ثقة المستهلك أهم عنصر لنجاح أصحاب «الفود ترك» قصص ريادية ملهمة بين التحدي والابتكار المحلي في مشهد يختصر مزيجًا متنوعًا من الطموح الحضري وروح ريادة الأعمال والحنين إلى التراث الشعبي، باتت عربات الأطعمة المتنقلة، أو ما يُعرف ب «الفود ترك» تحتل مكانة راسخة في شوارع ومدن المملكة، راسمة ملامح جديدة لمشهدها الغذائي الحضري المتطور. قد يظن الزائر للمملكة لأول مرة أن هذه الظاهرة حديثة النشأة، لكن جذورها أعمق مما يبدو، متوغلة في الذاكرة الشعبية. فمنذ الثمانينيات، كانت "الكشكات" المتنقلة البسيطة تجوب الأحياء، تبيع البليلة والآيسكريم، وتمنح الأطفال لحظات لا تُنسى، كانت تلك العربات بدائية جدًا بمعايير اليوم، لكنها أرست الفكرة الأولى لمفهوم الطعام الجوال. وجاء التحول الجذري في عام 2016، حين بدأت الجهات المعنية تمنح أولى التراخيص الرسمية لعربات الطعام المجهزة، استجابةً لمشكلة ارتفاع إيجارات المحلات الثابتة، ورؤية جديدة لتحفيز النشاط التجاري، عندها تحولت الفود ترك من حل اقتصادي محدود إلى ظاهرة اجتماعية وتجارية لافتة، غزت فعاليات كبرى مثل «موسم الرياض» وحولت الشوارع والساحات إلى مهرجانات طعام مفتوحة. نمو قطاع الفود ترك تشير الإحصاءات الرسمية لعام 2019 إلى أن عدد التراخيص في ست مناطق سعودية بلغ نحو 1301 عربة، تتصدرها الرياض ب 496 ترخيصًا، تليها جدة ب 450. ومع ذلك، لم يعد هذا الرقم يعكس الواقع الحالي بدقة، إذ سجلت وزارة التجارة زيادة مطردة في السجلات التجارية المرتبطة بالفود ترك والمطاعم، بنمو بلغ 10 % في 2024 وحدها، لتتجاوز 136 ألف سجل تجاري لنشاطات الطعام. هذا النمو ليس مجرد رقم في تقارير البيروقراطية، إنه شهادة حية على تغير ذائقة المجتمع، وتوجه جيل كامل من الشباب لخوض مغامرة ريادة الأعمال بأقل تكلفة ممكنة، فبدل مطعم ثابت يحتاج لرأسمال كبير، توفر العربة المتنقلة خيارًا أسهل للدخول إلى السوق، وتجربة الوصفات، وتطوير علامة تجارية شخصية، والتواصل المباشر مع الجمهور. تنوع العروض وفي جولة اليوم في شوارع الرياض، يلحظ الزائر تنوعًا غنيًا ومبتكرًا. عربات مصممة بأناقة تقدم كل شيء: من الكبسة السعودية التقليدية إلى البرجر العصري، مرورًا بالأطباق الآسيوية، والحلويات الفاخرة، والمشروبات الباردة التي تخفف من لهيب الصيف، يلتف حولها جمهور متحمس من الشباب والعائلات، في مشهد اجتماعي يعكس تحولًا لا يمكن تجاهله. هذه الثقافة الغذائية لم تعد موضة عابرة، بل باتت جزءًا من أسلوب الحياة الحضري المعاصر. لكن هذه الشعبية المتزايدة لا تخلو من تحديات تنظيمية واضحة. فمنصات مثل «بلدي» تقدم اليوم خدمة إصدار التراخيص إلكترونيًا برسوم سنوية تصل إلى 720 ريالًا، مع تنظيم صارم لمسارات ومواقف العربات. الهدف المعلن هو تحقيق توازن دقيق بين تشجيع الاستثمار الشبابي، وضبط التكدس العشوائي وتلافي الزحام البصري والمروري الذي قد تسببه العربات في بعض المواقع. تنظيم النشاط ومؤخرًا، أصدرت وزارة الشؤون البلدية والإسكان اشتراطات بلدية جديدة قبل أيام، لتنظيم نشاط العربات المتنقلة في مختلف مدن المملكة، في خطوة تهدف إلى رفع جودة الخدمات وضبط المواقع بما يحقق السلامة العامة ويحافظ على جمالية المشهد الحضري. الاشتراطات سمحت بوقوف العربات في مواقع تابعة للأمانات أو المنشآت الحكومية أو