الجبل الأسود ليس مجرّد معلم جغرافي شاهق، بل أيقونة السياحة البيئية وقبلة لطالبي الهدوء والاسترخاء، يعيش الزائر له تجربة روحية وبصرية تأسره من النظرة الأولى، وبين طرقاته المتعرجة، وغاباته الكثيفة، وقراه الحالمة، يُعيد الزائر إلى اكتشاف معنى الجمال السعودي في أبهى تجلياته، فعلى ارتفاع يتجاوز 2500 متر عن سطح البحر، يتربّع هذا الجبل العملاق في أحضان محافظة الريث بمنطقة جازان، مشكّلاً لوحة ربّانية نادرة، تختلط فيها ملامح السحاب بالأرض، وتتمازج فيها نسمات البرودة بالسكينة. ويبعد الجبل الأسود حوالي 130 كيلومتراً شمال شرق مدينة جازان، ويمكن الوصول إليه عبر طريق جبلي يعبر أودية عميقة وسلاسل جبلية شاهقة، ليمنح الزائرين رحلة تخطف الأنفاس قبل بلوغ القمة، ويُعد الطريق المؤدي إلى الجبل جزءاً من تجربة الزيارة، إذ تتناثر المناظر الخلّابة يميناً ويساراً على امتداد الرحلة، من أشجار كثيفة وقرى معلّقة ومزارع جبلية بسيطة. وما يميّز الجبل الأسود عن سائر مرتفعات الجنوب هو مناخه الفريد؛ فدرجات الحرارة في الصيف تتراوح بين 17 إلى 25 درجة مئوية فقط، فيما تنخفض شتاءً لتلامس خمس درجات مئوية أحياناً، ما يجعل المكان ملاذاً لعشاق البرودة والضباب على مدار العام، وتغطي الضبابية معظم أوقات النهار، خاصةً في الصباح والمساء، لتمنح الجبل طابعاً أسطورياً يزيده سحراً وغموضاً. وفي أعالي الجبل، تنتشر قرى تقليدية مبنية من الحجر والطين، تسكنها قبائل محافظة الريث، وتروي جدرانها قصصاً من التراث والعزلة والكرم الجبلي، ويُعرف السكان المحليون بتمسكهم بهويتهم الأصيلة، وكرمهم الفياض تجاه الزوار، إذ يمكن للضيوف تناول القهوة الجبلية الطازجة والاستمتاع بأحاديث الضباب على إيقاع الطبيعة. ويتربّع الجبل الأسود على عرش السياحة الجبلية والبيئية في منطقة جازان، ليس فقط بعلوّه الشاهق، بل لما يجمعه من عشرة عناصر نادرة تجعله أيقونة السياحة البيئية وقبلة لعشاق الاسترخاء بامتياز؛ كارتفاعه البارد صيفاً والبارد شتاءً، كذلك الضباب الكثيف طوال العام، والغابات الكثيفة التي تكسو منحدراته، والقرى الحجرية المعلّقة ذات التراث المعماري الفريد، إضافةً إلى التنوع البيولوجي الغني من طيور ونباتات جبلية، والطريق المتعرج الخلاب عبر الوديان والمرتفعات، والهدوء والصمت التام الذي يمنح الزائر عزلة روحية منعشة، إلى جانب أجواء التخييم والمغامرة لهواة الطبيعة، وكرم السكان المحليين وروحهم الجبلية الأصيلة، وإمكاناته السياحية غير المستثمرة بالكامل حتى الآن، كل ذلك يجعل من الجبل الأسود لوحة ضبابية حيّة ومتنفساً بيئياً لا يُقدّر بثمن، ومشروعاً سياحياً استراتيجياً ضمن مستهدفات رؤية 2030 لتعزيز السياحة الجبلية والبيئية. وعلى الرغم من مكانته الطبيعية المبهرة، لا يزال الجبل الأسود ينتظر تطويراً سياحياً يتناسب مع ثرواته البيئية والثقافية، فإمكاناته الجغرافية والمناخية تؤهله ليكون واحداً من أهم الوجهات الجبلية في المملكة والمنطقة، عبر إنشاء مرافق بيئية متوازنة، ومسارات للمشي والتخييم، ونزل جبلي يحافظ على الطابع المحلي. يمكن الوصول إليه عبر طريق يعبر أودية وسلاسل جبلية