ما تشهده المملكة من انفتاح ثقافي لم يكن وليد اللحظة، بل سبقته مواهب سعودية صقلت نفسها ذاتيًا، وشاركت في دور الأوبرا العالمية، وتماهت مع فرق موسيقية أوروبية وعربية، واليوم، تأتي لحظة الحقيقة، أن تعود تلك المواهب إلى مسارح وطنها، وأن تقود أوركسترا الموسيقى السعودية في موسمها الأكثر نضجًا وتكاملاً. في منعطف ثقافي بالغ الدلالة، أعلنت الهيئة العامة للترفيه – بقيادة معالي المستشار تركي آل الشيخ – أن النسخة المقبلة من موسم الرياض ستشهد حضورًا سعوديًا وخليجيًا صريحًا على مسارح الحفلات الموسيقية والمسرحيات، في توجه استراتيجي يُعيد رسم خريطة الإنتاج الترفيهي محليًا، ويمنح المواهب السعودية نافذة أكبر على العالمية. ما أعلنه المستشار آل الشيخ عن دعم العازفين والموسيقيين الخليجيين، والتركيز على المسرحيات السعودية والسورية، يُشكل حلقة في سلسلة من التطورات المتصاعدة التي تشهدها السعودية في توطين الإنتاج الثقافي، وتحويله إلى منتج قابل للتصدير، وصناعة ترتكز على "الموهبة والهوية" أكثر من الاتكاء على الاستيراد المؤقت للنجوم. نصف هذا القرار ب"النقلة التاريخية" في مسيرة الموسيقى السعودية، ولعل هذا التعبير، بكل ما يحمله من زخم، لا يُبالغ في توصيف الواقع، بل يعكس جوهر ما يحدث في موسم الرياض، الذي بات يُشكّل منصة تكشف عن تحول نوعي في صناعة الترفيه، يقوم على تمكين الداخل لا استجلاب الخارج. ما تشهده المملكة من انفتاح ثقافي لم يكن وليد اللحظة، بل سبقته مواهب سعودية صقلت نفسها ذاتيًا، وشاركت في دور الأوبرا العالمية، وتماهت مع فرق موسيقية أوروبية وعربية، واليوم، تأتي لحظة الحقيقة، أن تعود تلك المواهب إلى مسارح وطنها، وأن تقود أوركسترا الموسيقى السعودية في موسمها الأكثر نضجًا وتكاملاً. هذا التوجه لا يعكس فقط دعم المواهب؛ بل هو امتداد لرؤية أكبر تسعى إلى إعادة تعريف مفهوم الترفيه بوصفه جزءًا من القوة الناعمة السعودية، ورافعة للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فحين يعلو صوت العود السعودي في سماء موسم عالمي، فإن ذلك يُعيد صياغة صورة المملكة خارج الحدود، من خلال الفن، والإبداع، والتعبير الثقافي الرفيع. في السياق ذاته، يُمثّل دعم "مسلسل درامي" في موسم الرياض مفاجأة مهمة، كما أشار آل الشيخ، ويُجسد توسع مفهوم الموسم ليشمل ليس فقط العروض المباشرة، بل حتى الصناعات الثقافية المسجلة، ما يعني اقتراب الموسم من التحول إلى منصة إنتاج متكاملة لا تقتصر على الاستهلاك الفوري، بل تصنع محتوى مستدامًا قادرًا على البقاء والتأثير بعد انتهاء الفعالية. وإذا كان الموسم في نسخته الماضية استقطب أكثر من 19 مليون زائر، فإن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالأعداد، بل بنوعية التأثير الثقافي، ومدى تصدير التجربة السعودية كنموذج فريد في إدارة المواسم وصناعة المحتوى المحلي، ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030. إن أبرز ما يُميز النسخة المقبلة لموسم الرياض، كما تشير المؤشرات، هو التحول من التجربة إلى المأسسة: فرق موسيقية متكاملة، وتدريب مكثف، وحفلات كبرى يقودها سعوديون، وتوسيع نطاق المشاركة لتشمل حتى المبتدئين الذين يصنعون مقاطعهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن تسمية هذا التحول ب"تأميم الإنتاج الثقافي" لا بالمعنى الاقتصادي، بل بالمعنى الرمزي، حيث يصبح السعودي والخليجي حاضرًا في واجهة المشهد. ولأن الهوية الموسيقية الخليجية لم تنل ما تستحقه من تسليط إعلامي، فإن الموسم المقبل يُعد فرصة لتقديمها لجمهور أوسع، وتوثيق حضورها ضمن مشهد عربي شديد التنوع، وهنا، لا بد من التذكير بأن التنوع الثقافي في السعودية، يشكل مخزونًا ثريًا من الألوان الموسيقية القابلة للعرض، والإعجاب، والانتشار. إن موسم الرياض، منذ انطلاقته، كان مشروع دولة يبني على الطموح الثقافي، وينتقل به إلى مستوى السياسات العامة، والدعم المؤسسي، والتشريعات التنظيمية كما فعلت هيئة الموسيقى بإدراج "العازف" كمهنة معترف بها. وأمام هذا المشهد، لم يعد السؤال: هل السعودية قادرة على بناء صناعة ترفيهية محلية؟ بل أصبح السؤال: كيف ستُصدر هذه الصناعة؟ ومن هم شركاؤها الإقليميون والعالميون؟ وما الدور الذي ستلعبه في تشكيل الوعي العربي الموسيقي في مرحلة قادمة من التحولات؟.. ببساطة، يمكن القول إن موسم الرياض 6 ليس موسمًا للاستهلاك، بل موسمٌ للتمكين. تمكين الموهبة، والهوية، والمستقبل.. دمتم بخير.