القطاع الخاص، وكذلك في المساحات العامة، الفعاليات، المواقع الاستثمارية، والحاضنات البلدية. في المقابل، حظرت التوقف عند إشارات المرور، تقاطعات الطرق، المداخل والمخارج للطرق الرئيسية والفرعية، الطرق ذات الكثافة المرورية العالية، والمواقع المخصصة للشرطة والدفاع المدني والإسعاف، ومواقف ذوي الإعاقة، أو داخل الأحياء السكنية. كما منعت وقوف العربات قرب مصادر التلوث مثل مرادم النفايات، انبعاثات الغازات، مواقع الصرف الصحي، أو محطات الوقود ومحلات الغاز، مع إلزام مسافة أمان لا تقل عن عشرة أمتار. وأشارت إلى ضرورة الحصول على موافقة الجهات المالكة والأمانة أو البلدية عند الوقوف في مواقف المجمعات التجارية، مع مراعاة ألا يؤثر ذلك على الطاقة الاستيعابية أو يعيق الحركة المرورية. ومن الناحية الفنية، ألزمت الاشتراطات الجديدة العربات بتوفير حوض غسيل، وأرضيات مقاومة للانزلاق وسهلة التنظيف، وتهوية كافية مع وحدة تكييف مناسبة، وضمان العزل الحراري داخل العربة. كما منعت استخدام مكبرات الصوت أو السماعات الخارجية المتحركة (باستثناء العربات المشاركة في الفعاليات)، ومزاولة النشاط بعد منتصف الليل دون تصريح 24 ساعة، وتحضير الطعام خارج العربة أو التدخين داخلها. وألزمت أصحاب العربات بإزالة المخلفات من مواقعهم، وتوفير صندوق للإسعافات الأولية، مع حظر بيع أو تقديم جميع أنواع التبغ. تحديات وآفاق السوق الصحة العامة تمثل بدورها تحديًا دقيقًا. فمخاطر التلوث الغذائي أو سوء التخزين تتطلب رقابة صارمة، وتثقيفًا مستمرًا لأصحاب العربات، وسط منافسة قد تدفع البعض للتهاون في الاشتراطات الصحية. وهناك كذلك جدل اقتصادي لم يُحسم: إذ يرى بعض أصحاب المطاعم الثابتة أن عربات الفود ترك تتمتع بمزايا مثل الإيجارات المخفضة والضرائب الأقل، مما قد يخلّ بتوازن المنافسة العادلة في السوق. ورغم هذه التحديات، لا يمكن تجاهل الفرص الكبيرة التي يطرحها هذا القطاع. تقرير بحثي حديث (Bonafide Research، مايو 2025) يتوقع أن يتجاوز حجم السوق السعودي للفود ترك 70 مليون دولار بحلول عام 2030، مدفوعًا بتوسع أنماط الحياة الحضرية، والمبادرات الحكومية الداعمة، ونمو تصنيع العربات محليًا. هذا التوسع ليس معزولًا عن التوجه الإقليمي، إذ بلغت قيمة سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 461 مليون دولار في 2022، مع معدل نمو سنوي متوقع يناهز 8.8 % حتى عام 2030. باختصار، ما بدأ في الثمانينيات ك«كشك بليلة وآيسكريم» متجول في الأحياء صار اليوم قطاعًا حيويًا يغذي أحلام آلاف الشباب السعودي. هو صورة لاقتصاد متنوع، ومجتمع يتغير، وتجربة تدمج التراث الشعبي بروح الابتكار وريادة الأعمال. وبين تنظيم دقيق، ومنافسة شرسة، وتحديات صحية، تبقى عربات الطعام المتنقلة عنوانًا لمرحلة اقتصادية واجتماعية جديدة في المملكة، لا تخلو من الفرص ولا من المخاطر. ريادة وإصرار سعودي في أحد أرصفة الحدائق العامة شرق الرياض، تقف عربة آيسكريم مزينة بألوان زاهية، تحيط بها طوابير من الأطفال والأسر. صوت الماكينة، رائحة الوافل الطازج، وأكواب معدنية تلمع تحت ضوء المساء، كل ذلك يحكي حكاية ريادة سعودية بدأت من الصفر، وانتهت بقصة نجاح ملهمة. إنه مشهد بات مألوفًا اليوم في العاصمة، لكنه لم يكن موجودًا بهذه الكثافة قبل عقد مضى. عربات الفود