس أهميتها المتنامية كقطاع اقتصادي ناشئ، وإذا ما تم تنظيمها بشكل مدروس، يمكن أن تتحول إلى رافد مهم في دعم الاقتصاد المحلي، والمساهمة في خلق وظائف جديدة، وإثراء تجربة المدن السعودية حضاريًا وسياحيًا. لكن الانتشار الواسع لهذه الظاهرة لم يخلُ من إشكالات لامست حياة الناس اليومية، ففي بعض الأحياء السكنية، باتت العربات مصدر إزعاج مستمر بسبب الضوضاء الناتجة عن المولدات والموسيقى المصاحبة، فضلًا عن الازدحام الذي تسببه حركة السيارات والمارة حولها، كما أن المخلفات التي تتركها أصبحت تسيء إلى المشهد العام وتثير مخاوف تتعلق بالنظافة والصحة العامة، لا يتوقف التحدي عند الجانب التنظيمي فحسب، بل يمتد إلى البعد النظامي الذي يحدد مستقبل هذه الظاهرة، فالرخص الممنوحة للنشاط تستهدف دعم الشباب السعوديين وتشجيعهم على العمل الحر، غير أن الواقع يكشف عن نسبة كبيرة من العاملين من غير السعوديين، ما يثير المخاوف من استغلال التراخيص للتستر التجاري، كما أن تركز النشاط في ساعات الليل، حيث تقل الرقابة البلدية، فتح الباب أمام تجاوزات للاشتراطات الصحية. المعادلة الصعبة تكمن في كيفية الموازنة بين تمكين الشباب ودعمهم اقتصاديًا، وبين حماية المجتمع وتنظيم المجال العام، ومن هنا برزت مجموعة من الحلول التي يرى خبراء ومتخصصون أنها قادرة على تحويل التجربة إلى نموذج حضاري متكامل، مثل تخصيص مواقع مهيأة بعيدًا عن المناطق السكنية، وإنشاء ساحات مخصصة لاستيعاب العربات بشكل منظم، مع تطبيق لوائح واضحة تضبط ساعات العمل ومستويات الضوضاء وآليات التخلص من النفايات، هذه الخطوات من شأنها نقل النشاط من ممارسة عشوائية إلى تجربة منظمة تساهم في تعزيز المشهد الحضري.