من جماليات مبادرة (أجاويد) المجتمعية، أنها صُمّمت بروح تشاركية، ترى في الفرد شريكًا في البناء والتنمية والجميع في الميدان أبطال الحكاية، حملت روح منطقة عسير وأبنائها، وكانت استدعاءً لعاداتها، وقيمها، وكرمها ونخوتها، فغدت مشروعًا متكاملًا في الوعي، يجسّد فكرة الإبداع في الفكرة، وصنع الأثر الوطني العظيم.. في قمم الجنوب، حيث تتعانق الجبال وتحتشد القيم، وُلدت مبادرة أجاويد من رحم الأرض وروح الإنسان التي كانت مرآةً لهوية منطقة عسير، وتستحضر مخزونًا من كرم أهلها ومروءتهم وشهامتهم ممزوجة بقيمهم النابضة بالمسؤولية. ثلاث نسخ متتالية من أجاويد كتبت فصلًا جديدًا في علاقة المجتمع بذاته، ورسمت على خارطة المبادرات المجتمعية السعودية تجربة فريدة في عمقها، شاملة في أهدافها، متكاملة في أدواتها. حملت المبادرة توقيع هيئة تطوير منطقة عسير، ومبادراتها المجتمعية البديعة، فامتزج فيها التخطيط بالقيم، والتنمية بالمشاركة، بإشراف عالٍ قدير جدير من الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير، رئيس هيئة تطوير عسير. في النسخة الأولى، بدا المشروع كمصافحة أولى بين الجهات الرسمية وأبناء المجتمع، تم التأسيس على مبدأ "أنسنة التنمية"، حيث تشكّلت فرق العمل التطوعية من صلب الأهالي، وتوحدت الجهود في صورة لم تكتفِ بالعطاء، بل تبادر إليه من تلقاء ذاتها. امتدت يد أجاويد إلى الميادين، وإلى البيوت، وإلى منازل كبار السن، وحملت في تفاصيلها مفهوماً واسعًا للعون، لم يتوقف عند المساعدات، بل تجاوزها إلى التمكين والتأهيل. في النسخة الثانية "أجاويد 2"، نضجت الفكرة، وازدادت اتساعًا وتنظيمًا، فأُعيد تشكيل الأدوار، توسعت خريطة الفرق، وارتفعت وتيرة الفعل، حيث قدمت 7,043 مبادرة تطوعية عبر ثلاثة مسارات رئيسة: الوعي والعطاء والقوة، وشارك فيها ما مجموعه 107,466 مشاركاً من جميع أنحاء منطقة عسير، ساهموا بحوالي 67,300 ساعة تطوعية، بمشاركة 3,684 جهة (حكومية وغير حكومية)، حيث أصبح للمبادرة أثر ملموس في الحواضر والقرى، فظهرت فرق النقل، وفرق الضيافة، وفرق التوثيق، وفرق الدعم اللوجستي، كمؤسسات حقيقية تحمل رسالة، وتنفّذ المهام بأعلى درجات الاحتراف والتفاني. أما النسخة الثالثة، "أجاويد 3"، فكانت موسم الحصاد والارتقاء، حيث عكست التجربة نضج تفاعل المجتمع، وجميع قطاعات منطقة عسير ومكوناتها، فشاركت الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والجهات الحكومية، والقطاع الخاص. تآلف الجميع على كلمة واحدة، واجتمعت القلوب حول هدف واحد: خدمة الإنسان، وترسيخ المعاني، لتجسد رباعية قيم أبناء منطقة عسير من الصدق، التسامح، الانتماء، والانضباط. في هذه النسخة، اتّسعت رقعة التأثير، وتعددت الشراكات، فأُغزرت منصة أجاويد بأكثر من14,344 مبادرة، ممثلةً أنموذجًا وطنيًا لتفعيل قيم مجتمع عسير عبر المبادرة التي جمعت بين التنافس الحضاري والمشاركة الفطريّة، لتنتقل من رمزية القيم إلى واقع يومي ملموس يبدأ من الإنسان وينعكس على الأسرة، والبيئة، والجهات الحكومية، والقطاع الخاص. قادتها رؤية واضحة وأدوات تقنية واجتماعية متكاملة، لتكون ثقافة متجددة أنتجها مجتمع عسير بروح العصر بكل اقتدار. ومن جماليات (أجاويد)، أنها صُمّمت بروح تشاركية، ترى في الفرد شريكًا في البناء والتنمية والجميع في الميدان أبطال الحكاية، حيث حملت روح منطقة عسير، فكانت استدعاءً لعاداتها، وقيمها، ونخوتها، فغدت مشروعًا متكاملًا في الوعي، يقوم على ثقة القيادة في قدرات المجتمع، ويجسّد فكرة أن الإنسان حين يُعطى المساحة، فإنه يبدع في الفكرة، ويصنع الأثر. لقد أثبتت (أجاويد) أن التنمية الحقيقية، هي تلك التي تبدأ من قلب الإنسان، وتمتد إلى محيطه، فالمبادرات لا تنجح بالحملات وحدها، بل تُكتب لها الحياة حين تتجذر في الضمير الجمعي، وهي جزء لا يتجزأ من عادات المكان وثقافة الإنسان. في تجربة أجاويد، تتجلى فلسفة تنموية تُراهن على الإنسان، وتُكرّم فطرته، وتؤمن بقيمه وعاداته وقدرته على أن يكون فاعلًا. وهي اليوم، أنموذج سعودي يُحتذى، ومصدر فخر لأبناء جنوب الوطن، بوعيٌ يتقّد، وضميرٌ يتحرّك، ومجتمعٌ يعرف كيف يصنع أثره بقيمه وبعزمه وطيب معدنه.