ترك عمومًا، وعربات الآيسكريم تحديدًا، أصبحت جزءًا من الثقافة الحضرية الحديثة في المملكة، تتحدى حرارة الصيف بطبقاتها الباردة، وتنعش اقتصادًا صغيرًا صار مصدر رزق وأمل لآلاف الشباب. وفي قلب هذا المشهد، يبرز اسم بندر العتيق، شاب سعودي تحوّل من طالب جامعي بميزانية محدودة إلى صاحب أسطول من عربات آيسكريم متنقلة، وقصة ريادية تعكس روح التحدي والإصرار. يحكي بندر: «بدأت مشروعي بماكينة آيسكريم بسيطة اشتريتها ب20 ألف ريال. كانت مكافأة الجامعة وبعض المساعدة من والدي هي كل رأس المال» لم يكن يملك مكانًا ثابتًا ولا خبرة واسعة في إدارة مشاريع. فاختار الأرصفة في الحدائق العامة، حيث يجتمع الناس مساءً طلبًا للهواء البارد ومساحات اللعب. كان يجر العربة الخشبية البسيطة، مجهزة بمعدات مستعملة، إلى مواقع محددة، يفرش بساطه، يثبت اللافتة بخط يده، ويبدأ في تحضير الآيسكريم للزوار. رحلة كفاح صعبة كانت البدايات صعبة جدًا.. يروي بندر بابتسامة فيها اعتزاز وتعب: «كنت أحضر للحديقة قبل العصر أجهز نفسي وأرتب العربة، أحيانًا كنت أرجع بلا مبيعات تذكر، لكنني تعلمت كيف أكسب الزبون، كيف أبتكر نكهة يحبها الأطفال، وكيف أكون موجودًا وقت الزحام»، لم يكن الطريق مفروشًا بالورود. يقول بندر إن التحديات كانت كثيرة، بعضها مالي وبعضها تنظيمي. «لم تكن هناك توجيهات واضحة. كنت أتساءل أين أوقف عربتي؟ هل المكان مسموح؟ هل سيسمح لي الجانب البلدي بالبيع؟» واجه أيضًا صعوبة في إقناع الناس بالجودة. كان عليه أن يثبت أن عربته الصغيرة تبيع آيسكريم نظيفًا ولذيذًا. كانت حرارة الصيف خصمًا آخر ، الماكينة تتأثر، والكهرباء قد تنقطع، والزبائن يقلون في شهور الحر الشديد. لكنه يعتبر هذه المصاعب مدرسة حقيقية: «أدركت أن التحديات جزء من المشروع. لا يوجد نجاح من دون تعب. الصبر أهم رأسمال. ومع مرور السنوات، اكتسب بندر خبرة كبيرة. صار يعرف أين يقف ومتى يفتح وكيف يسوّق لنفسه. ابتكر وصفات مثل «الآيسكريم بالطحينة»، وقدمه في أكواب معدنية تذكارية. هذه اللمسات صنعت فرقًا هائلًا. انتشر اسمه بين الزبائن، وصار يُدعى للفعاليات والمناسبات، يقول بفخر: «اليوم صار عندي 16 فود ترك كلها للآيسكريم، ما كان حلمًا صار حياتي. دعم وتمكين رحلة بندر لم تكن معزولة عن التطور العام في المملكة مع رؤية 2030، أطلقت الأمانات مبادرات تنظيمية مثل منصة «بلدي» التي تتيح إصدار تراخيص العربات المتنقلة برسوم سنوية واضحة، وتحدد مسارات ومواقف رسمية لها، يذكر بندر أهمية هذا الدعم: «الدولة خصصت لنا مواقع، الأمير فيصل بن بندر دعمنا ووفر أرضًا ننظم عليها عرباتنا، هذه المبادرات نقلتنا من العشوائية إلى الاحتراف. ويؤكد بندر أنه يفتخر بفريقه السعودي بالكامل. هؤلاء الشباب ليسوا مجرد بائعين، بل رواد صغار يتعلمون مهارات الإدارة والتسويق وخدمة العملاء. يقول: «كلنا نتمنى الخير لبعضنا. صحيح نحن منافسون، لكننا نكمل بعض.» ويضيف: «هدفي من البداية كان أن يكون المشروع سعوديًا في كل شيء، الفكرة، التنفيذ، الطاقم، وحتى النكهات.» ما يميز تجربة بندر عن كثير من مشاريع الفود ترك الأخرى هو حسه الابتكاري. لم يكتفِ بمنافسة الآيسكريم التقليدي أو الجاهز، بل ابتكر خلطات خاصة، أضاف نكهات محلية، غيّر أسلوب التعبئة، وحوّل الأكواب إلى هدايا تذكارية. يقول: «الناس يحبون