هناك أسماء سعودية كانت روافد متدفقة لحراك ثقافي إعلامي سعودي. غابت جسدا وظلت حاضرة في تاريخ الثقافة والإعلام السعودي، والمصادفة الجميلة التي قادتني للقراءة عن الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله-؛ أنني كنت أحاول تجميع مؤلفات مبعثرة بين الرفوف لعلم سعودي آخر في محاولة لترتيب ما بحوزتي من كتب، وهذا العلم هو الدكتور عبدالرحمن الشبيلي -رحمه الله- الذي جاءت أحد كتبه بعنوان «الشيخ حمد الجاسر - في حوار تلفزيوني توثيقي-». هكذا جاء العنوان، ولكن المحتوى كان أشمل من العنوان على أن صفحاته لم تتجاوز (128) صفحة متوسطة. لم يكن الجاسر مجرد ذات واحدة بل كان ذوات في إطار شخصية واحدة. نسابة، وعالم لغة، وقاض، وشاعر، وكاتب، وباحث. شخصية تشعرك بالدهشة من تمكنها في كل هذه المجالات، وهو تمكن مثبت بشواهد حية من مؤلفات وكتابات ومشاركات، والقائمة تطول وتتواصل إلى أن تصل لإنشاء مؤسسة صحفية جديدة -حينها- حملت اسم «اليمامة»، وفي الاسم ما يدل على نباهة حتى في اختيار العنوان. كثير هو الجاسر برغم إنه رجل واحد، ولكن الكثرة تأتي بمنحة ربانية تزرع ملكة وتهب عزيمة وتمنح جلدا ومثابرة، وتأتي يد الوطن لتمتد بالعطاء لمثل هؤلاء النوابغ لتمكنهم وتساندهم وتبارك جهودهم وتكافأ جدهم. تباركت مؤسسة اليمامة التي أصدرت مجلة اليمامة الأسبوعية في 20 مارس 1964م، وليصبح هناك إصدار آخر في 11مايو 1965م، وهي صحيفة الرياض التي نكتب هذه الأسطر عن علامة الجزيرة «حمد الجاسر» على صفحاتها النابضة منذ ذلك الحين في جسد الصحافة السعودية المتزنة الرصينة الغنية. هذا المقال وضعني في حيرة حقيقية، فهل التزم بالعنوان أم أذهب إلى كل اتجاه تحيل له كل فكرة تأتي من تلقاء نفسها في طريق الكتابة والفكرة! الجاسر والشبيلي واليمامة والرياض، وأحاديث تتداعى أمامي، ولكن شروط المقال حاكمة ومنصفة، ويكفي أن نشير إلى النجوم بعموميتها، ونحث من يرغب أن يعيش دهشة تشكل الأفكار، وحالة تجسيدها في الواقع السعودي، فيقرأ عن بدايات كل شيء في المملكة العربية السعودية، ليجد نفسه أمام سير ذاتية، وسير غيرية تضعه أمام مشهد من القفزات في شتى المجالات، وليلتقي في طريقه مع شخصيات جديرة أن تخلد وأن تروى سيرتها، وأن تكون قدوات لأجيال سعودية متلاحقة. حمد الجاسر الذي حُفر له القبر ثلاث مرات في طفولته المصابة بالعلل، قُدر له أن يحيا ويبذل ويبرز، وأن يٌحفر اسمه في تاريخ وطن عظيم.