التفاصيل الصغيرة. كوب معدني بسيط يعلق في الذاكرة، ويجعلهم يعودون. مشروع أصدقاء الشقة على طريق الأمير محمد بن سلمان في الرياض، تصطف عربة طعام تحمل اسمًا لافتًا «مضغوط الشقة» وتكتسب يومًا بعد يوم شهرة واسعة بين محبي الأطباق السعودية الأصيلة. لكن وراء هذا الاسم الطريف قصة صداقة وتحول جميل من فكرة بسيطة إلى مشروع ناجح يفرض نفسه في مشهد الفود ترك المحلي. " كنا ثلاثة أصدقاء نسكن في شقة واحدة"، يروي علي الحارثي، أحد الشركاء وصاحب فكرة المشروع. «كنا نتشارك الطبخ يوميًا، وكل يوم يتكفل أحدنا بإعداد وجبة المضغوط. مع الوقت أحببنا الفكرة وخطر لنا أن نشاركها مع الناس" من هنا وُلدت فكرة «مضغوط الشقة»؛ عربة تقدم طبقًا شعبيًا بمذاق منزلي حريص على التفاصيل والجودة. لم يكن المشروع مجرد نقل وصفة إلى الشارع، بل التزامًا صادقًا باختيار أفضل المكونات. «من البداية اتفقنا ألا نساوم في الجودة»، يضيف الحارثي. "نحرص على اختيار أجود أنواع الأرز، والخضروات الطازجة، والبهارات الصحيحة غير المطحونة سلفًا، حتى نتحكم في طحنها بأنفسنا ونحصل على نكهة أصلية. ويتابع متحدثًا عن التحديات اليومية: "أحيانًا يعرض علينا بعض العمال دجاجًا بخمسة ريالات للحبة، يكون في الغالب منتهي الصلاحية أو لم يُبع في أسواق أخرى. نرفض هذه العروض مهما كانت مغرية. نستخدم فقط دجاج الدوحة لجودة طعمه وسمعته الموثوقة". حلم أصبح حقيقة تفتح العربة أبوابها من السادسة مساءً وحتى الواحدة بعد منتصف الليل، مستقطبة عشاق المضغوط على اختلاف أعمارهم. الزبائن ينتظرون بفارغ الصبر دورهم، ويتداولون توصياتهم لأصدقائهم. ويقول الحارثي إن النجاح فاق توقعاتهم: «الطلب اليومي صار كبيرًا جدًا، لدرجة أننا أحيانًا لا نستطيع تلبية جميع الطلبات. لهذا بدأنا فعليًا في دراسة افتتاح مطعم ثابت بدلًا من الاعتماد على العربة وحدها. "مضغوط الشقة" يقدم اليوم نموذجًا ملهمًا لريادة الأعمال الشبابية في السعودية: فكرة نابعة من الحياة اليومية، مطورة بروح الصداقة والإصرار، ومنفذة بمعايير عالية تحترم ذائقة المستهلك. وسط المنافسة الكبيرة في قطاع الفود ترك، يميزهم التزامهم بالجودة ورفضهم الحلول السهلة والرخيصة على حساب سمعتهم وطعم أكلهم. ومع خططهم القادمة لافتتاح مطعم، يبدو أن «مضغوط الشقة» لن يظل مجرد عربة على قارعة الطريق، بل قصة نجاح تتوسع، وتلهم آخرين ممن يحلمون بتحويل شغفهم إلى مشروع يلامس حياة الناس ويلبي أذواقهم بأعلى جودة. اختيار مسار مختلف رغم حصولها على شهادة جامعية مرموقة في إدارة الأعمال من جامعة الملك سعود، اختارت مشاعل السبيعي، ذات الثلاثين عامًا، طريقًا مختلفًا تمامًا عن المسار التقليدي الذي توقعه لها كثيرون. بدلاً من الالتحاق بوظيفة مكتبية أو شركة كبيرة، قررت أن تؤسس مشروعًا نابضًا بالحياة والطموح، عبر عربة طعام متنقلة تقدم أطباقًا بنكهة فريدة تجمع بين الوصفات المحلية واللمسات العالمية. تقول مشاعل وهي ترتب أدواتها صباحًا بجانب عربتها البيضاء المزينة بألوان هادئة ورسومات مستوحاة من التراث النجدي: «كنت أحلم دائمًا بعملي الخاص. الجامعة منحتني الأدوات الأكاديمية، لكنني أردت تطبيقها في شيء أحبه ويشبهني. انطلقت الفكرة قبل أربع سنوات، حين ناقشتها مع ابنة خالتها مها، التي درست التصميم الداخلي لكنها تشاركها شغف الطهي. اجتمعتا مرارًا في غرفة جلوس صغيرة، تخططان للشكل الخارجي للعربة، تختاران الألوان، وتجربان وصفات جديدة. جمعتا مدخراتهما، واقترضتا مبلغًا بسيطًا من الأسرة، وبدأتا رحلة طويلة للبحث عن تجهيزات مناسبة ضمن إمكاناتهما المحدودة. عربة «نكهة ومذاق» كما أسمتاها، تتميز بشكلها الأنيق البسيط واهتمامهما بأدق التفاصيل، من اللافتة المرسومة يدويًا إلى زي العمل الموحد الذي صممته مها خصيصًا. تقول مشاعل بفخر: «أردنا أن تكون العربة امتدادًا لنا، شيئًا أنيقًا وجذابًا لكن في متناول الجميع. أما ما يميز «نكهة ومذاق» أكثر من أي شيء فهو قائمتها الصغيرة المتجددة. تشرح مشاعل: «نحن لا نبيع مجرد سندويتشات أو وجبات تقليدية. نبتكر وصفات ذات لمسة سعودية لكن بنكهة عالمية. مثل شطائر الدجاج بالبهارات المحلية مع صوص مستوحى من المطبخ المكسيكي، أو البطاطس المحشوة بالجبن المعتق مع دقة نجدية.» وتضيف ضاحكة: «أحيانًا تكون نكهاتنا مفاجئة لكن زبائننا يحبون التجربة. روح الفريق الواحد لم تكن الرحلة سهلة، فقد واجهتا العديد من العقبات، من الإجراءات والتراخيص إلى البحث عن مواقع مناسبة والوقوف في الطوابير الرسمية لإتمام التصاريح. لكن الأهم كان إثبات جديتهما للمجتمع. تعلق مشاعل: «البعض استغرب: كيف جامعية تبيع من عربة؟ كنت أقول لهم إن هذه مهنتي ومشروعي الذي أفتخر به. نحن لا نبيع طعامًا فقط، بل نبيع فكرة وتجربة" العربة اليوم تقف في موقع شبه ثابت في أحد أهم الشوارع في شمال الرياض ، وقد بنت قاعدة زبائن أوفياء. من هؤلاء الزبائن منى العبدالله، وهي موظفة في بنك قريب، تقول بابتسامة عريضة وهي تحمل طلبها المعتاد: «من سنتين وأنا أجيهم بشكل مستمر. صرت أعرف مشاعل ومها شخصيًا. طعامهم مختلف فعلًا، تحس إنهم حاطين قلبهم فيه.» وتضيف: «غير إن الأكل لذيذ، يعجبني أسلوبهم الراقي. البنات محترمات جدًا، ونظافة العربة ممتازة، وأسلوبهم ودود.» تفتخر مشاعل بهذه العلاقة القريبة مع الزبائن. تقول: «بعضهم صاروا أصدقاء. يسمون أطباقنا بأسمائهم أحيانًا، يقترحون علينا وصفات. هذه الروح الاجتماعية ميزة الفود ترك عن المطاعم الكبيرة. اليوم، تفكر مشاعل ومها في التوسع المدروس. تخططان لعربة ثانية وربما التعاون مع فعالية موسمية كبرى. لكنهما تقولان إن السر الذي لن تفرطا فيه أبدًا هو الجودة والنكهة الفريدة واللمسة الشخصية. تختم مشاعل بابتسامة هادئة: «نحن قد لا نكون أكبر مشروع، لكننا مشروع صادق. وهذه هي وصفتنا السرية للنجاح. ثقة المستهلك مطلوبة أما الشاب عبدالإله المطيري (27 عامًا)، وهو موظف في القطاع الخاص، فيقول إنه يحرص على تجربة عربات الطعام المتنقلة خاصة في عطلة نهاية الأسبوع. يوضح: «بصراحة تعجبني فكرتها. أحسها أقرب للناس، وأحب أجواءها، كأنك تتعرف على البائع وتشوفه يجهز طلبك قدامك.» وعن مدى أمانها، يرد بتفكير: «أنا أختار العربات اللي شكلها نظيف ومعروفة. مو كل العربات زي بعض، لكن فيه كثير ملتزمين بالنظافة والاشتراطات. أحسها صارت آمنة أكثر من قبل.» وعن الأسعار مقارنة بالمطاعم، يبتسم قائلاً: «فيه عربات أسعارها منافسة جدًا وأرخص من مطاعم، خصوصًا في الوجبات الخفيفة، لكن فيه بعضهم صار سعره مثل المطاعم بالضبط، خاصة الذين يهتمون بالتفاصيل أو عندهم وصفات مبتكرة، لكن أنا ما عندي مشكلة أدفع لهم إذا كان الطعم يستاهل».